أنهت الأغلبية البرلمانية عام 2017 بمؤتمر شارك فيه رئيس مجلس النواب علي عبد العال وأعلن خلاله زعيم الأغلبية النائب محمد السويدي دعم ائتلاف دعم مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بعد أن قدم المجلس في نهاية العام هدايا تشريعية للمواطنين أعقبت إقرار حالة الطوارئ في أبريل/نيسان وتمرير اتفاق ترسيم الحدود البحرية المثير للجدل بين مصر والسعودية بسبب نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة في يونيو/ حزيران.
القوانين التي أقرّها البرلمان في آخر العام تغازل المصريين بقطاعاتهم المختلفة؛ إذ وافق نهائيًا على أول قانون للتأمين الصحي الشامل، كما أقر أول قانون لضمان حقوق ذوي الإعاقة والأقزام، بما يتضمنه من حزمة من الحقوق الورادة في "الاتفاقية الدولية لحقوق اﻷشخاص ذوي اﻹعاقة" التي صدقت عليها مصر.
وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر، عقد ائتلاف تحيا مصر الذي تشكلت قوائمه وائتلاف أغلبيته برعاية أجهزة سيادية خلال فترة الانتخابات، مؤتمرًا موسعًا، بحضور رئيس البرلمان علي عبد العال، والقائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، وزير الإسكان، وبعض الوزراء.
حضر المؤتمر الذي انعقد في أحد فنادق القاهرة معظم النواب، واستمعوا إلى كلمة السويدي التي ركز خلالها على ما اعتبره إنجازات للرئيس خلال فترة رئاسته، والتي "لا ينكرها إلا جاحد"، حسب تعبيره.
لكن الطريق إلى الانتخابات الرئاسية لم يكن في ليلة وضحاها، أو في الشهر الأخير لعمل المجلس، بل بدا واضحًا منذ بداية العام، تحول نسبي في أداء البرلمان، ظهر في قوة رئيس مجلس النواب علي عبد العال، وثقته في نفسه، وحزمه أمام محاولات المعارضة مقاومة تمرير بعض القوانين أو الاتفاقيات، وأداء زعيم الأغلبية الذي تطور بشكل كبير، خاصة مع النصف الثاني من عام 2017، وعلى الرغم من تغيب النواب عن حضور الجلسات، والتوقف عن استخدام ألية التصويت الإلكتروني، لكن بقيت الأغلبية البرلمانية حاضرة ومتوحدة في الملفات الحاسمة.
محطات وهدايا
في الأسابيع الأخيرة لـ 2017 أنهى البرلمان قانون التأمين الصحي، مصرًا على إصداره قبل نهاية ديسمبر/كانون أول، وهو القانون، الذي أكدت مصادر متعددة، أنه أحد أعمدة الدعاية الرئيسية في حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاستعداد للانتخابات الرئاسية، المنتظر إجراؤها خلال الأشهر المقبلة. كما أنهى قانون حقوق ذوي الإعاقة، مقدمًا عددًا من المزايا الإيجابية، والحقوق المستحدثة في التشريع المصري، لصالح ذوي الإعاقة والأقزام، وأصر رئيس البرلمان على الانتهاء منه أيضًا في نهاية ديسمبر، قبل بداية العام الجديد، والاستعداد لانطلاق عام ذوي الإعاقة الذي أعلن عنه الرئيس.
ولكن البرلمان أعاد حالة الطوارئ، التي عطلتها مؤقتًا ثورة 25 يناير، للتطبيق مرة أخرى في أبريل/نيسان الماضي، وفرض قيودًا جديدة على التنظيمات النقابية، بعد موافقته على القانون المقدم من الحكومة، وزيادة العدد المطلوب لتأسيس وتكوين اللجان النقابية العمالية، وجعل المجلس، عبر قانون الهيئات القضائية، رئيس الجمهورية صاحب القرار في اختيار رؤسائها.
2017 تخللها عدد من المحطات، التي يمكن التوقف عندها لتكون مرايا تعكس لنا الأداء التشريعي والسياسي في مصر.
تيران وصنافير
ستظل الاتفاقية التي نقلت تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية الحدث الأبرز تحت القبة. رغم أنها العاصفة التي خمدت بمجرد نجاح الأغلبية في الموافقة على الاتفاقية.
فعقب تمرير الاتفاقية امتنع نواب عن الحضور من بعدها أو التزموا الصمت، فالموقف الأول تبناه النائب خالد يوسف عضو تكتل 25/30، أما الموقف الثاني فالتزم به النائب أحمد الطنطاوي الذي أحيل للتحقيق في يونيو/حزيران الماضي على خلفية إلقائه الميكروفون أثناء اجتماع اللجنة التشريعية، ولم توقع عليه أية عقوبة حتى الآن وحفظت أوراق التحقيق في الأدراج.
البداية في الثاني من يناير/كانون ثاني حين أعلن الأمين العام لمجلس النواب، المستشار أحمد سعد الدين، تلقي البرلمان اتفاقية ترسيم الحدود المائية بين مصر والسعودية. وقال رئيس المجلس وقتها إن "البرلمان سيتعامل مع هذه القضية بقلب وعقل مفتوحين"، لكن مع بداية المناقشات بدأت الخلافات والمشادات التي وصلت للتشابك بالأيدي وتبادل السباب بين النواب.
بعد مرور نحو ستة أشهر على وصول الاتفاقية للبرلمان، بدأت اللجنة التشريعية مناقشتها في اجتماعات متتالية على مدار ثلاثة أيام، ترأسها رئيس مجلي النواب بنفسه، استمع خلالها النواب، في الفواصل بين المشاجرات، لكلمات خبراء ومسئولين من اللجنة القومية التي تفاوضت مع الطرف السعودي وشاركت في صياغة الاتفاقية.
حاول نواب التكتل في أول اجتماع منع المناقشة وبطلانها مستندين لحكم القضاء الإداري ولكن لم تفلح محاولتهم، وبعد إصرار من المعارضين على الاستماع لصوت آخر غير الممثلين للحكومة، استضاف اجتماع اللجنة التشريعية خبيرة الحدود والتحكيم الدولي هايدي فاروق، والتي سبق لها العمل في مكتب الوزير عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، وكانت تعمل خبيرة في ملف الحدود والثروات. وكلفها عمر سليمان في الفترة من 2006 وحتى 2010 بالتحقق من مصرية تيران وصنافير. وبعد حديث لم يطل تخلله استشهاد بوثائق أمريكية وبريطانيا تؤكد سيادة مصر على الجزيرتين، تعرضت هايدي لهجوم من النائب مرتضى منصور، فانصرفت باكية وقالت "أنا جيت في المكان الغلط".
وفي الرابع عشر من يونيو أجرى رئيس المجلس التصويت النهائي على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية الذي انتهى بالموافقة، وسط صيحات وبكاء نائبات ونواب من الرافضين للاتفاقية. وبعد تمرير الاتفاقية اعتصم معارضون بعض الوقت، وعقد التكتل مؤتمرًا صحفيًا، واستقال النائب الوفدي محمد فؤاد، ولكن الأجازة البرلمانية التي تلت تمرير الاتفاقية كانت كفيلة بعودة الهدوء للمجلس مرة أخرى، فخمدت نيران الغضب وعاد فؤاد لموقعه متراجعًا في جلسة عامة عن استقالته.
التخلص من السادات
في مطلع العام بدأ العد التنازلي لتواجد النائب السابق محمد السادات في مجلس النواب. وبالفعل بعد تحقيق معه في لجنة القيم، أعقبه جلسة عامة تم التصويت فيها على إسقاط عضويته، أعلن عبد العال خلو مقعد الدائرة التي يمثلها (تلا والشهداء).
القشة التي أثقلت ميزان السادات ودفعت للرغبة في التخلص منه كانت مع إرسال السادات لبيان صحفي يوضح تقدمه بسؤال لرئيس المجلس بشأن إنفاق 18 مليون جنيه لشراء ثلاث سيارات للمجلس من موازنة العام المالي (2015/2016)، واستنكر النائب تحميل المجلس هذه المبالغ، إذ تُقَدَّر قيمة شراء السيارة بأسعار الصرف حينها بـ 680 ألف دولار، وانتقد "الإسراف والبذخ في الإنفاق في الوقت الذي تعاني فيه موازنة الدولة من عجز حاد اضطر الدولة للاقتراض بشروط شديدة الصعوبة".
ولكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد، فعلاقات السادات الخارجية كانت مبررًا طوال الوقت للهجوم عليه والرغبة في إبعاده عن رئاسة لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب.
"مستعد أركب مواصلات عامة، أنا ابن الشعب ومن قلب الصعيد". كانت هذه الكلمات محاولة من رئيس مجلس النواب علي عبد العال للدفاع عن نفسه وهيبته أمام الرأي العام، وجاءت مواكبة للنيران التي أطلقها النواب ضد زميلهم، الأمر الذي انتهى بإحالته للجنة القيم للتحقيق معه في عدد من الاتهامات.
وبعد موافقة لجنة الشئون التشريعية على العقوبات التي اقترحتها لجنة القيم ضد السادات التي شملت إسقاط عضويته بتهمة تزوير توقيع النواب على مشروع قانون الجمعيات، وإسقاط عضويته في تهمة إرسال بيان الى الاتحاد البرلماني الدولي، صوت النواب على العقوبات في جلسة تالية انتهت بتأييد قرار اسقاط العضوية بموافقة 486 نائب وامتنع تكتل 25/30 عن التصويت.
الإشراف القضائي
خلال 2017 وافق مجلس النواب على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، وأنهى الإشراف القضائي على الانتخابات بمرور عشر سنوات على الدستور. وكان نواب المعارضة وبعض نواب الأغلبية ومنهم رئيس ائتلاف دعم مصر، محمد السويدي قد اعترضوا على هذا البند مستشهدين بأهمية الإشراف القضائي، إلا ان التفسير الحرفي لنص الدستور الذي يلزم بالاشراف القضائي لعشر سنوات انتصر في النهاية، وتراجع السويدي ونواب الائتلاف عن موقفهم.
قرض الصندوق
كان تمرير قرض صندوق النقد الدولي ، في مارس/آذار الماضي أحد أهم الاتفاقيات التي وافق عليها مجلس النواب، ولم تستغرق مناقشته أكثر من دقائق محدودة خلال الجلسة العامة، على الرغم من أهميته، وبالرغم من تلقي الحكومة دفعة أولى منه، قبل الموافقة النهائية عليه من قبل المجلس.
الهيئات القضائية
كان مشروع القانون المقدم من وكيل اللجنة التشريعية، النائب حلمي الشريف، أحد أهم القوانين التي مررها المجلس، والتي أحدثت تغييرًا جذريًا في هيكل الهيئات القضائية، وأنهت مبدأ الأقدمية، المتبع منذ سنوات طويلة، في اختيار رؤساء الهيئات، وفتحت الباب للرئيس للتدخل في الاختيار.
القانون مر رغم محاولات المعارضة مقاومته، وتجديد مطلبها بإجراء التصويت الالكتروني، مع إصرار رئيس المجلس على التصويت وقوفًا، وقال عبد العال خلال المناقشات "لو شعرت أن في واحد على عشرة في هذا القانون ما يمس استقلال القضاء، ما مررته في هذه الجلسة".
الاستجواب الساقط
خلا البرلمان خلال العام الماضي من أية استجوابات، ولم يسجل مجلس النواب أية أهداف في شباك الحكومة، بل على العكس، كان العمل مشتركًا دائمًا بين الجانبين، دون حتى إجراء استجوابات على غرار عصر الحزب الوطني. والملفت أن الاستجواب الوحيد الذي كان من المقرر مناقشته بعدما استوفى جميع الشروط؛ لم يجد أصحاب القرار فرصة لمنعه، ولكن ما حدث هو تعطيل مناقشته لحين انتهاء دور الانعقاد، وبالتالي سقوطه.
كان من المفترض مناقشة الاستجواب بحد أقصى في أبريل وتقدم النائب محمد بدراوي ممثل حزب الحركة الوطنية، بعدة خطابات لرئيس المجلس، يطالبه بتطبيق اللائحة، ومناقشة الاستجواب، دون جدوى. وسقط الاستجواب الذي وجه اتهامات للحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية وتحدث عن زيادة معدلات الفقر والتضخم.