28 ساعة، هي إجمالي الوقت الذي استغرقته لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون التأمين الصحي الشامل، الذي تقدمت به الحكومة للبرلمان.
المشروع الذي يتمنى المصريون أن يحقق حلمهم في خدمة صحية جيدة، وحقهم في علاج ورعاية طبية، يواجه بعض المصاعب التي تهدده، رغم محاولات الحكومة، ممثلة في وزارتي الصحة والمالية، التأكيد على جدية المشروع، وقابليته للتطبيق والاستمرارية.
ورغم مخاوف عدد كبير من النواب من مشروع القانون، وتأثيره على الفقراء ومحدودي الدخل، وتحفظهم على تطبيقه على مراحل تستغرق 15 عاما؛ مر القانون، دون تعديلات جوهرية في فلسفته ومنظومة عمله، بل إن النواب، الذين حاولوا الوصول لتعريف محدد لغير القادرين، الذين ستتكفل الدولة باشتراكاتهم في منظومة التأمين، فشلوا في الحشد للتصويت على وضع تعريف محدد، وبقى الأمر مبهمًا في مشروع القانون، كما قدمته الحكومة، واستمر متروكًا للجنة التي ستتشكل من الوزارات المعنية، وهي التضامن الاجتماعي والصحة والمالية.
المشروع سيطبق على 15 عامًا. ويلمح بعض النواب من الأغلبية، في أحاديث جانبية معهم، إلى تشككهم في استمراريته، وهو التحدي الأهم والأكبر لهذا المشروع، لو تغاضينا عن دستورية تطبيقه في محافظات، وانتظار أخرى لسنوات لوصول هذه الخدمة. كما شككوا في قدرة المستشفيات على الالتزام بمعايير الجودة المطلوبة.
مناقشات مشروع القانون في لجنة الشؤون الصحية لم تكن أبدا سلسة، خاصة مع وجود عدد من النواب الموافقين على القانون من حيث المبدأ، ولكنهم يتحفظون على عدد من مواده. وحاول النواب تقليل قيمة الاشتراكات، التي يتحملها المواطن، في مقابل رفع رسوم متحصلة من قيمة مصادر أخرى كالسجائر وترخيص السيارات.
يمكن أن نتحدث هنا عن ثلاثة نواب، كان لهم مداخلات هامة في مواجهة وزيري الصحة والمالية.
النائب أيمن أبو العلا
وهو الطبيب البشري، الذي يرأس مجلس إدارة إحدى شركات التأمين الصحي الخاصة، والذي لديه خبرة كبيرة في العمل في هذا المجال.
وجه أبو العلا -عضو الكتلة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار- سهامه الأولى لهذا القانون، في الاجتماع الأول للمناقشة، إذ قال لوزير الصحة إن التعريفات العلمية التي اعتمد عليها القانون منقولة من "ويكيبيديا "، وطالب بالرجوع لكتب الصحة العامة العلمية، لوضع تعريفات منضبطة، واشتبك مع وزير الصحة، الذي ظل متحفزًا له طوال اجتماعات المناقشة على مدار الأسابيع الماضية.
كان آخر هذه الاشتباكات، في اجتماع أمس الأول الإثنين، الذي حضره وزيري الصحة والمالية، لمناقشة المادة 40، التي تتناول مصادر تمويل التأمين الصحي، وعلق أبو العلا حينها على وجود خطأ في جدول 4 في المادة، الذي يبين حصة صاحب العمل في القانون، إذ تساءل النائب عن دفع صاحب العمل لحصة العامل غير القادر، وقال "لو الإجابة نعم فإن جدول 4 غلط". واعترض الوزير ودخل في جدل حاد معه، محتجًا على كلمة "غلط"، وقال: "انت وجهت سؤال. انتظر الاجابة. لكن ما تقولش غلط"، فأصر أبو العلا على حقه في استخدام اللفظ، وقال: "لأ هو غلط".
النائب مجدي مرشد
طبيب العيون، الأمين العام لائتلاف دعم مصر، ورئيس لجنة الصحة خلال دور الانعقاد الأول، والذي انسحب من منافسة رئيسها الحالي، خلال دور الانعقاد الثالث، بتوجيهات من رئيس مجلس النواب شخصيًا.
دافع مرشد، طوال الوقت، عن وجود مشروع قانون للتأمين الصحي الشامل. وكان لديه عدد كبير من التحفظات على مشروع الحكومة. واعترض على تطبيق القانون على مراحل، وتساءل: "لماذا ينتظر سكان القاهرة الخدمة، التي يتمتع سكان بورسعيد، 15 سنة؟" مؤكدًا وجود شبهة عدم دستورية في هذا الأمر.
مرشد، أيضًا، رفض فرض رسوم ترخيص العيادات والصيدليات، الورادة في مشروع الحكومة، وتصل إلى 10 آلاف جنيه، وطالب بتخفيضها إلى 1000 جنيه، رسم ترخيص العيادة، وتساءل: "لماذا تحصل رسم من إنشاء عيادة طبية تقدم خدمة للمواطن، حصل أيضا رسوم من مكاتب الهندسة والمحاماة". وشكك أيضا في دستورية هذا النص.
النائب هيثم الحريري
كان نواب تكتل 25/30 حاضرين بقوة في المناقشات، وأبرزهم النائب هيثم الحريري، عضو اللجنة، وآخرين غير أعضاء في لجنة الشؤون الصحية، لكن حرصوا على حضور الاجتماعات طوال الوقت، خاصة في مناقشة المادة 40، وهي مادة مفصلية في صلب القانون، إذ تنص على قيمة المساهمات والاشتراكات التي يدفعها المواطن.
الحريري حاول التوصل لتعريف محدد لغير القادرين، ولكن النتائج لم تأت بما تمناه، وبقى التعريف متروكًا للجنة التي نص عليها مشروع القانون. ولم تتوقف محاولات الحريري عند هذا الحد، بل حاول بذل جهودًا كبيرة لتوسعة مصادر التمويل والرسوم المحصلة من السجائر والخمور والمقاهي، لصالح التخفيف عن المواطنين، ولكن المفاجئ إن وزير المالية كان يرد "لا نريد أن نثقل على المواطن أكثر".
مصادر التمويل
كانت مواد مصادر التمويل، أهم البنود التي أثارت خلافات ومناقشات، بين النواب ووزيري المالية، والصحة، ونائب وزير المالية لشئون الخزانة العامة محمد معيط.
وفقًا للتعديلات الأخيرة، التي طرأت على مشروع القانون، يتحمل صاحب العمل 4% من قيمة أجر العامل، وفقًا للملف التأميني للعامل، ويدفع العامل نفسه 1% من أجره، بينما يدفع عن الزوجة التي لا تعمل 3%، ويدفع عن كل طفل 1%، وتتحمل الدولة حصة غير القادرين (غير معروف تعريفهم حتى الآن).
ومن بين مصادر التمويل: رسوم محصلة لصالح التأمين الصحي، وهي خمسة وسبعون قرشًا من قيمة كل علبة سجائر، سواء كانت محلية أو أجنبية الإنتاج، على أن يتم زيادة تلك القيمة كل ثلاث سنوات بقيمة خمسة وعشرين قرشًا أخرى، حتي تصل الي جنيه ونص، و10% من قيمة كل وحدة مباعة، من مشتقات التبغ غير السجائر، و جنيه واحد يحصل عند مرور كل مركبة على الطرق السريعة، التي تخضع لنظام تحصيل الرسوم، و 20 جنيهًا عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة القيادة، و50 جنيهًا سنويًا عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات، التي سعتها اللترية أقل من 1.6 لتر. و15 جنيه عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات التي سعتها اللترية أكثر من 1.6 وأقل من لترين، و300 جنيه عن كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات، التي سعتها اللترية لترين أو أكثر.
كما سيتم تحصيل مبلغًا يتراوح بين 1000 جنيه و15000 جنيه، عند استخراج تراخيص العيادات الطبية، ومراكز العلاج والصيدليات وشركات الأدوية، وفقا للقواعد والضوابط، التي تحددها اللائحة التنفيذية عند التعاقد. وكذلك 1000 جنيه عن كل سرير عند استخراج تراخيص المستشفيات.
ويتم تحصيل 0.5% من قيمة مبيعات شركات الأدوية والأغذية، وقيمة أعمال شركات المقاولات، و 0.5% وبحد أدنى خمسة جنيهات من قيمة كل وحدة مباعة من الأسمنت أو الحديد أو البتروكيماويات أو الأسمدة أو السيلكا والكيماويات والرخام والبورسلين والجرانيت المصنع محليًا أو المستورد، وأية صناعات أخرى، يصدر بها قرار من مجلس الوزراء. ولا تعد هذه الرسوم من التكاليف واجبة الخصم في تطبيق قانون الضريبة على الدخل. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد وضوابط تطبيق ذلك.