لليوم الثاني على التوالي كانت الفوضى سيدة الموقف خلال اجتماع اللجنة التشريعية والدستورية في مجلس النواب لمناقشة اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة السعودية.
مشاجرات ومشادات كادت تصل للاشتباك بالأيدي بدأت منذ الدقائق الأولى في الاجتماع الذي ترأسه علي عبد العال، وانتهى الاجتماع بمشاجرات أعقبتها هتافات تردد "ناصر .. ناصر"، "مصرية .. مصرية".
ولم ينته الاجتماع إلى أي نتيجة أو قرار سوى عقد اجتماع جديد في التاسعة والنصف مساء، ويكون قاصرًا على أعضاء اللجنة التشريعية فقط، بحسب قرار رئيس المجلس.
ويعارض قرار عبد العال اللائحة الداخلية للمجلس، التي تقر حق أي نائب المشاركة في حضور أي لجنة نوعية، حتى لو لم يكن عضوًا فيها، بينما تقتصر مشاركة أعضاء اللجان على التصويت على القرارات دون غيرهم وتكون أولوية الحديث للأعضاء.
قرار رئيس المجلس يأتي في محاولة لإنهاء حالة الفوضى التي نتجت عن طريقة إدارة البرلمان للموضوع، فإدارة البرلمان لم تتح الفرصة لعرض آراء جميع الخبراء وطرح وجهات النظر المتباينة، واكتفت بالخبراء الذين تقدمهم الحكومة لإثبات تبعية تيران وصنافير للسعودية.
أما المعارضة فسهلة الاستثارة وسريعة الغضب وأدى انجرارها للمشادات والاشتباكات والانفعال لخسارتها جزء من معركتها التي تحاول فيها منع تمرير الاتفاقية، وهو الأمر الذي يتفهمه جيدًا المؤيدون للاتفاقية ويستغلونه، وكان واضحًا في افتعال عدد من النواب لمشادات تزيد بعدها الفوضى في القاعة.
استمر حرص قيادات "ائتلاف دعم مصر" على المشاركة في الاجتماع، حيث حضر محمد السويدي رئيس الائتلاف، والأمين العام المساعد للائتلاف، محمد علي يوسف، والذي وقف بجوار المنصة، بجانب رئيس اللجنة التشريعية، في بعض الأوقات. وحضر نواب "تكتل 25/30"، ونواب "تحالف حق الشعب" وغيرهم من النواب المعارضين.
ترتيب الجلوس اليوم كان مختلفًا، بالأمس كان تجمع المعارضين أوضح وكانوا على مقربة من بعضهم بشكل أكبر، وكانوا يتحركون ككتلة واحدة، في حين تفرقت مقاعدهم اليوم بين نهاية القاعة ومنتصفها، وجلس بينهم عدد من نواب "دعم مصر".
وظهر بعض النواب ممكن كانوا أبطال مشادات مع النواب المعارضين، مثل سعيد شبايك، والنائب محمد مدينة، بينما استكملت النائبة غادة عجمي دورها في الاشتباك مع المعارضين مرددة "مش هنسمعكم مش هنسمعكم".
حضر اليوم مصطفى الجندي وهو عضو "ائتلاف دعم مصر" ، ولكنه يعارض الاتفاقية وانفعل وشارك في مشادات. وظهر نائب حزب النور، محمد صلاح خليفة، ولم يتحدث أو يشارك في المشاجرات وجلس بجوار عدد من نواب "ائتلاف دعم مصر".
المفرّطون مرصودون
كلمة عبد العال في بداية الاجتماع كانت الشرارة التي انطلقت منها المشاجرات الأولى، حيث ألقى رئيس المجلس كلمة قصيرة عاتب فيها النواب على المشاهدات التي نقلتها وسائل الاعلام أمس، وقال: "الجميع له حق النقد وهناك أدب للحوار والحديث، ولا بد أن تُحتَرَم المنصة، وحَرَم المنصة ليس للتنزه، رصدت هذه الصورة كل وكالات الانباء؛ صورة النائب وهو يمشي الهوينى في هذه المنصة غير مقبول".
لمّح عبد العال في كلمته إلى النائب هيثم الحريري الذي احتد عليه بالأمس، وقال له "دي مش وقفة؛ حاطط ايدك في جيوبك".
واستكمل عبد العال حديثه مؤكدًا على وطنية الجيش، وقال: "من حارب لا يعرف التفريط ولا البيع، والذين يبيعون معروفين ومرصودين"، فقاطعه النائب مصطفى كمال حسين: "انت كده بتمهد لحاجة غير مظبوطة"، فانفعل النائبان سعيد شبايك ومحمد مدينة وكادا يشتبكان مع النواب المعارضين. تجددت الاشتباكات مرة أخرى بعد مطالب نواب من دعم مصر بالالتزام بأدب الحديث، فانفعل النائبان خالد يوسف وأحمد الطنطاوي، وامتدت المشادات كالعادة لباقي القاعة، بين المؤيدين والمعارضين وهو المشهد المتكرر منذ أمس.
ماذا قال الخبراء ومَن هم
الخبراء الذي ظهروا على مدار اليوم هم شخصيات اختارتها الحكومة، ويتبنون وجهة نظرها التي تؤكد أن الجزيرتين غير مصريتين، وأن الحكم القانوني كان "احتلال" للجزر. ألقى أستاذ القانون الدستوري صلاح فوزي كلمة ينفي فيها سيادة مصر على الجزيرتين، وأن مصر لم تمارس حقوق السيادة عليها، وأن قسم الشرطة هو من شؤون الإدارة وليس السيادة، وحذر من اللجوء للتحكيم الدولي.
أضاف فوزي: "التحكيم الدولي يتطلب منازعة بين الدولتين، القاعدة العامة في التحكيم الخاص أو محاكم التحكيم تفترض وجود منازعة، حتى اللحظة لا توجد منازعة" فقاطعه النائب طلعت خليل "مَن قال لا يوجد منازعة؟"، وتجددت بعدها مشادات في الاجتماع بين النواب المعارضين والمؤيدين للاتفاقية. كما اعتبر فوزي في كلمته أن الاتفاقية لا يمكن أن تخضع للاستفتاء الشعبي، وقال: "أوضحت ذلك يوم أمس وكان صوتي ضعيف، أو فيه مصدّات منعت وصوله"، في إشارة الى المشادات والمقاطعات من النواب.
الخبير الثاني الذي استعانت به الحكومة اليوم هو محمود سامي، مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية الدولية والمعاهدات، الذي استعانت به الحكومة للرد على تساؤل النائب خالد يوسف الذي طرحه أمس بشأن محاضر اجتماعات التفاوض، وتغير الموقف المصري عبر السنوات الماضية.
وقال سامي: "إن ما تردد حول تقديم مصر تحفظات على خطوط الأساس الخاصة بالسعودية في المناطق البحرية في البحر الأحمر إلى الأمم المتحدة غير صحيح، حيث إن مصر قدمت إعلانًا وليس تحفظًا بأنها ستتعامل مع خطوط الأساس الوارد إحداثياتها الجغرافية في الجدول المرافق بالمرسوم الملكي السعودي، بما لا يمس الموقف المصري في المفاوضات ذات الصلة". كما تحدث رئيس الجمعية الجغرافية السيد الحسيني، مؤيدًا لعدم أحقية مصر في الجزيرتين.
خبراء من جانب واحد
اعترض النائب أحمد الطنطاوي من "تكتل 25/30" على الخبراء الذي يتحدثون في الاجتماع: "هم كل الخبراء بيقولوا الجزر سعودية، مافيش حد قال مصرية". فرد عليه عبد العال: "معلش"، فزاد انفعال الطنطاوي: "معلش إيه، دي أرض، دي بلد"، ثم امتدت الانفعالات والمشاجرات في القاعة بين النواب الرافضين والمؤيدين. وزاد انفعال الطنطاوي وطّرَق بيده عدة مرات على الطاولة، وقال: "هنعمل أي حاجة ، مستعدين نعمل أي حاجة".
مطلب الطنطاوي يدعمه زملاؤه المعارضين للاتفاقية، بينما طالب آخرون بتطبيق اللائحة وإخراجه من القاعة، فانفعل النواب وقال خالد يوسف: "اللايحة علينا إحنا بس".
مصرية.. مصرية
"ناصر.. ناصر"، "مصرية.. مصرية"، كان هذا الرد العفوي التلقائي غير المنظم لنواب المعارضة على النائب الوفدي عبد الحميد بدوي، الذي قال إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أقر بسعودية الجزر.
كلمات النائب الوفدي عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان أشعلت القاعة من جديد، خاصة وأن معظم المعارضين ذوو ميول سياسية مؤيدة ومتعاطفة مع عبد الناصر، وتحرك خالد يوسف من مقعده وكاد يشتبك بالأيدي مع بدوي، الذي نُشرَت له من قبل تصريحات أكد فيها تدخلات الأمن في تشكيل "ائتلاف دعم مصر".
تدخلات النواب فصلت بين النائبين ومنعت الاشتباك بالأيدي، وعاد خالد يوسف لمكانه منفعلًا يطرق بيده على المنضدة وسط الفوضى والمشاجرات، وصرخت نادية هنري: "البسوا سواد يا أهل مصر.. البسوا سواد يا أهل مصر".
تراجعت الفوضى والمشادات بعد هتاف المعارضة مرددين "ناصر ناصر ناصر"، ثم تبعه هتاف "مصرية مصرية.. باطل باطل"، وأنهى بعدها رئيس المجلس الاجتماع معلًنا عن اجتماع مساء اليوم بحضور أعضاء اللجنة التشريعية فقط.