دون مقدمات ولا أسباب واضحة أُعلن تعيين رئيس جديد للمخابرات العامة، خلفًا للواء عباس كامل، الذي عين مستشارًا ومبعوثًا خاصًا لرئيس الجمهورية، ومنسقًا عامًا للأجهزة الأمنية، لتثير المفاجأة زوبعة من التكهنات حول الدوافع وراء القرار، خاصة وأن الرجل يعرف بـ"كاتم أسرار" الرئيس عبد الفتاح السيسي، وظله الذي لا يفارقه في الزيارات الخارجية، وفي لقاءاته مع معظم المسؤولين الذين يزورون البلاد.
حسب المتاح من معلومات، فكامل هو الرئيس الـ26 للمخابرات العامة، ولد عام 1957 وتخرج في الكلية الحربية ضابطًا في سلاح المدرعات عام 1978، وحصل على دورة المدرعات المتقدمة من أمريكا، وعُين مساعدًا لملحق الدفاع المصري بجمهورية التشيك.
لا تَذكر السيرة الذاتية المنشورة لكامل تاريخ انضمامه إلى المخابرات الحربية، لكنها تشير إلى أنه التحق بإدارة الملحقين العسكريين، ثم أصبح رئيس فرع الملحقين الحربيين "إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع"، وتدرج في المناصب إلى أن أصبح مديرًا لمكتب السيسي عندما كان الأخير رئيسًا لجهاز المخابرات الحربية.
اختص كامل بالملفات المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين
انتقل كامل مع السيسي إلى وزارة الدفاع عندما أصبح وزيرًا في عهد محمد مرسي، حيث عُين في منصب مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة، ومنها انتقل مرة أخرى مع تولي السيسي رئاسة الجمهورية مديرًا لمكتبه، خلال الفترة ما بين 2014-2018.
وفي يونيو/حزيران 2018، أدّى كامل اليمين الدستورية أمام السيسي رئيسًا لجهاز المخابرات العامة المصرية حيث كان قد تم تكليفه بتسيير أعمال الجهاز منذ يناير/كانون الثاني من العام نفسه، خلفًا للواء خالد فوزي.
اسأل عباس
برز دور عباس كامل المحوري في إدارة الملفات عبر تسريب صوتي مقتطع من أول حديث صحفي أدلى به السيسي مع ياسر رزق في أكتوبر/تشرين الأول 2013، بعد الإطاحة بمرسي، إذ أجاب السيسي وقتها عن سؤال رزق بشأن عدد ضحايا فض اعتصامي رابعة والنهضة قائلًا "اسأل عباس".
اختص كامل بالملفات المتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين، إذ رأس لجنة الخبراء المكلفة بفحص أحراز قضية "التخابر مع قطر"، التي اتهم فيها مرسي و10 آخرون من قيادات الجماعة بتسريب وثائق الأمن القومي لدولة قطر كما أدلى بشهادته في تلك القضية عام 2015.
تعددت الملفات التي يديرها كامل على مدار السنوات التالية، ومن أهمها ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي ظل فاعلًا فيه حتى آخر يوم له في المنصب، كما لعب دورًا فيما يتعلق بالتطورات في القرن الأفريقي، إذ أجرى عدة جولات على مدار الشهور الأخيرة من بينها مرافقته وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي إلى العاصمة الإريترية أسمرة، ولقاؤهما الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، وهي الزيارة التي أعقبت توقيع مصر والصومال بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، وسط خلاف بين مقديشو وأديس أبابا.
كان لكامل دور بارز في إدارة الملف الليبي، وتعددت زياراته إلى ليبيا حيث التقى مسؤولين بها، ولعب دورًا في الدفع بالعملية السياسية من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، كما دعم المساعي والجهود التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لتهيئة الظروف المناسبة لتنظيم العملية الانتخابية.
كامل كان ولا يزال أحد الأشخاص القلائل في النظام الذين يثق بهم الرئيس
إلى جانب ذلك برز اسم كامل بشكل لافت في ملف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وحرب غزة الدائرة حاليًا، وتحديدًا فيما يخص تبادل صفقة تبادل المحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس. ظهر ذلك في تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، التي نقلت مشهدًا متوترًا خلال المفاوضات التي جرت في الدوحة بقطر، فَقَدَ كامل فيه أعصابه بعد أن طرح فريق التفاوض الإسرائيلي مطالب جديدة لتأمين الممرات الاستراتيجية في غزة. وعبَّر عن استيائه لفريقه قائلًا إن نتنياهو يضيع وقتهم، ما يعكس عمق الخلافات والضغوط التي كانت تسود تلك المفاوضات.
وفي أغسطس/آب الماضي، ذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس جهاز الشاباك رونان بار التقى كامل في القاهرة لإجراء محادثات تناولت الجمود في المفاوضات بشأن الصفقة واتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
فضيحة مينينديز
لم تخل سيرة مدير المخابرات العامة من الشوائب، إذ ورد اسمه مقترنًا بالسيناتور الأمريكي بوب مينينديز الذي يحاكم بتهمة تلقي رشاوى من الدول لتسهيل حصولها على مساعدات عسكرية فيما يُعرف بفضيحة رشوة مينينديز، وفي شهادة أدلت بها سارة أركين مساعدة كبيرة سابقة عملت لدى مينينديز قبل وأثناء رئاسته للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن السيناتور كان يجري محادثات مع مسؤولين مصريين لم تكن على علم بها، حسب ما نشرت مجلة بوليتيكو الأمريكية.
وأشارت سارة إلى أنه في مرحلة ما، كان رئيس جهاز المخابرات المصري، عباس كامل، يكتب لمينينديز رسالة تبدأ بعبارة "عزيزي بوب"، وقالت أركين إنها "كانت بمثابة تحية غير عادية ترد في رسالة موجهة إلى عضو مجلس الشيوخ من مسؤول أجنبي".
منصب جديد
وفقًا للقرار، عُين كامل مستشارًا لرئيس الجمهورية منسقًا عامًا للأجهزة الأمنية والمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية، وهو منصب جديد، تم استحداثه من أجل كامل، ما يصفه مصطفى بكري عضو مجلس النواب بمنصب "رفيع المستوى"، كونه يتولى التنسيق بين كافة الأجهزة الأمنية، و"هي مكانة تحتاج إلى خبرة محنكة وقيادة مرموقة، لديها فهم استراتيجي للتحديات التي تواجه البلاد في الداخل والخارج".
فيما يعتبره أحمد الطاهري، مدير قطاع الأخبار في الشركة المتحدة، دليلًا على "القيادة السياسية في مصر بما لديها من إشراف واستباق دائم لتطورات الأوضاع في المنطقة وانعكاساتها على كل المستويات"، لافتًا إلى أنه "أصبحت الحاجة الآن لوجود منسق عام لهذه الأجهزة الأمنية بما يتسم مع طبيعة التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري من ناحية وانعكاس هذه التحديات على مختلف المستويات".
فيما يرى مايكل وحيد حنا مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إن كامل "كان ولا يزال أحد الأشخاص القلائل في النظام الذين يثق بهم الرئيس"، وأضاف "لا أتوقع أن يختفي من المشهد".
وربطت بعض الآراء على السوشيال ميديا بين زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر مؤخرًا وخبر الإقالة وهو ما يستبعده عماد الدين حسين عضو مجلس الشيوخ، في تصريح لقناة الحرة، "لم يحدث من قبل ولن يحدث أن تتدخل دولة خارجية في إقالة أو تعيين مسؤولين في مصر"، مؤكدًا أن "استبدال كامل قرار سيادي طبيعي يحدث كل فترة في المناصب العليا في مصر، وليس غريبًا أو خارقًا للطبيعة"، ولفت حسين إلى أن "السيسي لديه حسابات خاصة ويريد ضخ دماء جديدة".