خلال جلستين فقط أنهى البرلمان ملف قانون التأمين الصحي ليبدأ مجلس الوزراء العمل على إخراج اللائحة التنفيذية للقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
القانون قدمته الحكومة، وتعاون معها مجلس النواب ورئيسه، ورئيس لجنة الشؤون الصحية في إخراجه دون تعديلات جوهرية في مضمونه، تخوفًا من حدوث خلل في الأمور المالية تهدد استمرارية واستدامة منظومة التأمين الصحي.
وسعى النواب للانتهاء من القانون بمجرد إحالته لمجلس النواب، بل إن البرلمان لم يستكمل مناقشة قوانين كان قد بدأها، لينتهي من قانون التأمين الصحي، وقال النواب بشكل صريح خلال الجلسة العامة وفي الأحاديث الجانبية إن هذا القانون من المقرر أن يخرج للشعب المصري قبل الانتخابات الرئاسية، وقال أحد النواب –تحفظ على نشر اسمه- في تصريح خاص "هذا القانون سيُقدَّم على أنه من أهم إنجازات الرئيس للمصريين"، وحذر المصدر من الاهتمام بمدن القناة التي يُطَبَّق فيها النظام خلال الأشهر المقبلة، الذي قد يؤثر سلبًا على المنظومة الصحية في باقي المحافظات وحدوث مزيد من الانهيار.
وستشهد الأسابيع المقبلة الترويج للقانون باعتباره من أهم إنجازات النظام للمصريين الذين يعانون اقتصاديًا ويضطرون للجوء لمنظومة صحية متصدعة ومنهارة.
ورغم عدم وجود تصويت إلكتروني يؤكد تواجد النصاب القانوني الذي يتطلبه القانون المكمل للدستور الذي يحتاج موافقة ثلثي الأعضاء، قال عبد العال "أعلم أن العدد أكثر من المطلوب في القاعة"، ودعا النواب خارج القاعة للدخول للتصويت.
وأعلن عبد العال الموافقة على مشروع القانون بعدما طلب من النواب التصويت وقوفًا، ثم طلب من المعترضين الوقوف، فوقف نواب تكتل 25/30 الحاضرين في الجلسة: هيثم الحريري، ضياء الدين داوود، أحمد الطنطاوي.
واحتفى البرلمان والحكومة بالانتهاء من القانون مهنئين الشعب المصري عليه، وقال عبد العال "هذا القانون الذي انتظره الشعب المصري طويلًا يعتبر نجاح للقيادة السياسية والبرلمان والحكومة".
قلب القانون
تعتبر المادة 40 قلب القانون، إذ تتضمن مصادر تمويل المنظومة التي من المفترض أن تشمل كل المصريين، وبدأ عبد العال الجلسة بهذه المادة بعدما توقف أمس عند المادة 39.
وخلال المناقشات اقترح النائب علاء عابد، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، زيادة الرسوم على السجائر عن النص الوارد في مشروع القانون المقدم من الحكومة وقال:"المدخنين زعلانين مننا لكن يستحملونا زي ما احنا بنستحملهم".
فيما طالب النائب عفيفي كامل بتطبيق الضرائب التصاعدية والاستفادة منها في منظومة التأمين الصحي، بينما قلل النائب هيثم الحريري من قيمة تقديم اقتراحات جديدة في هذه المدة وقال "الدراسة الاكتوارية التي تسلمناها من الحكومة تعجيزية، 5000 ورقة، والوزير ونائبه معهم مذكرة تلخيصية فيها كل البيانات التي نحتاجها"، مضيفًا "ما نفعله في المادة 40، قلب هذا القانون، لا أساس له، كل واحد يقترح ويجتهد بلا دراسة حقيقة نتكلم على أساسها".
وتعجب الحريري من المساواة بين السيارات ذات السعة اللترية الواحدة رغم اختلاف قيمتها، مشيرًا الى المساواة في الرسوم بين تجديد وترخيص السيارات موديل الثمانينيات والسيارات الحديثة.
اقرأ أيضًا: نواب الصحة يوافقون على "التأمين الصحي" بعد 28 ساعة مناقشات
ورد وزير المالية، عمرو الجارحى، على اتهامات الحريري قائلًا "إن الدراسة الاكتوارية التى أجرتها الحكومة بشأن قانون التأمين الصحى الشامل، تمت بجهد وعمل شاق طوال 15 شهرًا للوصل إلى أفضل السيناريوهات الخاصة بمصادر التمويل وصلت إلى 31 سيناريو"، وأضاف "قدمنا الملخص فطلبوا مننا الدراسة، ثم قالوا إنها تعجيزية".
أما النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة، فاقترح مصادر تمويل جديدة، ومنها فرض 10جنيهات على كل خط تليفون يستخدم فى مصر، وقرش على كل دقيقة يتم استخدامها من قبل المواطنيين.
ووافق المجلس على المادة 40 بعد إجراء التعديلات التي اقترحها زعيم الأغلبية النائب محمد السويدي لتساوي بين الرسوم التي تدفعها الشركات أيًا كانت طبيعة عملها.
ومن بين أحكام هذه المادة التزام أصحاب الأعمال المحددين بقوانين التأمينات الاجتماعية بأداء حصتهم عن اشتراكات العاملين لديهم بنسبة 4% شهريًا من أجر الاشتراك للعامل المُؤمَّن عليه، وبما لا يقل عن خمسين جنيهًا شهريًا نظير خدمات تأمين المرض والعلاج وإصابات العمل.
كما تُلزم المادة الدولة بسداد "قيمة اشتراك المؤمن عليهم من فئات غير القادرين، بما فيهم المتعطلون عن العمل غير القادرين وغير المستحقين أو المستنفذون لمدة استحقاق تعويض البطالة، وكذلك كل فرد من أفراد الأسرة المعالين، حيث تتحمل الخزانة العامة 5% من الحد الأدنى للأجور المعلن عنه بالحكومة على المستوي القومي شهريًا عن كلا منهم".
وبموجب المادة أيضا يتم تحصيل "75 قرشًا من قيمة كل علبة سجائر مباعة بالسوق المحلي سواء كانت محلية أو أجنبية الإنتاج، على أن يتم زيادتها كل ثلاث سنوات بقيمة خمسة وعشرون قرشًا أخري حتى تصل إلى جنيه ونصف"، و10% من قيمة كل وحدة مباعة من مشتقات التبغ غير السجائر، جنيه واحد يحصل عند مرور كل مركبة على الطرق السريعة التي تخضع لنظام تحصيل الرسوم، 20 جنيهًا عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة القيادة، 50 جنيهًا سنويًا عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات التى سعتها اللترية أقل من 1.6 لتر، 150 جنيهًا عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات التي تزيد سعتها اللترية 1.6 وأقل من 2 لتر، 300 جنيه عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة تسير السيارات التي سعتها اللترية 2 لتر أو أكثر.
كما تُحَصِّل الدولة "مبلغ يتراوح من 1000 إلى 15000 جنيه عند التعاقد مع النظام بالنسبة للعيادات الطبية ومراكز العلاج والصيدليات وشركات الأدوية، وفقًا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية، 1000 جنيه عن كل سرير عند استخراج تراخيص المستشفيات والمراكز الطبية".
وبعد التعديلات التي اقترحها السويدي يتم تحصيل "0.2.5% من الشركات أيًا كان طبيعتها والنظام القانوني الخاضعة له والمنشآت الفردية والهيئات العامة الاقتصادية والمهنيين".
تخفيضات محدودة
تعد الجداول الملحقة بالقانون جزءًا أصيلًا منه، وجرى التصويت عليها خلال المناقشات، مع الاستجابة للتعديلات التي طلبها النائب مجدي مرشد، إذ اقترح تخفيض الحد الأقصى للإقامة في الأقسام الداخلية ومساهمات الأشعة والتحاليل.
وتمت الموافقة على أن الحد الأقصى للمساهمة في الأقسام الداخلية 300 جنيه للمرة الواحدة، والحد الأقصى للأشعة 750 جنيه بدلًا من 1000 جنيه، والحد الأقصى للتحاليل 750 جنيه بدلًا من 1000 جنيه.
وخلال مناقشة هذه البنود الواردة في الجداول حاول النواب تخفيف الأعباء وتخفيض القيمة المفروضة على المواطنين، إلا أن عبد العال كان حازمًا ورد على مجدي مرشد قائلًا "مافيش دولة في العالم تبنت التأمين الصحي دون أن يدفع متلقي الخدمة نسبة، كان عندنا علاج مجاني وأدى للفشل التام، أنا شايف إننا ندفع للذهاب للعلاج المجاني مرة أخرى، لا بد لمتلقي الخدمة أن يساهم، الدولة الرائدة في التمويل الصحي في اوربا تعاني عجز دائمًا، المجانية مغرية تدغدغ المشاعر لكنها مؤقتة وسيصطدم الجميع بالواقع المر".
فرد مرشد "لم أدع على الإطلاق لعلاج مجاني، ولو كان الأمر بيدي لطالبت بإلغاء كل النسب عن الاشعات والتحاليل لكن طالبت بتخفيضها مراعاة لمحدودي الدخل".
أسر المجندين
وافق البرلمان على إجراء تعديل طفيف على المادة 53 من مشروع قانون التأمين الصحي الشامل التي تنص على وقف سريان أحكام النظام خلال مدة التجنيد الإلزامي والاستبقاء والاستدعاء بالقوات المسلحة.
فخلال نظر المادة طرح النائب هيثم الحريري تساؤلًا: "ماذا لو أن المجند يعول أسرة ومسؤول عن توفير مصادر دخل وأصبح جندي تقدم له القوات المسلحة خدماته، من يسدد عنه الاشتراكات الخاصة بأسرته؟ هل تتحمله الدولة أم القوات المسلحة؟"
فعقب وزير الصحة أحمد عماد الدين مناورًا كعادته دون إجابة شافية، وقال "القانون قوامه الأسرة وليس الفرد، يقوم على أن الأب يكفل الأسرة، ساعة التجنيد هذا الفرد يخرج من عباءة الأسرة ويكون الغطاء الصحي من خلال القوات المسلحة، وبقية الأسرة تسير في نفس النظام، وعندما ينهي المجند مدته يعود للنظام مرة أخرى".
أما نائب وزير المالية لشؤون الخزانة العامة، محمد معيط، قال "لو أنا بشتغل وجالي استدعاء للجيش تدخل الدولة على طول للسداد عن أسرتي".
وعقب عبد العال "كل من يُستدعى للخدمة العسكرية لا يعني سقوط الحق في التأمينات الاجتماعية أو الصحية عن أسرته، وتستمر من خلال الدولة".
وطالب الحريري بإضافة التوضيح للمضبطة واقترح النص عليه في المادة 40 لتوضيح التزام الدولة بذلك، إلا أن عبد العال أشار إلى إحالتها للائحة التنفيذية"، ووافق النواب على إضافة هذا الجزء إلى نص المادة بحيث تنص اللائحة التنفيذية على ضوابط سداد اشتراكات الأسر التي يكفلها مجندون في القوات المسلحة خلال فترة تجنيدهم.
الضبطية القضائية
كانت المادة 55 من بين المواد التي تخللها خلاف أثناء المناقشات اليوم، ولكن رئيس المجلس علي عبد العال تدخل بشكل واضح في إعادة صياغتها وطرحها للتصويت مرة أخرى، بعدما أسماه بالصيغة التوافقية.
فهذه المادة تمنح سلطة الضبطية القضائية بموجب قرار من وزير العدل إلى موظفين تابعين للهيئات المشكلة بموجب القانون (التأمين الصحي- الرعاية الصحية- الرقابة)، وهو ما رفضه عدد كبير من النواب.
فاعترض على النص النائب علاء عابد، وقال "مافيش دولة في العالم تعطي الضبطية القضائية لجهة تؤدي الخدمة ولا حتى هيئة التمويل، لكن هيئة الرقابة والجودة تراقب العمل وهي الوحيدة التي يجب إعطاءها صلاحيات من وزير العدل بالضبطية القضائية".
فيما عارضه عضو هيئته البرلمانية، النائب أيمن أبو العلا، وقال"ونحن نتعاقد مع جهة أخرى وقت العقد أقول إن من حقي التفتيش بأطبائي على أطباء المستشفى التي تقدم الخدمة، وإذا أردنا أن نعطي ضبطية على معايير جودة نعطيها لبعض أفراد الاعتماد والجودة، لكن الهيئة صاحبة الأصل هي هيئة التأمين الصحي، وهي المسؤول الأول".
وأيده النائب محمد العماري، رئيس لجنة الشؤون الصحية وقال "الهيئة الأولى صاحبة الحق لأنها تقدم الخدمة"، قاصدًا هيئة التأمين الصحي، وأضاف "هيئة الرعاية الصحية لا دخل لها لأنها مُموِّل".
أما النائب مجدي مرشد، فأشار إلى مواد القانون التي توضح دور هيئة الاعتماد والرقابة، وقال: "تهدف هيئة الاعتماد والرقابة لضمان جودة الخدمات الصحية والتحسين المستمر لها وضبط وتنظيم الخدمات الصحية التأمينية وفقًا للمعايير التي تبينها اللائحة التنفيذية"، وأضاف "لا دور رقابي لهيئة الرعاية الصحية"، وأوضح أن مسمى هذه الهيئة كفيل بإعطائها سلطة الرقابة والضبطية القضائية.
ومع عدم تأييد الحكومة لأي من المقترحات السابقة قال عبد العال "إذن نصل لصيغة توافقية".
وأصبح نص المادة 55 بعد اقتراح عبد العال هو "تثبت صفة الضبطية القضائية بالهيئات الثلاث المنشئة لهذا القانون كل في اختصاصه للعاملين الذين يصدر بهم قرار من وزير العدل، في حدود اختصاص كل منها حتى لا يجور على اختصاص آخر".
ولهم في سبيل ذلك دخول أماكن تقديم الخدمة وتفتيشها وفحص ما بها من معدات أو أجهزة أو أدوية أو غيرها من المستلزمات الطبية أو العلاجية، وكذلك الاطلاع علي السجلات والدفاتر والمستندات وسائر الأوراق التي يتطلبها تنفيذ هذا القانون، وعلي المسؤولين في هذه الأماكن أن يقدموا البيانات والمستخرجات وصور المستندات التي يطلبونها لهذا الغرض وذلك كله على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
العقوبات
أبقى مجلس النواب على عقوبات الحبس الواردة في القانون رغم محاولات زعيم الأغلبية، ورئيس كتلة المصريين الأحرار تغيير الفلسفة والاكتفاء بالغرامات فقط.
وطالب النائب علاء عابد بإلغاء عقوبات الحبس والاكتفاء بالغرامات المالية واعتبرها عقوبة مناسبة لجريمة تسهيل الحصول على خدمة من خدمات التأمين الصحي بغير حق، أو لا تتطلب الأصول الطبية صرفها، أو التصرف في أدوية او أجهزة تعويضية، وهو ما رفضه وزير شؤون مجلس النواب، عمر مروان، قائلًا "الاعتداء على المال العام جناية وليس جنحة".
وتساءل النائب محمد السويدي "هل القوانين التي تنص على حبس أدت لخدمة مميزة للمواطن؟ لو موظف أخطأ تحبسه؟"
فعقب عبد العال، قائلًا "كما ذكر الوزير عمر مروان المادة 61 تنص على العقوبات الواردة في القانون مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد"، وأضاف "القانون استخدم الفكر القانوني الحديث في علم الإجرام والعقاب تقدير العقوبة سواء الحبس أو الغرامة وأطلق للقاضي الاختيار"، واستطرد "فكرة التناسب بين الجريمة والعقاب يتعلق بقناعة القاضي ووجدانه لو الفعل بسيط يلجأ للغرامة، لو أكثر إجرامًا يلجأ للحبس ولو لكثر إجرامًا يذهب لتطبيق الحبس والغرامة".
وقال "هذه الأموال في حكم الأموال العامة والقائم عليها في حكم الموظف العام لازم الحبس كما أنها هيئة اقتصادية، وإلغاء الحبس يكون فيه تمييز يؤدي لعدم الدستورية في هذا النص، لا بد من الإبقاء على الحبس حتى لا يكون هناك تمييز بين العاملين في الهيئات الاقتصادية".