في جلسة بلا نواب، وفي غياب المعارضة لليوم الثالث على التوالي، مرر البرلمان موازنة العام المالي الجديد 2017/2018، والمواد الخلافية قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، لينهي الإشراف القضائي على الانتخابات، ملتزما بالنص الدستوري الذي حدده بعشر سنوات فقط، وفقا لتفسيرات رئيس المجلس علي عبد العال، والحكومة.
إعلاء الحق
احتفى البرلمان اليوم بقرار المحكمة الدستورية العليا الذي أوقف تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تتنازل مصر بموجبها عن تيران وصنافير مؤقتًا لحين الفصل في دعوى فض النزاع المرفوعة من هيئة قضايا الدولة أمام الدستورية العليا.
وبدأ رئيس المجلس الجلسة العامة اليوم بالإشارة إلى قرار المحكمة الذي اعتبره إعلاءً للحق، واحتفى بالقرار، قائلاً "إن الأغلبية تحملت الكثير في سبيل إعلاء كلمة الحق، وأضاف "لتسكت الأصوات التي خونت الأغلبية ووجهت الاتهامات إليها".
واعتبر أن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية، يؤكد تفسيراته الخاصة بالفصل بين السلطات، وقال: "تعلمنا في الحقوق أن الحكم الذي يصدر من محكمة غير مختصه لا يجوز الحجية، فالحجية مرتبطة بالاختصاص الصحيح".
وأوضح أن المجلس خاضع لأحكام الدستور، والمنوط به التأكد من ذلك هي المحكمة الدستورية العليا. وجدد تأكيده على أن مجلس النواب هو المختص بنظر اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، من حيث المناقشة والموافقة، وقال " لن نسمح بالإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، أو تعدي سلطة على أخرى".
وعقّب وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان على قرار المحكمة الدستورية، وقال "إن المحكمة الدستورية هي الحكم بين المحاكم القضائية، وقد أصدرت اليوم قرارا بوقف تنفيذ الحكمين الصادرين بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية".
واعتبر مروان أن المحكمة أعادت الأمور لنصابها الصحيح، وأكدت على الحدود الفاصلة بين سلطات الدولة الثلاث واختصاص كل سلطة، وأكدت على التطبيق السليم لمفهوم أعمال السيادة، وأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن أعمال الاتفاقيات من صميم أعمال السيادة.
وقال موجها حديثه لعبد العال "إن قرار المحكمة يؤكد وجهة نظرك كفقيه دستوري كبير، وهي النظرة التي أكدتها الحكومة، إن الاتفاقيات من أعمال السيادة التي يختص بها فقط مجلس النواب لإعمال الرقابة على الحكومة في هذه الأمور".
وانتهز مروان الفرصة للدفاع عن الحكومة وأشار إلى جلسة 19 يونيو التي وافق خلالها المجلس على 3 علاوات وعلى زيادة معاشات المدنيين والعسكريين، وقال "إن الشكر الذي حظيت به الحكومة في جلسة 19/6 على قوانين الحماية الاجتماعية، يغطي أي انتقادات وجهت لها من قبل" .
أما زعيم الأغلبية، النائب محمد السويدي فوجه الشكر "لجميع النواب الذين أخذوا على عاتقهم المسئولية الكبيرة في قول كلمة الحق في هذه الاتفاقية من مستقلين وأحزاب وائتلاف دعم مصر". ووصفهم بالأبطال مشيرا إلى تحملهم إهانات كثيرة، وتحدث عما أسماه الحرب الإعلامية وحملات الإرهاب والتشويه التي تعرض لها النواب "والتي أثرت عليهم في بيوتهم ووسط أهلهم، لأنهم قالوا كلمة الحق، وبحسب تعبيره". وقال "كلمة الحق التي أنصفنا الله بها اليوم، وقرار المحكمة أثبت أننا مجلس نواب قلنا كلمة الحق".
وكرر السويدي التساؤلات التي طرحها أمس في لقائه مع المحررين البرلمانيين قائلا: "لو كانت هذه المنطقة مصرية لماذا لم تأخذ مصر رسوم عبور، ما الذي يمنع إسرائيل من عمل القناة التي تحدث عنها البعض".
أما النائب بهاء أبو شقة، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، فقال إن قرار المحكمة الدستورية سلط الأضواء على عدة حقائق واستطرد "أولى هذه الحقائق إن هذا المجلس الموقر له رئيسا من أساتذة القانون الدستوري المعدوديين وقال كلمته وكانت كلمة حق ودستور وقانون".
وأشار الى المادة 151 من الدستور، وقال إنها "واضحة وصريحة لا تحتمل أي لبس أو تأويل أو تحوير، رئيس الجمهورية يبرم الاتفاقيات ويقوم المجلس باختصاصات محددة ثم يصدق رئيس الجمهورية. وأوضح رئيس المجلس وهو من الفقهاء الدستوريين المعدودين أن من يخالف النص الدستوري سواء حكم [قضائي] أو [جهاز] تنفيذي، غصبًا للسلطة بما له من تكييف دستوري وقانوني، أنه هو والعدم سواء".
وقال أبو شقة "هذا الحكم يسجل للمجلس ورئيسه أنه وضع مبدأ دستوري في الفصل الحقيقي بين السطات".
وشدد على أن القرار يؤكد "أننا أمام دولة قانون ودولة مؤسسات هذا حكم كاشف وليس منشئ ويكشف ما جاء في المادة 151 من أن البرلمان صاحب الولاية والسيادة، السلطة الحقيقية وفقا لسلطاته التي اختصها بها الدستور ".
أما عبد العال فتحدث عن الأحكام التي أوقفها قرار المحكمة الدستورية، وقال "هذا الحكم (يقصد حكم الإدارية العليا بإبطال الاتفاقية) ستحاكمه كليات الحقوق وكتب القانون" مضيفً: "القضاء لا دخل له باعمال السيادة".
فيما قال النائب نور الدين عبد الرزاق، المؤيد للاتفاقية بالمخالفة لقرار الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إليه، فقال للنواب أن الحزب أصدر قرارا بفصله، وتابع "الحزب فلصني لاني ما قلتش غير الحق".
إلغاء الإشراف على الانتخابات
بشكل مفاجئ، وبلا أية مقدمات ولا إعلان مسبق، ومع ندرة النواب في القاعة، قطع عبد العال مناقشة الموازنة العامة للدولة خلال الجلسة العامة، وأعلن مناقشة المادة 34 من مشروع قانون الهيئة الوطنية للانتخابات.
هذه المادة شهدت خلافات كبيرة خلال مناقشتها في الجلسة العامة، وأعادها عبد العال للمناقشة في اللجنة التشريعية مرة أخرى قبل عدة أسابيع.
وكان الجدل بشأن استمرار الإشراف القضائي من عدمه، إذ اتجه عبد العال وآخرون لتأييد موقف الحكومة الذي يقصر الإشراف القضائي على الانتخابات، على مدة 10 سنوات فقط من إقرار الدستور (2014) وهي المدة التي حددها الدستور. واعتبر هؤلاء أن عدم تحديد المدة يتناقض مع النص الدستوري "ولا اجتهاد مع نص". فيما رأى آخرون أن النص لم يشترط العشر سنوات "فقط"، وأنه يمكن تمديد الإشراف القضائي على الانتخابات لمدة أطول.
اليوم وفي غياب المعارضة وأعداد كبيرة من النواب، مرر مجلس النواب هذه المادة المقدمة ضمن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة بتأييد من زعيم الأغلبية محمد السويدي، الذي تراجع عن تمسكه بالإشراف القضائي الدائم على الانتخابات.
وقال السويدي "رأيي الأساسي كان الاستمرار في الإشراف القضائي على الانتخابات"، وأضاف خلال مناقشة المادة 34 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات "المسئولية الأساسية أن لا مخرج للهيئة الوطنية سوى أنها تعمل عمل مؤسسي محترم، تستخدم كل الآليات وتدير العملية الانتخابية"، واستطرد "لا نريد مخالفة الدستور ، واليوم في بداية الجلسة أكدنا احترامنا للدستور".
وأعلن تمسكه بالنص الدستوري الذي تضمن الاشراف القضائي على الانتخابات عشر سنوات، واوضح أن الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المحلية المقبلة ستكون تحت الإشراف القضائي.
التوجه نفسه تبناه النائب علاء عابد رئيس الكتلة البرلمانية للمصريين الأحرار الذي ربط بين نزاهة الانتخابت والثورة التي أنهت مخاوف التزوير ، ولم تشهد هذه المادة أية اعتراضات سوى من النائب إيهاب الخولي.
وقال رئيس البرلمان "أقولها مرة أخرى للتاريخ الهيئة الوطنية للانتخابات ما كان التفكير فيها إلا للتخلص من هذه العادة المصرية بامتياز ، قاضي على كل صندوق، واللي بيقول أيام الإشراف [القضائي] ما كانش فيه تزوير، يرجع لاحكام النقض 2005 التزوير من عدمه يخضع للارادة السياسية"، واستطرد "الإرادة السياسية تتجه لإجراء انتخابات حرة ونزيهة"، وتجاهل رئيس البرلمان التذكير بأن أحكام النقض في 2005 صدرت بعد فضح عدد من القضاة لوقائع التزوير التي تيسر لهم الاطلاع عليها بحكم الإشراف على الانتخابات، وأن القضاة تعرضوا وقتها لمواجهة شرسة مع الدولة بسبب فضح التزوير".
وانتهى المجلس الذي تواجد به أقل من خمسين نائبًا على أحسن التقديرات، إلى التصويت على قصر الإشراف القضائي على عشر سنوات، فقط يبدأ حسابها منذ دخول الدستور حيز التنفيذ في 2014 وتنتهي في 2024.
الموازنة تمر
على الرغم من وجود تحفظات لدى عدد ليس بقليل من النواب، واعتراضات لدى الهيئات البرلمانية للأحزاب على مشروع الموازنة العامة الذي تقدمت به الحكومة؛ وافق البرلمان في غياب نوابه- إلا قليلا- على مشروع الموازنة.
واستكمل عبد العال مناقشة الموازنة التي كانت مدرجة في جدول أعمال الجلسات، منذ بداية الأسبوع الذي غاب عنه عدد كبير من نواب المعارضة، وبعد كلمات من عدد من ممثلي الهيئات البرلمانية .
النائب مجدي مرشد، تحدث نيابة عن الهيئة البرلمانية لحزب المؤتمر وقال إن من صميم عمل المجلس رسم الخطط، وأشار إلى وجود عدد من التوصيات التي أخذت بها لجنة الخطة والموازنة، ولم تنعكس في الموازنة التي قدمتها الحكومة.
وقال "كل الشكر للرئيس والحكومة على التعليمات التي صدرت مؤخرا لرفع... الغلاء عن المواطن المصري البسيط"، وأضاف "يجب أن نشكر وننبه الحكومة لمراجعة وسائل وأساليب تقليل العجز".
وانتقد عدم وجود أي خطوات لتقليل النفقات الحكومية، وطالب بتقارير ربع سنوية عن برامج وأهداف الحكومة وما تم انجازه.
واستنكر مرشد ضم نفقات المياه والصرف الصحي إلى موازنة قطاع الصحة التي بلغت 105 مليار جنيه، وقال ساخرا "لماذا لم يتضمن الماء والهواء والشمس والطاقة".
وانتقد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية النائب محمد بدراوي مشروع الموازنة، وحذر من تزايد معدلات الاقتراض، وقال إن الحكومة الحالية هي أكبر حكومة اقتراض في تاريخ مصر، والإصلاح الجرئ تحول إلى الاقتراض الجرئ، و تقترض الحكومة من كل مؤسسات الإقراض شرقا وغربا".
وقال بدراوي إن الدين الداخلي والخارجي ارتفع بصورة "صاعقة، وأصبح خطرًا جدا جدا على الدولة المصرية".
وفي النهاية وافق البرلمان على مشروع الموازنة العامة للدولة وأحاله لمجلس الدولة، كما أحال مشروعات بربط موازنات الهيئات الاقتصادية، والهيئة القومية للإنتاج الحربي إلى مجلس الدولة، ووافق بشكل نهائي على موازنة مجلس النواب.