مليون وحدة لا تكفي المصريين
قبل نحو خمس سنوات تقدم آلاف المواطنين لشراء وحدات إسكان اجتماعي ضمن "الإعلان العاشر" في هذا المشروع، ولكن وزارة الإسكان لم ترد على هذه الطلبات إلا خلال الأيام الماضية، عندما أعلنت أنها لن تقدر على توفير وحدات لجميع المتقدمين بأسعار 2018، وأن نسبة منهم ستدفع 116 ألف جنيه زيادة عن الأسعار المعلنة وقت الطرح.
يعود التأخر في الرد على طلبات المتقدمين إلى محدودية أعداد الوحدات المطروحة في مشروع سكن لكل المصريين، الذي أُطلق في 2014، بهدف توفير مليون وحدة تسد ضعف المطروح من الشقق المناسبة لمحدودي الدخل.
ويعكس ضَعف أعداد الوحدات المتاحة، في مقابل الطلب، مع الارتفاعات المستمرة في السعر، عدم توجيه "الإسكان" للموارد المالية الكافية لسد احتياجات الملايين من المصريين لإسكان يناسب ظروفهم المعيشية.
كيف بدأ مشروع المليون وحدة
بدأت وزارة الإسكان الإعلان عن مشروع المليون وحدة من الإسكان الاجتماعي بعد أيام قليلة من اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كأحد السياسات الشعبوية لنظام مبارك، قبل أن يستسلم الرئيس الأسبق لضغوط الجماهير، ويتنحى تمامًا في فبراير/شباط من نفس العام.
ومع فتح الباب للتقديم في المشروع، في مايو/أيار 2011، وصل عدد المتقدمين وقتها إلي أكثر من 5 ملايين مواطن، لكن المشروع تعطل تنفيذه بسبب عدم استقرار الأحوال السياسية خلال سنوات الاضطراب التالية للثورة.
وبدأ التنفيذ الفعلي للمشروع في منتصف 2014 تقريبًا، ولاحقًا تم تغيير اسم المشروع إلى "سكن لكل المصريين"، ما يوحي بتطلع الدولة آنذاك لتوسيع نطاق المشروع ليشمل كل المحتاجين للإسكان الاجتماعي.
وخلال ما يقرب من عشرة أعوام، أصدرت وزارة الإسكان، المسؤولة عن المشروع، 14 إعلانًا عن فتح باب التقديم لحجز هذه الوحدات الموجهة لمحدودي الدخل، التي تصل مساحاتها بين 75 و90 مترًا.
مع توسيع نطاق المشروع ليشمل أيضًا 3 إعلانات للوحدات الموجهة لفئات دخل شديدة الانخفاض، وأربعة إعلانات لإسكان فوق متوسطي الدخل، حيث يتجاوز سعر العقار نصف مليون جنيه.
لكن عدد ما تم تنفيذه في المشروع الأساسي، إسكان محدودي الدخل، لم يصل إلى "المليون" حتى الآن، وإنما اقتصر على نحو 840 ألف وحدة، كما لم تحدد الدولة سقف زمني لإتمام "المليون" التي تتطلع إليها العديد من الأسر محدودة الدخل منذ أيام الثورة.
ومع محدودية عدد الوحدات المطروحة في كل إعلان، قياسًا للطلب عليها، كانت "الإسكان" تضطر لرفض نسبة من الطلبات المقدمة، وفي بعض الأحيان تطرح أمام هؤلاء المرفوضين خيار التحويل لإعلان جديد، وما يعني إحالة بعض المتقدمين للحصول على مساكن في مدن غير التي تقدموا من أجلها، وبسعر أعلى.
وبينما لم يتم بعد الإعلان عن أعداد المقبولين في الإعلان الأخير، الرابع عشر، لكن الرئيسة التنفيذية لصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري مي عبد الحميد، قالت في تصريحات مؤخرًا إن تكلفة الوحدات الجاري تنفيذها وصلت إلى نحو 370 ألف جنيه، ما يرجح زيادة السعر النهائي لهذه الوحدات.
الإعلان | تاريخه | هل هناك حلول بديلة للمرفوضين؟ | هل تمت زيادة السعر مع التحويل لمرحلة جديدة؟ | |
1 | 2014 | لا | ||
2 | 2015 | لا | ||
3 | 2015 | لا | ||
4 | 2015 | لا | ||
5 | 2015 | نعم، التحويل لمراحل جديدة في بدر ومايو والشروق بسعر أعلى | تم زيادة السعر للمحولين من 135 ألفًا إلى 154 ألفًا | |
6 | 2015 | لا | ||
7 | 2015 | نعم، التحويل لمراحل جديدة في مدينة 6 أكتوبر بسعر أعلى | نعم، تم زيادة السعر من 135 ألفًا إلى 154 ألفًا | |
8 | 2016 | نعم، التحويل لمراحل جديدة في مدينة 6 أكتوبر | لا | |
9 | 2017 | نعم، التحويل لمراحل جديدة في نفس المدينة (6 أكتوبر) | تم زيادة السعر من 184 ألفًا إلى 225 ألفًا | |
10 | 2018 | نعم، التحويل لمرحلة جديدة في أكتوبر الجديدة أو لحدائق أكتوبر في إعلان لاحق | تم زيادة السعر من 225 ألف إلى 341 ألف للمحولين لحدائق أكتوبر | |
11 | 2019 | لا | لا | |
12 | 2019 | لا | لا | |
13 | 2020 | لا | لا | |
14 | 2021 | لم يتم الإعلان بعد | لم يتم الإعلان بعد |
ويزيد الطلب بقوة على الوحدات المطروحة في القاهرة والجيزة والقليوبية، بينما قامت الوزارة بتنفيذ عدد كبير من الوحدات بالصعيد في بداية طرح المشروع، ولكن أغلب هذه الوحدات لم يتم بيعها، لذا قامت الوزارة عدة مرات بطرح إعلانات مخفضة السعر للتسليم الفوري بمدن الصعيد المختلفة.
الأسعار خارج سيطرة الوزارة
"تكلفة بناء وحدات الإسكان الاجتماعي ارتفعت خلال الفترة الأخيرة لمستويات قياسية غير مسبوقة، لذا أصبح من الصعب تثبيت السعر لمن يتم تحويلهم لمراحل جديدة"، بحسب ما قاله مصدر بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مطلع على ملف المشروع.
ويشير المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أنه خلال أوقات استقرار أسعار مواد البناء كانت وزارة الإسكان تُثبِّت أسعار الوحدات لفترات طويلة، لكن مع تكرار موجات التعويم منذ 2016 تسارعت معدلات التضخم في تكاليف البناء، ومعها أصبح من الصعب تثبيت السعر.
ويشير مصدر ثانٍ، يعمل في قطاع تطوير المدن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إلى التكلفة الكبيرة للدعم الذي تقدمه وزارة الاسكان على كل وحدة في الوقت الراهن، وعدم قدرتها على تحمل دعم أكبر من أجل تثبيت السعر "الوحدة تتكلف نحو 600 ألف جنيه للتنفيذ شاملة المرافق واللاندسكيب، وبيعت بأقل من 400 ألف، هذا بجانب سداد رسوم فارق التكلفة للمقاولين المنفذين للمشروع".
ويضيف المصدر الثاني أن "وزارة المالية تتحمل دعمًا إضافيًا يتمثل في فارق سعر الفائدة، إذ أن سعر الفائدة البنكية على التمويل العقاري يقترب حاليًا من 20%، بينما يُمنح تمويل عقاري لشقق محدودي الدخل بفائدة لا تتجاوز 7%".
وبدأ في 2014 تنفيذ مبادرة، مستمرة حتى الوقت الراهن، لتوفير تمويل عقاري لوحدات محدودي الدخل بفائدة مخفضة 7% متناقصة.
ويضيف المصدر الثاني "حتى الآن لم نسدد فروق أسعار للمقاولين عن العام المالي الجاري، رغم تلقينا طلبات كثيرة مع ارتفاع أسعار خامات مثل الحديد والأسمنت بنسب تقترب من 100%".
وحدات قليلة في مواجهة الطلب
ويعد عدد الوحدات المطروح في مشروع سكن لكل المصريين ضخمًا، قياسًا بالمشروع السابق عليه، المشروع القومي للإسكان، والذي كان يستهدف نصف مليون وحدة فقط.
لكن المليون وحدة الجديدة تبدو محدودة في مواجهة الطلب القوي من الفئات محدودة الدخل على الإسكان منخفض التكلفة، في سوق تتوجه في الاستثمارات بقوة نحو الإسكان الفاخر.
وبحسب الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لـ The Board Consulting للبحوث العقارية، أحمد زكي، لـ المنصة فإنه في الوقت الذي يصل فيه إجمالي الطلب على الوحدات السكنية في مصر لنحو مليون وحدة سنويًا، يقتصر الطلب على الوحدات المتوسطة والفاخرة على 7-10% من الطلب الإجمالي، والباقين يبحثون عن وحدات منخفضة التكلفة.
"كل المطورين، بالإضافة للدولة، يتنافسون على هذه الشريحة المحدودة، بينما الأقل دخلًا يعتمدون على ما تنفذه الدولة للإسكان الاجتماعي، أو عن طريق البناء بشكل منفرد أو يتجهون للإيجار" كما يضيف زكي.
واتجهت الدولة مؤخرًا للتنافس مع القطاع الخاص في بناء وتسويق العقارات الفاخرة من خلال شركة حديثة التأسيس، هي سيتي إيدج، وبحسب بيانات وزارة المالية فقد استطاعت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أن تحقق فائضًا يتراوح بين 4.7 - 5.1 مليار جنيه، خلال الفترة بين 2019/2022.
ويشير الشريك المؤسس لمرصد العمران، يحيى شوكت، إلى مساهمة التضخم في إحداث قفزات كبيرة في أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي، مع وصول سعر الوحدة لـ 341 ألف جنيه قبل إضافة وديعة الصيانة وقبل الفوائد البنكية "وهو ما يقترب من 3 أضعاف سعر الوحدة في أول 7 إعلانات للوزارة تقريبًا".
متى تنتهي المليون شقة؟
وبينما يتوقع المصدر الثاني بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، استكمال تنفيذ المليون وحدة المستهدفة من بداية المشروع خلال العام المالي الجاري، تقول مي عبد الحميد رئيسة صندوق الإسكان الاجتماعي، إن المشروع لن يقف عند هذا الحد.
وبحسب تصريحات سابقة لعبد الحميد، سيتم عمل دراسة للطلب على الوحدات لتحديد الهدف المرحلي الجديد للمشروع المستمر، لسد الفجوة الكبيرة في إسكان محدود الدخل.
لكن عبد الحميد سبق وأعلنت في 2018 عن دراسة تفصيلية لتحديد حجم الطلب الحقيقي على الإسكان الاجتماعي، ولم يتم الإعلان عن أي نتائج حول هذا الأمر رغم مضي 5 سنوات.
كما أن التضخم المتفاقم لأسعار مواد البناء يفتح الباب لزيادات مستمرة في أسعار الوحدات بحيث تصبح غير ملائمة للفئات محدودة الدخل.
وكان مجلس الوزراء رفع الحد الأقصى لسعر الوحدات السكنية ليصل السعر المسموح به إلي 450 ألف جنيه، "مع إضافة قيمة وديعة الصيانة يقترب السعر من نصف مليون جنيها قبل إضافة الفائدة" بينما يعتبر البنك المركزي أن محدود الدخل هو صاحب راتب أقل من 6 آلاف جنيها شهريًا، يسدد ما يتراوح بين 25% إلى 40% من دخله شهريًا كحد أقصي لقسط الوحدة السكنية، ما يعني أن سداده أقساط شقة بنصف مليون جنيه يتطلب فترة تقترب من 20 سنة قبل الفوائد.
خرافة تصدير العقار
8-10-2023
التضخم يحول حلم مطوري العاصمة الجديدة إلى كابوس
6-9-2023
دُويلات التطوير العقاري التي تحكم إيجبت
1-12-2024
فتح تراخيص البناء.. الدولة تعول على "الأهالي" لاستعادة زخم القطاع العقاري
20-11-2024
أساطير التضخم| الركود العقاري الذي لا نراه
3-11-2024
يدٌ تجرح المدينة| الدولة مقاولًا وسمسارًا وشركة عقارات
13-7-2024