تُلقب بسنت، وهي طفلة مصابة بالتقزم، نفسها بـ"فراشة تيك توك"، نسبة إلى المنصة التي اشتهرت من خلالها. لكنَّ هذه الفراشة، التي تبدو في الثالثة من العمر بينما يتعدى عمرها 8 سنوات، قد تعجز عن التحليق مستقبلًا نحو حلمها أن تصبح ممثلة بسبب ما تتعرض له من تنمر، بالإضافة إلى خطر الإصابة بهوس الشهرة.
يتابع حساب بسنت على تيك توك 1.6 مليون شخص، وحصدت المقاطع التي تقدمها، وهي مجموعة من الفيديوهات التمثيلية أو lip syncing/تحريك الشفاه على صوت الأغاني، أكثر من 9.3 مليون إعجاب، في مدة لا تتجاوز سنة وشهرين.
ولكن مؤخرًا ثار الجدل حول بسنت بعد ظهورها مع الإعلامية ريهام سعيد في افتتاح برنامجها الجديد، صبايا الشمس، قبل شهر. رغم أنها سبق وظهرت من قبل مع المذيعة نفسها في برنامجها السابق، صبايا الخير، في مارس/ آذار 2021.
بالنسبة لجمهور تيك توك تبدو بسنت وجهًا مألوفًا، ومُرحبًا به. ولكن لجمهور التليفزيون سريع الحكم ضيق الصدر، ولطبيعة المقابلة الأخيرة التي ناطحت فيها الطفلة الإعلامية، ثارت ضجة حول الطفلة لم تخلُ من التنمر.
ظهرت الطفلة بعدها في مقطع لموقع فيتو باكية، شاكية من كل من أذاها، لكن هل يدخل ضمن هؤلاء أبويها، وريهام سعيد نفسها؟
يخالف ظهور بسنت في برنامج ريهام سعيد ميثاق الشرف الإعلامي الصادر عام 2017، والذي يمنع استخدام اللغة والإيماءات المسيئة أو التدني اللفظي أو الترخيص في القول والفعل، إلى جانب الإلزام بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، والامتناع عن إظهارهم بأي صورة تسيئ إليهم.
كما يخالف ذلك الظهور مبادئ اليونيسف التوجيهية للتغطية الإعلامية الأخلاقية، ومبادئ إجراء اللقاءات مع الأطفال، التي تنص على عدم طرح أسئلة من شأنها أن تعرض الطفل للخطر أو الإهانة، وهو ما لم تلتزم به ريهام التي تجاري الطفلة في الحديث بطريقة غير لائقة، وتتركها تفتح حقيبتها، وتضع لها أحمر شفاه، تخاطبها قائلة "كده يا أوختشي".
استغلال الأطفال
وكما خالفت ريهام مواثيق المهنة، فإن ظهور الأطفال وتصدرهم السوشيال ميديا يطرح قضية استغلالهم من قبل الأهل لتحقيق الأرباح، ما جعل تيك توك يمتلئ بمقاطع لصغار يقدمون محتوى هزلي أو استعطافي، بما لا يتناسب مع أعمارهم أو صحتهم النفسية.
وهكذا نجد أطفالًا يشاركون في تحديات/challenges غير صحية، بتناول كميات ضخمة من الطعام، وفتيات لا تتجاوزن 10 سنوات تضعن المكياج وترقصن على أغاني لا تخلو من إيحاءات جنسية.
ورغم أن المادة 65 من قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، تحظر تشغيل الطفل في أي من الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها، أو ظروف القيام بها، أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر، فإن أحد لا يقف أمام تلك النماذج وقانونيتها.
يؤكد استشاري طب نفس الأطفال الدكتور محمد محمود حمودة أن الأطفال الذين يظهرون على السوشيال ميديا كصناع محتوى عرضة للخطر والإيذاء النفسي، خصوصًا مع تحول بعضهم لمشاهير أو إنفلونسرز، وهو ما يجعلهم شخصيات محبة للظهور، وغير سوية، وعرضة لاضطرابات الشخصية الهيسترية والتي تسعى للظهور دون رسالة أو محتوى.
ويحذر حمودة من احتمالية تضاعف المخاطر إذا كان الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تؤثر إعاقته عليه نفسيًا وتضعف ثقته في نفسه. وهو ما قد يدفعه إما أن يكون خاضعًا للآخرين أو يتجنبهم لشعوره بالاختلاف عنهم.
ويرى الطبيب النفسي أن أي أسرة تدفع أطفالها إلى تلك المنصات لجني الشهرة على حساب صحتهم النفسية تستغلهم، فيما يسعد الأطفال بالتواجد وردود الأفعال، حتى لو سلبية، لأنها تحقق لهم الشهرة دون أن يستوعبوا حجم الضرر النفسي الواقع عليهم.
ووفقًا لحمودة فإن التنمر الإلكتروني الذي يتعرض له أطفال السوشيال ميديا قد يسبب لهم أعراض اكتئاب، أو قلق، أو اضطراب تأقلم، أو اضطراب سلوكي، فيصبحون عدائيين أو يصابون باضطراب العناد، إلى جانب احتمال الإصابة بانفصام مبكر في حال وجود تاريخ عائلي مع الذهان، وكل ذلك يستدعي علاجًا نفسيًا ومساعدة من الأهل.
الأمر نفسه تؤكده الدكتورة فيونا ياسين، في مقال منشور على the wave clinic، جاء فيه أن كثرة التواجد على السوشيال ميديا وتصفح محتواها يزيد من خطر الإصابة بالإكتئاب، والشعور بالوحدة، وضعف الثقة بالنفس، وزيادة أعراض القلق، وخاصة على المراهقين حول ما ينشرونه وكيفية تقبل المتابعين له وحجم التفاعل معه، إلى جانب التأثير على عدد ساعات النوم وجودته، وتقليل التركيز وحتى الإصابة باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).
كيم كارداشيان شريكة في التهمة
لا يُفضل والد بسنت الحديث عن مرض طفلته، ويشجعها على إنتاج المحتوى على تيك توك، معتبرًا تلك الفيديوهات طريقها، ربما الوحيد، إلى تحقيق حلمها في التمثيل والشهرة، رافضًا اتهامه بالتربح منها.
تشارك كيم كارداشيان، عارضة الأزياء الأمريكية، رد الفعل نفسه لوالد بسنت.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أطلقت كيم حسابًا مشتركًا لها مع ابنتها الكبرى نورث، والتي تبلغ من العمر 8 سنوات فقط، ويتابعه أكثر من 7مليون شخص حول العالم.
تشارك كيم ونورث متابعيهما بمقتطفات من حياتهما اليومية، وتروجا معًا لمنتجات والدتها وخالتها كايلي جينر ووالدها مطرب الراب كانيه ويست. رغم أنه صرح في خضم معاركه مع طليقته أنه يرفض تواجد ابنتهما على التطبيق الصيني، لكن كيم ترى أن ابنتها تشعر بسعادة أكبر حين تصور هذه اللقطات.
وزادت كيم في الدفاع عن نفسها قائلة إنها تضع قواعد وقوانين لاستخدام ابنتها تلك المواقع، إلا أن ذلك لا يمنع أن تقع أخطاء من قبيل خروج ابنتها في بث مباشر من داخل المنزل وتصوير والدتها دون علمها، لتقطع البث عليها فور اكتشافه.
وإن كانت كيم ووالد بسنت استجابا لرغبات طفلتين من أجل إسعادهما، فهناك نماذج أخرى من الإنفلونسرز يستغلون أطفالهم بطرق فجة، أبرزهم أحمد حسن وزينب وحليم وأمل اللذان استغلا طفلتهما إيلا قبل مولدها بإطلاق حساب رسمي لها على إنستجرام يشاركون من خلاله مقتطفات من حياة الطفلة وهي جنين.
حماية الأطفال على تيك توك
مثل الأباء، يدافع تيك توك عن تواجد الأطفال عليه، مدعيًا توفيره قواعد لحمايتهم، لكنها قواعد قاصرة ويسهل الالتفاف عليها.
الدخول إلى عالم التطبيق الصيني الذي يتابعه أكثر من 1.39 مليار مشترك، لا يتطلب سوى رقم الهاتف أو الإيميل، مع تسجيل تاريخ الميلاد والذي يمكن تزييفه بكل سهولة.
ورغم وجود بعض الاحتياطات لحماية الأطفال في حال تنفيذها، لكنها بلا ضمانة حقيقية. فمثلًا يمكن من خلال الإعدادات التحكم في مدة الاستخدام اليومي، ووضع قيود على المحتوى المعروض، وربط حسابات العائلة معًا لمراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل، لكن ماذا عن المحتوى الذي يصنعه أطفال؟
في الجزء الخاص بإرشادات المجتمع يؤكد تيك توك أن رسالته هي إلهام الإبداع وبث البهجة، كما يشير إلى أنه يزيل أي محتوى ينتهك هذه الإرشادات والحسابات التي يشك أنها لأطفال أقل من 13 سنة، لكن حساب بسنت في حد ذاته دليل معاكس.
تواصل بسنت تقديم فيديوهاتها وتحاول في بعضها توجيه رسالة للمجتمع، كدعوتها لعلاج الأطفال المرضى، لكنها تنسى أنها أيضًا طفلة وبحاجة لاهتمام ورعاية وحماية كحال الأطفال التي تتحدث عنهم.