كان فجرًا عاديًا ذلك الذي طلع على مدينة القُدس يوم جُمعة في منتصف يوليو/ تموز الجاري، حتى أطلقت الشرطة الإسرائيلية أعيرتها النارية على ثلاثة فلسطينيين وأردتهم قتلى، بدعوى أنهم هاجموا هاجموا وقتلوا اثنين من شرطييها.
لم تكتف إسرائيل بقتل الفلسطينيين الثلاثة، الذين ينتمون إلى عائلة واحدة من بلدة أم الفحم العربية، بل قررت فرض حصار أمني مشدد على بلدة القُدس القديمة، لاسيما على أبواب المسجد الأقصى، الذي قالت إن الثلاثة لاذوا به قبل مقتلهم.
وأمام بوابات إلكترونية، أصبحت الوسيلة الوحيدة لدخول المسجد منذ ذلك الوقت، امتنع المقدسيون عن أداء الصلاة في "الأقصى"، ثم تلا ذلك مواجهات وأحداث عنف لاتزال مُستعرة حتى هذه اللحظة.
البداية.. معركة الفَجر
كان الوقت هو فجر الجُمعة 14 يوليو/ تموز 2017، حين قتلت الشرطة الإسرائيلية 3 فلسطينيين، قالت إنهم فتحوا النار على اثنين من أفراد الشرطة الإسرائيلية في القُدس القديمة، ولاذوا بالفرار باتجاه باحة الأقصى، قبل أن تلحق بهم قوات الأمن وتقتلتهم بالرصاص.
لم يمر على الحادث ساعات قليلة، حتى أعلنت الشرطة الإسرائيلية إغلاق المسجد الأقصى، ومنع صلاة الجُمعة فيه.
إدانة ذات وجهين
في أعقاب الحادث، عمدت السلطة الفلسطينية إلى التهدئة، إذ أجرى رئيسها محمود عباس أبومازن، اتصالاً هاتفيًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عبر خلاله عن "رفضه الشديد وإدانته" للحادث.
وكان للإدانة وجه ثاني ضد إسرائيل، فاعتبارًا من يوم الحادث، بدرت إدانات ﻹغلاق المسجد في وجه مُصليّن الجمعة، لاسيما وأنه موقف لم يتكرر منذ أحرق الأقصى عام 1969.
بوابات على البوابات
أعادت إسرائيل فتح أبواب المسجد الأقصى للمصلين، يوم اﻷحد 16 يوليو 2017، لكن بصورة مشروطة، إذ اتخذت إجراءات أمنية مشددة في القُدس القديمة ومحيط المسجد نفسه، كان على رأسها تركيب بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين قبل الدخول إليه.
ولاقى الإجراء الإسرائيلي رفضًا من المقدسيين الذي صلّوا أمام البوابات، ومن السلطة الفلسطينية أيضًا، وقال وزير الأوقاف الفلسطيني، يوسف ادعيس، إن السلطة لن تسمح بالمساس بسيادتها على المسجد.
واتخذ المواطنون بناءً على توصيات المرجعيات الإسلامية في القدس، قرارًا بعدم دخول المسجد من البوابات اﻹلكترونية.
المستوطنون يقتحمون المسجد
لم يكد المصلون الفلسطينيون يعلنون موقفهم الرافض لبوابات الشرطة الإسرائيلية، حتى دخل المستوطنون الإسرائيليون على خط الصراع، إذ اقتحموا باحة المسجد لمرات مُتكررة في أيام 17 و18 و19 يوليو/تموز، من باب المغاربة، وسط حراسة مشددة من الشرطة.
مواجهات واعتصام
لا تستمع إسرائيل إلى جهات دولية وحكومات، تطالبها بفض حصارها الأمني عن المسجد الأقصى؛ وأمام القرار وما تشهده أحياء وبلدات القدس من مواجهات امتد بعضها حتى باب الأسباط- أحد أبواب المسجد اﻷقصى.
قرر المقدسيون مواصلة الصلاة أمام بوابات المسجد، والانضمام إلى اعتصام نظّمته دائرة الأوقاف الإسلامية، أمام المسجد من جهة باب الناظر "المجلس"، استجابة لدعوات تنظيم اعتصامات انطلقت منذ يوم الاثنين 17 يوليو/تموز.
"جُمعة الغضب"
كان من بين ما اتخذه الفلسطينيون من قرارات، الحشد لتظاهرات مُضادة للإجراءات الإسرائيلية حيال المسجد، فانطلقت الجمعة 21 يوليو/تموز فعاليات احتجاجية في مناطق مٌتفرقة من الأراضي الفسطينية، تحت مُسمّى "جمعة الغضب"؛ للرباط في محيط المسجد، ورفض دخوله حتى إزالة البوابات.
وانتهت فعاليات اليوم، الذي لاقى تضامنًا عربيًا واسعًا بوقفات واحتجاجات رمزية، وفقًا لإفادات وكالات الأنباء، بمقتل 3 فلسطينيين وإصابة حوالي 400 آخرين.
عملية حلميش
لم تمر هذه الجُمعة الغاضبة بأحداث عنف طالت الفلسطينيين فقط، إذ سقط ثلاثة إسرائيليين قتلى وأُصيب اثنان آخران، في عملية طعن نفّذها فلسطيني بمستوطنة حلميش الواقعة غرب مدينة رام الله، وفقًا لما أعلنته الشرطة الإسرائيلية.
مقاطعة وتهدئة
بعد إغلاق المسجد ومقتل وإصابة مئات المقدسيين دفاعًا عن استقلاله، أعلنت السلطة الفلسطينية على لسان رئيسها أبو مازن يوم السبت 22 يوليو، تجميد كل الاتصالات مع إسرائيل وعلى جميع الأصعدة، لحين إلغائها جميع الإجراءات الأمنية على الأقصى. وفي اليوم نفسه، أعربت إسرائيل عن استعدادها للتفكير في بدائل للبوابات.
ووجه اللواء في الجيش الإسرائيلي يواف موردخاي، دعوة إلى العالم الإسلامي لتقديم اقتراحات تأمينية أخرى، في وقت قررت حكومة بلاده نصب كاميرات مُراقبة بالقرب من المسجد.
تفاعل رسمي وافتراضي
وبينما تتسارع الأحداث الميدانية في القدس، تحاول اللحاق بها ردود فعل واسعة، كان منها الصادر عن الجامعة العربية بإدانة الإجراءات الإسرائيلية، وعن الفاتيكان الذي طلب حل الأمر بالحوار، ومجلس الأمن الذي يستعد لعقد جلسة طارئة بشان هذا الملف الملتهب، الذي فرض نفسه ليس فقط على الأجندات الدولية والإقليمية، بل حتى الاهتمامات الشخصية، وأفسح مجالاً على فيسبوك وتويتر للحديث عن المسجد الأقصى.