كان كل شيء عاديًا، حتى أيام الحرب العظيمة، فهي حتما ستنتهي، ففي يوم ما سينتصر طرف ما، ويخسر آخر، يسقط، ليقوم من جديد، لينتصر في حرب أخرى. هذا هو الحال في كل مرة، تهدَّم المدن، تتحول لأكوام من الخراب، قبل أن تُبنى من جديد. لكن هذه المرة، هناك شيء مختلف، لن يكون بعدها فرصة أخرى لمحاولة الفوز والانتصار؛ الحرب القادمة لن يفوز بها أحد، الكل سيخسر، إنها الحرب التي ستهزم الجميع.
بهذه الكلمات جاءت افتتاحية أغنية "جنازة كهربائية (Electric Funeral)"، لفريق الميتال "Black Sabbath"، التي أطلقت عام 1970، بعد أقل من عشر سنوات على أزمة الصواريخ الكوبية، التي كان من الممكن أن تنتهي بكارثة، بل كان من الممكن أن تُنهي الحضارة البشرية على كوكب الأرض، لتعيدنا مرة أخرى للعصور المظلمة. لكن لنعود إلى الوراء قليلًا:
كتبت الحرب العالمية الثانية الفصل الأخير من سلسلة الحروب العظيمة التقليدية، لتعلن بنهايتها ابتداء فصل آخر من الحروب النووية، بعد أن قصفت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما ونجازاكي، لإجبار اليابان على الاستسلام في الحرب. في دقيقة واحدة سويت مدينة كاملة بالأرض.
بالنسبة لمن عانوا من التجربة، فإن مجرد التفكير في الأمر مخيف ومأساوي، ولكن على الجانب الآخر من المحيط كان الأمريكيون سعداء بانتهاء الحرب، سعداء للغاية، بالطريقة التي انتهت بها. يمكن ملاحظة ذلك جليًا من هذه الأغنية التي صدرت عام 1947.
كانت القنبلة بالنسبة إليهم هي "يد الرب الجبارة"، التي ستجبر العالم على السلام. لكن مع مرور الوقت تحولت السعادة إلى خوف؛ خوف يزداد كلما ازدادت معرفة الأمريكيين عن القوة التي أطلقوها على اليابان، ومدى تأثيرها. وفجأة أعلن الاتحاد السوفيتي عن أول تجربة نووية له في 1949، لتبدأ الولايات المتحدة سريعًا في إنتاج برامج تلفزيونية لتوعية الجمهور الأمريكي عن مخاطر القنبلة الذرية، وكيفية التعامل السريع مع التهديدات النووية.
بدأت الفنون بأشكالها المختلفة تتعامل مع الأفكار النووية الجديدة. وبرصد بسيط للتفاعل الفني والثقافي مع ما حدث في هيروشيما ونجازاكي، في كل من الولايات المتحدة واليابان، نستطيع فهم تأثير مثل هذه الأحداث، وكيف تتلقاها المجتمعات المختلفة. في اليابان أيقظت القنبلة الوحش جودزيلا عام 1954؛ وحش مدمر، يهدد ما توصلت إليه الحضارة. على العكس تمامًا كانت الولايات المتحدة، التي سيطر عليها الأبطال الخارقون، الذين تحولوا أو اكتسبوا قواهم بسبب الاشعاعات النووية. سيطر الخارقون من أمثال Spider Man وX-men على الثقافة الشعبية الأمريكية.
في الخمسينات، كانت الموسيقى العالمية على وشك أن تشهد زلزالًا عنيفا، يناسب التوترات والتهديدات التي سيعرفها العالم لاحقًا. لكن في تلك الحقبة، بدأت الأفكار النووية تأخذ شكلًا جديدًا من المعالجة في الأغنية الغربية، فبعد أن تم تحطيم صورة القنبلة بأنها هبة من الرب ليستخدمها أعظم البشر، تم رسم صورة أخرى، صورة جنسية، لعوب، ساخنة، لا يمكن السيطرة عليها، كما في أغنية Atom Bomb Baby، لفريق البوب الأمريكي The Five Stars، فهي أيضًا كما قدمتها واندا جاكسون، لا يمكن السيطرة عليها، و”تسبب دمارًا مثل قنبلة ذرية”.
في عام 1962 أصبح العالم فجأة على شفا حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، لتنقل المعالجة الموسيقية موضوع الحرب النووية إلى مستوً جديد، يبدو الأمر واضحًا وجليًا عند مقارنة أغنية الفولك Radioactive Mama لشيلدون ألمانا، التي صدرت في عام 1960، قبل الأزمة، وأغنية بوب ديلان A Hard Rain’s Gonna Fall التي صدرت بعد الأزمة بشهور قليلة.
خلال فترة الستينات، كانت صناعة الموسيقى تشهد تطورًا مقترنًا بالتغيرات الفكرية والاجتماعية في العالم. تحولت الأغنية من كونها أغنية هدفها الأول والأخير هو التسلية، إلى صوت يمرر أفكار ووجهات نظر، تدعم وتحتج. وبعد أن كان وقوع الكارثة وشيكًا، في أزمة الصواريخ الكوبية، ظهر ما يسمى بالأغاني التحذيرية، وكان للتسليح النووي نصيب كبير منها. فقد شهدت فترة السبعينات والثمانينات عددًا من الأغاني التحذيرية، التي تصور بشكل أو بأخر مدى خطورة الأسلحة النووية.
وُلدت موسيقى الميتال في سياق تاريخي مناسب لتطورها؛ حرب باردة بين قوتين، وتهديدات وخوف من إبادة نووية. لذلك يدور هذا النوع من الموسيقى حول أفكار متعلقة بالألم والدمار والموت، لكن بشكل إيجابي، لا استسلام فيه، فموسيقى الميتال هي احتجاج عنيف مستمر ضد الفساد الذي قد يؤدي إلى الدمار. احتجت موسيقى الميتال على القوة النووية، بوصفها أسلحة قادرة على إحداث دمار لا يمكن وصفه، واستخدمت تركيبات بلاغية وصورًا قوية، لوصف وتمثيل هذا الدمار في كلمات الأغاني.
القنبلة هي "توأم الشمس"، و"اتحاد غير مقدس"، و"ذنب لا يغتفر"، بالنسبة لفريق Iron Maiden، في أغنية "Brighter than a Thousand Suns". ولا يتوقف الأمر عند كلمات الأغاني فقط، فأعضاء فريق Megadeth، اختاروا اسم الفريق من مصطلح "Megadeath"، الذي يستخدم لوصف إبادة مليون شخص من سلاح نووي، وارتبطت أغنية الميتال المحتجة على التسليح النووي بثيمات مثل "نهاية العالم"، و"أرمجادون"، و"الهولوكوست الذري".
انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات. ومنذ ذلك الحين، خفتت حدة التهديدات النووية، وبدا العالم مشغولًا بمخاوف أخرى. واستمرت الموسيقى، في فترة ما بعد الحرب الباردة، في استخدام ثيمات الإبادة النووية في مواضيعها المختلفة، لكن يبقى التهديد حاضرًا، ويبقى احتمال هبوب العاصفة النووية قائمًا.