حاول بعض نواب الأغلبية البرلمانية في حدود المتاح والمسموح والممكن، تغيير وتعديل وتحسين بعض مواد قانون التأمين الصحي، أما الأقلية البرلمانية فتغيب معظم نوابها عن جلسة التصويت بعد أن أعلنوا ولأول مرة رفض الموافقة على مشروع القانون من حيث المبدأ، وأبى المنتمون لتكتل 25/30 الخضوع لأي ابتزاز يظهرهم وكأنهم ضد صدور قانون تأمين صحي شامل ينقذ المصريين من المنظومة الصحية المنهارة.
التكتل و"ابن أبيه"
"إيه يا هيثم ؟ إنت مش عايز القانون يطلع ليه؟" قالها رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، للنائب هيثم الحريري مستنكرًا اعتراضاته ومداخلاته المتكررة، خلال الجلسة العامة، التي شهدت الموافقة النهائية على مشروع قانون التأمين الصحي الشامل.
لكن كلمات عبد العال الذي أراد تمرير أول قانون للتأمين الصحي الشامل، واحتفائه به وبإنجاز الحكومة والقيادة السياسية لم تثن الحريري عن موقفه ولم يتراجع ورد واثقًا "يا فندم مافيش نائب لا يرغب في إقرار قانون للتأمين الصحي، لكن خلونا نطلع قانون كويس يخدم الجميع".
أيضًا تحدث نجل النائب والسياسي اليساري الراحل، أبو العز الحريري، عما يراه عيوبًا القانون بوضوح، وأشار إلى غياب النص على التسلسل الزمني بالسنوات، في النسخة النهائية لمشروع القانون، وطرح تساؤلات بشأن مصير المستشفيات غير المستوفية لشروط الجودة وخصخصتها، وتحدث عن محافظة الإسكندرية التي سيتكبد مواطنوها دفع رسوم على السجائر والسيارات والصيدليات والعيادات والشركات باختلاف أنشطتها وغيرها من مصادر التمويل للمنظومة، فيما لن تستفيد هذه المحافظة بخدمات التأمين الصحي قبل مرور تسع سنوات على بدء العمل بهذا القانون.
وقف الحريري ومعه نائبين فقط من أعضاء تكتل 25/30 استجابة لطلب رئيس المجلس، الذي دعا الرافضين للوقوف، وكانوا ثلاثة نواب فقط: الحريري ، وضياء الدين داوود، وأحمد الطنطاوي.
الكلام عن الحريري ومحاولاته وتأكيده رسميًا رفض التكتل لمشروع القانون لابد أن يعيدنا هنا إلى دور المعارضة مرة أخرى، ونستطلع النواب الذين تحدثوا خلال الجلسة العامة والذين ينتمون للأقلية المعارضة، وأبرزهم إيهاب منصور، وطلعت خليل، ولكنهما اختفيا خلال التصويت ولم يقفا مع الرافضين.
فيما تغيب آخرون من تكتل 25/30 عن جلسة التصويت؛ نعم الأصوات غير مؤثرة في المعادلة النهائية، وسيمر القانون، لكن الغياب في رأيي يعكس أيضا قصورًا في رؤية المعارضة لدورها وعدم اكتراثها بالظهور بقوة في رفض قانون كهذا. واكتفى نواب التكتل بالبيان الرسمي، وبيانات متفرقة أصدرها بعض النواب كل على حدة تؤكد رفضهم للقانون.
ورغم أهمية القانون، ومع عقد ائتلاف الأغلبية والتكتل لقاءً قبل المناقشة تحت القبة، تطرقا خلاله لعيوبه، ورغم وجود نواب من خارج الأغلبية، ومن خارج التكتل، يمكن استمالتهم للنقاش والعمل على تحسين القانون، إلا أن هذا لم يظهر بشكل كبير في القاعة خلال المناقشات، وظل الدور الأبرز في المناقشات منسوبًا لهيثم الحريري، سواء في اجتماعات لجنة الشؤون الصحية، أو في الجلسة العامة.
معارض من الأغلبية
يعلم نواب ائتلاف دعم مصر بوجود بعض المشاكل الكبرى في هذا القانون، بخلاف المساهمات والاشتراكات، وغموض مسمى غير القادرين؛ يعلم النواب الأطباء أن القانون أغفل دور النقابات الطبية ووزارة الصحة بشكل كبير، ومع ذلك لم يتحدثوا عن هذه البنود لعملهم أنها أمور غير قابلة للتغيير.
نواب الأغلبية غير الحزبية وغير المتناغمة أيديولجيًا وافقوا على القانون ولم تتضمن المناقشات التي خاضها النواب في المشروع خلافات تذكر، سوى تعديل بسيط من رئيس الائتلاف، يساوي بين الرسوم التي تدفعها الشركات أيًا كان اختصاصها، لكن كان هناك صوت معارضة واضح من داخل صفوف الأغلبية ذاتها.
سبق وتحدثنا عن النائب مجدي مرشد، طبيب العيون الذي يتولى منصب أمين عام ائتلاف دعم مصر، والذي تولى رئاسة لجنة الشؤون الصحية، خلال دور الانعقاد الأول، وتم إجباره على الانسحاب من المنافسة على رئاستها في دور الانعقاد الحالي.
رغم وجود مرشد في صفوف الأغلبية، لكن مشاركته في المناقشات ساهمت في تحسين وتعديل بعض مواد هذا القانون، سواء خلال المناقشات في لجنة الشؤون الصحية، أو خلال المناقشات في الجلسة العامة.
مرشد كان قد أكد خلال المناقشات معارضته لفلسفة القانون المقدم من الحكومة معتبرًا تطبيق منظومة التأمين الصحي على مراحل زمنية تستغرق 15 سنة لحين وصولها لجميع محافظات الجمهورية؛ أمرًا غير دستوري.
واقترح مرشد الإبقاء على المنظومة الحالية التي تضم أكثر من 50 مليون مصري ووضع خطة لتطويرها والعمل بالتوزاي في جميع المحافظات، لكن بالطبع تم رفض الاقتراح خلال المناقشات.
لكن مساهمات الأمين العام لائتلاف الأغلبية وتمسكه بتعديل بعض البنود خلال المناقشات في اللجنة أتت بثمارها، إذ وافقت اللجنة ومن ثم النواب في الجلسة العامة على تخفيض قيمة رسوم ترخيص العيادات والصيدليات التي كان نص عليها المشروع الحكومي بـ 10000 جنيه، وهو ما عارضه مرشد وعدد من النواب الذين نجحوا في جعل الرقم يتراوح بين 1000 جنيه إلى 15000 جنيه حسب كل حالة.
وواجه مرشد انتقادًا من رئيس المجلس، خلال الجلسة العامة، واعتبر أن دعوته لتخفيض قيمة المساهمات التي يدفعها المواطن في الأشعة والتحاليل والإقامة في الأقسام الداخلية بالمستشفى بمثابة عودة لمنظومة العلاج المجاني، التي ثبت فشلها بحسب تعبير رئيس المجلس.
وعلى الرغم من انفعال عبد العال أمام مطالب مرشد بالتخفيض رد الأمين العام للائتلاف "لو كان بيدي ألغي جميع المساهمات والحد الأقصى المطلوب من الفرد"، فمرشد يطالب دائما بما هو ممكن فلم يطرح إلغاء المساهمات ولكن طرح تخفيضها ودافع عن اقتراحه بقوة أدت لتراجع الحكومة وموافقة وزير المالية عمرو الجارحي على تخفيض الحد الأقصى لمساهمات الفرد في هذه الحالات.
وأصبح الحد الأقصى لمساهمة المواطن في التحاليل 750 جنيه، بدلا من 1000 جنيه، وفي الأشعة 750 جنيه بدلا من 1000 جنيه، فيما وصل تخفيض الحد الأقصى للمساهمة في الإقامة الداخلية إلى 300 جنيه، بعدما كانت 500 جنيه.