على فيسبوك كتب أحد الأصدقاء سؤالًا هو "What's on my mind" (ما الذي يدور في ذهني)، ليفتح أبوابًا كثيرةً للتفكير فيما قد يشغل ذهن شاب مصري في عشرينيات عمره لم يمضِ على تخرجه من الجامعة سوى بضعة أسابيع، لتكون النتيجة أن هناك عدة أمور تدور في عقول شريحة كبيرة من هؤلاء الشباب وتستنزف طاقاتهم معظمها تعد أمورًا من البديهيات ولا تتعلق بأحلام خاصة ومميزة يتوق كل شاب منفردًا تحقيقها.
قائمة من القضايا التي تشغل بال القطاع الأكبر من الشباب في هذا البلد، لا تبدو أبدًا بهذه الصعوبة، ولكن في مجتمع لا يوفر بديهيات مثل فرصة عمل تتيح للشباب أن يجتهد، ويجني ثمار اجتهاده من تحقيق طموح مهني ومسكن خاص وعلاقة حب صحيّة وبعض المدّخرات، ستجد من يُلقي على مسامعك جملًا على شاكلة "الشباب المتدلع"، وهو يصف شبابًا يبذلون جهدًا فوق جهد، من أجل تحقيق أبسط الأحلام البديهية.
التجنيد الإجباري
أول تحدٍّ يواجه الشاب المصري فترة التجنيد الإجباري التي يقضيها بعد انتهاء دراسته، حيث يقضي الذكور المصريون مدد تتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات بحسب درجة تعليمهم لمن يصيبه حظ الخدمة كعسكري، أو ثلاث سنوات لمن يختارونه ليخدم كضابط.
وبما أن انخراط الشاب في أي عمل مرتبط بأدائه هذه الخدمة أو إعفائه من أدائها، فإنها تكون كالعبء الذي يمنّي الشاب نفسه أن ينجو منه إلا بشهادة الإعفاء من الخدمة أو قضاء فترة خدمة هادئة دون مشاكل تجعله يخرج بإصابة نفسية أو جسدية.
الوظيفة.. البيضة أم الدجاجة؟
بعد الحصول على شهادتي إتمام الدراسة، وإنهاء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها، تبدأ رحلة العثور على وظيفة في بلد بلغت فيه نسبة البطالة نحو 12 بالمئة، وهي نسبة تجعل من العثور على أي وظيفة تحديًا شاقًا للغاية، أما العثور على وظيفة تناسب مؤهل الشاب الدراسي وطموحه فهو مجرد حلم بعيد المنال.
للحصول على الوظيفة الملائمة لا بد أن يتمتع من يتقدم لها بالخبرة المطلوبة، ولكن لتحصل على الخبرة لابد أن تمارس المهنة أولًا لتحصل على الخبرة التي تتطلبها الوظيفة، ويستمر السؤال الفلسفي في طرح نفسه علينا جيلًا تلو جيل، كيف نحصل على الخبرة التي تؤهلنا للعمل دول أن نمارس العمل نفسه؟ الدجاجة أولًا أم البيضة؟
مدّخرات؟
الحصول على الوظيفة لا يعني المقابل المادي المناسب، الذي يكفي الإنسان ليبدأ حياته مستقلًا ومعتمدًا على نفسه، خاصةً بعد انخفاض قيمة الجنيه على أثر قرار تحرير سعر صرفه في مقابل الدولار الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
مع المقابل المادي الهزيل يتحول الاستقلال الشخصي لدى الشباب إلى مجرد أحلام، تأسيس أي مدخرات ضرب من الخيال، والاكتفاء بالمرتب دون طلب أي دعم مادي من الأهل مسألة في غاية الصعوبة.
الحب والمايكروويف
كلنا نحب، كلنا شعرنا بارتباك يومًا ما عندما التقينا أو تحدثنا مع شخص اعتبرناه مميزًا بالنسبة لنا، تمنينا أن تبقى أيادينا متصلة للأبد عند السلام، ولكن في مجتمع محافظ بطبعه، لا سبيل للتعبير عن هذه المشاعر في الغالب، سيكون صعبًا أن يخرج الشاب مع حبيبته للاستمتاع بوقتهما دون مضايقات، ولا يكون الأمر سهلًا إلا في حالات الارتباط الرسمي.
ولكن في حالات الارتباط الرسمي، فإن كل شخص يعرف الشاب أو يعرف الفتاة سيفرض نفسه طرفًا في العلاقة، على الرغم من أن طرفيها بالغان، سيتدخل الكبار في كل التفاصيل، أين سيبدأ العروسان حياتهما، ما الذي سيشتريانه في بيتهما، في مصر من الممكن أن يفقد الشاب حبيبته لأنه لا يملك ثمن مايكروويف تعتبره خالة العروس من اللوازم الضرورية.
منزل ومساحة
يطمح الكثير من الشباب في مصر إلى الاستقلال عن منزل أسرته بعد أن ينهي دراسته ويبدأ مساره العملي، تصبح له مساحته الخاصة، المكان الذي يأوي إليه، يفرض فيه قواعده، يستمع إلى الموسيقى التي يرفضها الأهل، يدعو أصدقاءه لزيارته متى شاء، يبني بشكل تدريجي عش الزوجية الذي سيعيش فيه مع حبيبته، لكن هيهات أن يحدث ذلك في مصر، فأسعار المساكن باختلاف أنواعها مرتفعة قياسًا بالمرتب الذي تحدثنا عنه في فقرات سابقة، بالتالي يبقى حلم الاستقلال وخلق المساحة الخاصة حلم مؤجل إلى منتصف الثلاثينات على الأقل، وذلك بعد جهد جبار.
التكدس أو السيارة المستحيلة
مع المواصلات العامة التي تشبه الكابوس في مصر، تصبح السيارة الصغيرة من الأحلام المهمة، سيارة تقينا شمس الصيف، وأمطار الشتاء، تحمينا من التكدس في الأوتوبيسات العامة، أو من أحاجي "لم الأجرة" في الميكروباص وما يصاحبها من رحلات للبحث عن "الفكة" داخل السيارة أو من السيارات المجاورة، وتخفف عنّا آثار الزحام.
ولكن مع تراجع سعر الجنيه، وزيادة قيمة الجمارك المدفوعة على السيارات إلى درجة أن المصري يدفع أكثر من ضعف القيمة الفعلية للسيارة، يبقى حلم النجاة من التكدس في المواصلات العامة حلمًا صعب المنال.
السفر هو الحل؟
حين أنظر لهذه القائمة أتسائل هل مطالبنا بهذه الصعوبة؟! حين أنظر لهذه الطموحات أستعجب من حجم الكوميديا السوداء التي نعيش فيها بل إني أستعجب أكثر من أن تسمى مطالب في نفس الوقت الذي يولد ويعيش أشخاص على الضفة الآخرى من المتوسط مستمتعون بهذه البديهيات وأكثر.
يبدو باب الطائرة بمثابة المصباح الذي سيخرج منه الجني ليحقق كل الأمنيات، أو كما تقول الأسطورة "هسافر سنتين تلاتة أكوّن نفسي وأرجع أعيش مرتاح"، ولكن هل يعود من يخرج إلى بلاد تتعامل مع مطالبه المستحيلة هنا باعتبارها بديهيات متحققة للإنسان ليستطيع العمل والاجتهاد من أجل تحقيق مطالب حقيقية وأكثر جدية؟