أعلنت إثيوبيا توقيع مذكرة تفاهم وصفتها بـالتاريخية مع صوماليلاند تمكنها من الوصول إلى منفذ بحري، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة في مقديشو وعواصم عربية وأوروبية.
وتسمح مذكرة التفاهم لإديس أبابا باستئجار 20 كيلومترًا على ساحل البحر الأحمر قرب ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، مقابل اعتراف إثيوبيا رسميًا بجمهورية صوماليلاند.
وتشير وكالة الأنباء الإثيوبية إلى أن الاتفاقية، التي وُقعت مطلع العام الحالي ستمكن أديس أبابا من استئجار ميناء وبناء قاعدة عسكرية، بينما تحصل صوماليلاند على حصة من المؤسسات العامة الإثيوبية، فيما لفتت الوكالة إلى أن مذكرة التفاهم "ستكتمل خلال شهر واحد وتمهد الطريق للتنفيذ".
ولطالما كان الوصول إلى منفذ بحري مطمعًا لإثيوبيا منذ أصبحت دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا عنها عام 1993. وكان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن الوصول إلى البحر مسألة وجودية.
وأشار وزير النقل واللوجستيات الإثيوبي أليمو سيمي، في تصريحات أمس، إلى أن عدم وجود ميناء بحري خلق العديد من التحديات أمام قطاع الخدمات اللوجستية.
لماذا المنفذ البحري؟
تعتمد إثيوبيا على جارتها جيبوتي في التجارة الخارجية مقابل رسوم "ضخمة"، حسب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لـ المنصة، وهو ما يفسّر برأيه أهمية الاتفاق.
ويوضح عبد المطلب أن إثيوبيا تسعى لإيجاد منفذ بحري آخر يمكنها من تخفيض تكاليف الاستيراد وتعظيم العائد من التصدير، وضرب مثلًا بمنتج البن، قائلًا إن البن اليمني والإثيوبي متشابهان تقريبًا، لكن قدرة اليمن على الوصول المباشر إلى البحر الأحمر يجعل منتجها أقل سعرًا، وربما أكثر رواجًا في العالم.
وأشار إلى أن عجز أديس أبابا عن سداد ديونها مؤخرًا "مؤشر جديد على الضغط الذي يعانيه الاقتصاد الإثيوبي" في ظل "معدلات التضخم المرتفعة، التي تضرب العالم كله".
وكان الاقتصادي الإثيوبي كوستانتينوس بيرهي قال لوكالة الأنباء الإثيوبية إن وجود ميناء تطوره إثيوبيا سيمنحها "بدائل مختلفة لتسريع الاستيراد والتصدير".
ويعتقد خبير العلوم السياسية والعلاقات الدولية الإثيوبي بيفيكادو دابا، الذي تحدث لموقع فانا الإثيوبي، أن الاتفاقية "تمكن إثيوبيا من جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة".
صوماليلاند ترى في الاتفاق مع إثيوبيا فرصة للاعتراف الإقليمي بها دولة مستقلة
بدوره، يتفق العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل الدكتور عدلي سعداوي، مع الرأي السابق، قائلًا لـ المنصة إن اهتمام إثيوبيا بالوجود المباشر على البحر الأحمر، وهو ممر مهم للتجارة الدولية، لهدف اقتصادي هو تقليل تكاليف الاستيراد والتصدير، وآخر عسكري.
وأشار سعداوي إلى أن إثيوبيا تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر ضمن مساعيها لتصبح "قوة إقليمية مؤثرة"، بخاصة في منطقة القرن الإفريقي، فتحاول "السيطرة على مياه النيل والوجود في البحر الأحمر".
واعتبر العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل أن "الأطماع الإثيوبية تثير التوترات في منطقة القرن الإفريقي، وقد تنذر بوجود نزاعات مع قوى إقليمية".
وأشار إلى أن إثيوبيا سعت لاستئجار مواني بحرية في إريتريا والصومال، حتى وجدت فرصة للوجود في صوماليلاند، هذه المنطقة المهمشة غير المعترف بها دوليًا.
ما هي صوماليلاند؟
في عام 1991 أعلنت جماعة الحركة الوطنية الصومالية/SNM، من طرف واحد، المنطقة التي تسيطر عليها، دولة مستقلة، اسمها "صوماليلاند"، بعد سنوات من الحرب الأهلية.
واختير عبد الرحمن أحمد علي طور أول رئيس للدولة الوليدة، التي اعتمدت عام 2001 دستورًا مكونًا من 130 مادة يحدد نظام الحكم واختصاصات السلطات التشريعية والتنفيذية.
وتزيد مساحة إقليم صوماليلاند قليلًا على 176 كيلومترًا مربعًا، ولها خط ساحلي يمتد حتى 800 كيلومتر على طول البحر الأحمر، ويبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، يعيش معظمهم في العاصمة هرجيسا.
ويشير سعداوي إلى أن صوماليلاند ترى في الاتفاق مع إثيوبيا "فرصة للاعتراف الإقليمي بها دولة مستقلة" بمساعدة أديس أبابا، التي تستضيف مقر الاتحاد الإفريقي ولها تأثير على بعض الدول داخل القارة، على حد قوله.
بدوره، وصف أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد مهران، الاتفاق، بأنه "باطل وغير قانوني"، بالنظر إلى أن الإقليم لا يزال غير معترف به دوليًا كيانًا مستقلًا.
وأوضح مهران في تصريح لـ المنصة أن أي اتفاقيات تبرم مع الكيانات الانفصالية من جانب واحد وبمعزل عن موافقة السلطة المركزية تعد باطلة وفقًا لمبادئ سيادة الدول الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، والمبادئ التي أقرتها أحكام محكمة العدل الدولية.
ردود فعل غاضبة
وأحدث الاتفاق أزمة دبلوماسية بين إثيوبيا والصومال، التي سحبت سفيرها من أديس أبابا، ووصفت الأمر بأنه "انتهاك واضح وتدخل في استقلال وسيادة ووحدة الصومال".
وأكدت حكومة مقديشو، في بيان عقب اجتماع غير عادي أن صوماليلاند تعتبر جزءًا من جمهورية الصومال الفيدرالية، وفقًا للدستور الوطني، فيما اعتبرت الخطوة الإثيوبية "عملًا عدوانيًا يهدد حسن الجوار والسلام والاستقرار في المنطقة التي تعاني أصلًا من مشكلات مختلفة".
كما شددت على أن ما ورد في الاتفاق "لا أساس له من الصحة"، وغير مقبول من الحكومة الفيدرالية الصومالية "وليس له أي أساس قانوني".
وذكرت وكالة الأنباء الصومالية أن الآلاف خرجوا في مظاهرات بالعاصمة مقديشو للاحتجاج على الاتفاقية، رافعين لافتات مكتوب عليها عبارات مثل "بحرنا ليس للبيع".
وصف متحدث باسم الاتحاد الأوروبي احترام سيادة الصومال بأنه "مفتاح السلام في القرن الإفريقي"
من جانبها، أكدت مصر في بيان لوزارة الخارجية على ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة الصومال الفيدرالية الشقيقة على كامل أراضيها، ومعارضتها لأي إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، مشددةً على حق الصومال وشعبه دون غيره في الانتفاع بموارده.
كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في اتصال هاتفي مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، موقف مصر الثابت بالوقوف إلى جانب الصومال الشقيق، ودعم أمنه واستقراره.
بدورها، أعربت جامعة الدول العربية رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة أوضاعها الداخلية أو من تعثر المفاوضات الداخلية الجارية بشأن علاقة أقاليم الصومال بالحكومة الفيدرالية، في استقطاع جزء من أراضي الصومال بالمخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي.
كما أكد البرلمان العربي رفضه محاولات انتهاك وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، مطالبًا إثيوبيا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للصومال، لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
الاتحاد الأوروبي كذلك شدد على أهمية احترام وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، وسيادتها، وسلامة أراضيها، وفقًا لدستورها ومواثيق الاتحاد الإفريقي والأمم المتّحدة.
ووصف متحدث باسم الاتحاد احترام سيادة الصومال بأنه "مفتاح السلام في القرن الإفريقي".
دفاع إثيوبي
أما أديس أبابا فدافعت عن موقفها قائلة إن بعض الدول، بما فيها إثيوبيا، افتتحت مكتبًا قنصليًا لها في هرجيسا، أوائل التسعينيات، وأن صوماليلاند وقَّعت اتفاقيات مع دول مختلفة، منها اتفاقيات تطوير المواني.
وأشارت إلى أن مذكرة التفاهم، التي تتيح لإثيوبيا حصة 19% من ميناء بربرة مع شركاء آخرين، "دليل على هذه الحقيقة"، مضيفةً "ومن المعروف أن دولًا أخرى تتبع العملية نفسها، ولم يكن هناك أي تذمر أو شكوى".
ودعت وزارة خارجية صوماليلاند جميع الأطراف المعنية إلى احترام مذكرة التفاهم، فيما تحدثت عن "أهمية مشاركة الدول ذات السيادة في اتفاقيات ثنائية تعزز التعاون الإقليمي دون تدخل خارجي".