ما زال مشروع قانون التأمين الصحي الشامل يتحرك بخطىً ثابتة، في لجنة الشؤون الصحية، في مجلس النواب. فنجحت اللجنة حتى الآن في تمرير مواد، الإصدار، والموافقة على ثلاث مواد أخرى. ويعد الإنجاز الوحيد في التعديلات، التي تمت بموافقة وزير الصحة، هو إرجاء تعريف غير القادرين، لحين مناقشة الدراسة الاكتوارية.
كما عقدت اللجنة جلسة استماع لممثلي النقابات المهنية الطبية، وبعض الخبراء، وممثلي منظمات مجتمع مدني معنية بالشأن الصحي. بينما تعقد اللجنة اجتماعين، الأسبوع المقبل، تعرض فيهما وزارة المالية الدراسة الاكتوارية للمشروع.
الجميع لا يعترض على المشروع من حيث المبدأ. لكن ما زال هناك بعض الحلقات الفاصلة، التي تنقله من مجرد خطوة جديدة، تنتزع أموالًا من جيوب المصريين، إلى حلم حقيقي، يوفر منظومة تأمين صحي، ورعاية صحية حقيقية.
أنقل لكم هنا كواليس ما جرى في اجتماعين منفصلين، الأول حضره وزير الصحة، أحمد عماد الدين، وناقش المواد الأولى للقانون، وانتهى بالموافقة على مواد الإصدار، والثاني حضره ممثلو النقابات المهنية، ووزير شؤون مجلس النواب، عمر مروان.
تعديلات بموافقة الوزير
في اجتماع عاصف أجرى مجلس النواب تعديلات طفيفة على بعض مواد مشروع القانون، وسط استماتة وزير الصحة وتحفظه على إضافة عدد من الاقتراحات، وبمساعدة رئيس اللجنة، النائب محمد العماري، مرت فقط التعديلات البسيطة، التي لم يعارضها الوزير الذي كان متحفزًا للنواب. بينما كان العماري متجاهلًا أحيانا لمطالبهم، وطوال الوقت يحسم التصويت على المادة، دون عد الأيادي المرفوعة بالموافقة، في القاعة الممتلئة بالنواب من اللجنة وخارجها، لدرجة أنه بعد مرور بعض الوقت كان يرفع نائبان يديهما بالموافقة، بينما يتكاسل الآخرون، وتكون النتيجة معروفة : موافقة.
النجاح الوحيد الذي يبدو أن اللجنة حققته هو تأجيل التصويت على تعريف غير القادرين، إذ أشار التعريف في القانون أن الذي سيحدده هو لجنة من وزارة التضامن ووزارة المالية، فيما أصر النواب على تأجيل التعريف لحين الاطلاع على الدراسة الاكتوارية الأسبوع المقبل ومناقشتها مع ممثلي وزارة المالية.
البداية كانت مناقشة التعريفات التي تتضمنها المادة الأولى من مشروع القانون، وتتكون من 36 بندًا، تبدأ بتعريف مفهوم التأمين الصحي، وتنتهي بتعريف غير القادرين، وكان العماري يرغب في التصويت عليها مرة واحدة، دون حتى قراءتها على النواب، عكس الأعراف البرلمانية. فاعترض النائب، هيثم الحريري، وطالب بمناقشة كل بند على حدة، ثم التصويت على المادة مجتمعة، وقال أيمن أبو العلا "36 بند إزاي نصوت عليهم كدا"، وأمام توحد النواب على هذا المطلب وافق العماري.
طلب النائب أيمن أبو العلا وكيل اللجنة الكلمة واعترض على التعريفات، وقال إنها منقولة من ويكيبيديا، وطلب الرجوع لكتب الصحة العامة، لضبط التعريفات، فعارضه الوزير وقال له غاضبًا "شكرا يا أيمن"، ودافع عن النصوص، فجدد أبو العلا تأكيده على أنها منقولة من ويكيبيديا. وحاول أبو العلا تعديل التعريف المتعلق بالطب الوقائي، وطالب بإضافة كلمة تدابير الوقاية، وعدم الاقتصار على كلمة النشاط الصحي الذي يمنع انتشار المرض، ولكن مطالب أبو العلا التي تبدو عادية وبديهية، قابلتها معارضة شديدة من جانب وزير الصحة، ولم يتضح سبب هذا التصدي لإضافة كلمة تدابير، لكن ظهر الأمر وكأنه سيضع الحكومة وهيئات التأمين الصحي أمام مسؤوليات أخرى، لا يرغب الوزير في تحميلها لها. وحاول النائب ضياء الدين داوود التدخل، وقال "إن كلمة تدابير تضبط المادة أكثر، ولا تستطيع الجهة التملص منها"، ولكن الوزير اعترض أيضًا، ولم يصوت العماري على مقترحات أبو العلا.
مرة أخرى دخل وزير الصحة وأبو العلا في سجال طبي بشأن إضافة كلمة التقييم والمتابعة إلى مهام وحدات الرعاية الصحية الأولية، إذ قال وكيل اللجنة إن دورها لا يجب أن يقتصر على التشخيص والعلاج فقط، وفقًا للمكتوب في المشروع، ورد وزير الصحة، بانفعال شديد، معتبرًا أن وجود كلمة الفحوص الطبية تغني عن إضافة هذا المقترح. ورفض وزير الصحة مقترح النائب مجدي مرشد، الذي تحفظ على دور الممارس العام، وفقًا لمشروع القانون، وكان مرشد قد أكد أن الممارس العام لا يجب أن يقدم خدمة طبية، وطالب أن يحل محله في المشروع طبيب الأسرة، ورد وزير الصحة قائلًا: "الممارس العام ومهامه في مشروع القانون مأخوذة من التعريف العالمي". وطالب مرشد بالتصويت على مقترحه ورد العماري: "صوتنا عليه"، رغم أنه لم يصوت عليه.
وشهدت اللجنة سجالات أيضًا بعد مقترح أبو العلا بضرورة النص على المستلزمات الطبية ضمن الخدمات التي يقدمها التأمين الصحي، بحيث لا يقتصر على العلاج فقط، ويجد المريض نفسه مطالبًا بسداد فواتير لمستلزمات العلاج. وقال الوزير: "يعني هقول له هات لي خيط؟"، ولكن أمام إصرار النواب وافق على التعديل وقال: "ماعنديش مانع بس نكتبها منضبطة، نكتب المستلزمات اللازمة للعلاج".
وانتهى الاجتماع بتمرير مواد الإصدار دون تعديل وثلاث مواد أخرى أهمها مادة التعريفات.
اعتراضات النقابات
في اجتماع عقدته لجنة الشئؤون الصحية، مساء أمس الثلاثاء، سجل ممثلو نقابات الأطباء، والصيادلة، والأسنان، والعلاج الطبيعي، ومنظمات المجتمع المدني، ملاحظاتهم على المشروع. وتلخصت معظم الاعتراضات في طول المدة التي يستغرقها تفعيل القانون في جميع المحافظات، والتي تصل إلى 15 سنة، وارتفاع نسب مشاركات المواطنين في منظومة التأمين الصحي، وعدم وضوح تعريف غير القادرين، وارتفاع ضريبة تأسيس العيادات والصيدليات.
وجه الدكتور حسين خيرى، نقيب الأطباء، عدة انتقادات للمشروع، وقال: "كنت أتمنى أن يتم تقديم مشروعات قوانين تتناول منظومة الصحة من منظور كامل، لتحسين المنظومة بالكامل". وأضاف: "بالنسبة لمشروع قانون التأمين الصحي فدعم الدولة للتأمين الصحي التزام دستوري، وهناك ملاحظات على الاشتراكات التي يدفعها المواطنون". واعترض على عدم وضوح تعريف غير القادرين، الذين تتكفل بهم الدولة في المنظومة، كما انتقد عدم تطرق المشروع القانون لوضع المستشفيات الجامعية، وعدم إدخالها في منظومة مستشفيات التأمين الصحي، وتساءل عن وضع المستشفيات الحكومية، التي لا ترقى إلى مستوى الاعتماد والجودة، وقال: "ماذا سيحدث لها، لدينا تحفظ شديد على هذه النقطة".
من ضمن اعتراضات نقيب الأطباء أيضًا الرسوم المفروضة على ترخيص العيادات، والتي تصل بموجب المشروع إلى 10 الاف جنيه، وقال إنها رسوم مبالغ فيها، وأضاف: "ولم يخص المشروع إلا الأطباء والصيادلة، بدفع 10 آلاف جنيه عند ترخيص عيادة خاصة، نرى أنه غير دستورى، وأطباؤنا لا يأخذون أي مرتبات تذكر في أي حاجة حكومية، هيكون موقفهم إيه بالنسبة للعمل، فالقانون لم يذكر أي شىء عن مرتباتهم".
أما الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، فانتقد طول المدة التي يستغرقها تطبيق القانون، وطالب بتخفيضها من 15 عاما إلى 6 سنوات، وقال إن مشروع القانون أغفل الصيادلة وتعريف الصيدلي، ولا بد من تمثيل النقابة في مجالس إدارات الهيئات التي ستُنشأ في ظل هذا القانون".
وانتقد حافظ شوقي، وكيل نقابة العلاج الطبيعي، فرض رسوم علي تراخيص العيادات الطبية الخاصة والمستشفيات، وسجل أيضًا الدكتور على عوف، رئيس شعبة الدواء بالاتحاد العام للغرف التجارية، اعتراضه على رسوم ترخيص 500 ألف جنيه على مصانع الأدوية، واعتبره يتعارض مع تشجيع الاستثمار في مجال الدواء، وطالب باستبداله بالنص على ربع في المائة من رأس المال. فيما أيد تطبيق التأمين الصحي علي مراحل بالمحافظات وقال: "لو وسعت هنغرق"، وطالب بفرض رسوم على الصناعات الغذائية لصالح التأمين الصحي.
أما الدكتور ياسر الجندي، نقيب الأسنان، فانتقد مصادر التمويل الموجودة بمشروع قانون التأمين الصحي الشامل، سواء كانت اشتراكات أو رسوم، قائلًا: "التمويل الموجود جباية علي المصريين، يجب تعديله على أساس أن الغني يعطي الفقير".
وقال محمود فؤاد محمود، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، الذى وجه حديثه لعمر مروان، قائلًا: "المصريون يعانون من فقر شديد جدًا، يعني أهالينا في شبين القناطر ينتظروا 15 سنة عشان يطبق عليهم القانون؟ هذا قانون كنا منتظرينه، وهو أضخم وأهم قانون، والنسب مغالى فيها جدًا، وتفرض أرقامًا عالية على الصيادلة. ما تشوف الناس التي لوثت البيئة والنيل!"
الحكومة ترد
برر وزير شؤون مجلس النواب، عمر مروان، تطبيق القانون على 15 عامًا قائلًا: "كان اختيار محافظات بعينها يمكن تطبيقه فيها لرصد وملاحظة الإيجابيات والسلبيات، والاختيار ليس عشوائيًا". وأضاف: "إن ضعف الموارد والتمويل، وقلة الإمكانيات المادية، هي السبب في تطبيق القانون خلال 15 سنة". وقال أيضًا: "إن المدة يمكن تعديلها وتخفيضها في أي وقت، في حال تحسن الظروف المادية للدولة، وحدوث طفرة فيها وتعظيم مواردها". كما أضاف قائلًا "هل أحد يتصور، لو كان في إمكان الحكومة تطبيق القانون مرة واحدة، ألا تفعل؟ لا يمكن"، مضيفًا: "وكلنا بلا استثناء نأمل أن يتم تطبيقه مرة واحدة، ولكن الموارد المالية تقيدنا، ولو فيه إمكانية للتمويل من غير تحميل الناس أعباء مالية كنا فعلنا"، وتابع: "لكن دعونا نبدأ وأي عقبات يمكن تلافيها فيما بعد، وأي تحسينات ندخلها في المشروع، فأن تبدأ خير من ألا تبدأ أبدًا".
وردًا على المطالب المتعلقة بتخفيض مساهمات الاشتراكات في التأمين الصحي، قال: "ياريت اللي يطرح ذلك يدينا البديل، فالأمر يحتاج إلى موضوعية ودراسة وافية، وبلاش نشخصن الأمور".