الانتصارات الكبيرة تصرف النظر أحيانًا عن الثغرات والعيوب. ويبدو انتصار المنتخب المصري على توجو أمس الثلاثاء بنتيجة (3-0) واحدًا من هذا النوع.
فبين الاحتفاء بقدرة المنتخب على تسجيل عدد وافر من الأهداف في مباراة واحدة، وهو أمر لم نعتده في حقبة الأرجنتيني هيكتور كوبر. وبين الإشادة ببعض الأسماء الجديدة التي افتتحت سجلها الدولي أمام توجو، ظلّت نقاط ضعف الفراعنة كما هي دون علاج وإن اختفت أو توارت قليلاً، ليس فقط بسبب الأهداف الثلاثة ولكن أيضًا بسبب ضعف المنافس.
بدايةً، يمكن تقسيم ثغرات الفراعنة إلى قسمين؛ الأول ثغرات في التشكيل الأساسي، والثاني يرتبط بعدم توافر البديل الجيد.
دفاع وهجوم
في كأس الأمم الإفريقية الأخيرة، التي وصل الفراعنة لمحطتها الاخيرة قبل الهزيمة أمام الكاميرون (2-1). ظهر منذُ المباراة الأولى أن محمد عبد الشافي الظهير الأيسر فقد جزءًا كبيرًا من مستواه الذي عهدناه حين كان لاعبًا في الزمالك قبل بدء تجربته الاحترافية مع الأهلي السعودي. كما أن المُدرب الأرجنتيني يُقيد الظهير بتعليمات دفاعية ويحرمه من الانطلاقات التي يجيدها.
حين أصيب عبد الشافي في البطولة لجأ كوبر للبديل كريم حافظ ولكن مردوده الدفاعي كان سيئًا؛ ما أجبره على الدفع بأحمد فتحي في هذا المركز بعد أن بدأ البطولة على الجبهة اليمنى.
أمام توجو، جدّد كوبر ثقته في حافظ (21 عامًا). ومرة اخرى ظهر لاعب لانس الفرنسي بمستوى متذبذب دفاعيًا. فقد اللاعب الشاب الكرة بسهولة في أكثر من موقف. بدت مراوغته سهلة للاعبي المنافس. وبدت تعليمات كوبر بالانضمام لقلبي الدفاع لتأمينهما حين تكون الكرة في الطرف المُقابل (الأيمن) صعبة على كريم.
ويُقدم حافظ أداءً جيدًا مع فريق لانس متصدر دوري الدرجة الثانية بفرنسا. ونجح مؤخرًا في صناعة هدفين في مباراة فريقه أمام ريد ستار بالجولة الـ23 من الدوري مطلع مارس/آذار الجاري لكنّه مع المنتخب الأول، ومع اختلاف طريقة اللعب، يظهر بوجه مغاير تمامًا.
المركز الثاني، الذي يعاني التشكيل الأساسي من نقصٍ في لاعبيه الأكفّاء هو المهاجم. فبينما يعتمد كوبر على خطة لعب "4-2-3-1" يظل اللاعب المتواجد على قمة هذا الرسم التكتيكي ثغرة واضحة.
بعد إصابة مروان محسن بقطع في الرباط الصليبي، وإصابة أحمد حسن "كوكا". ومع خروج باسم مرسي مهاجم الزمالك من حسابات المدرب الأرجنتيني لأسباب " غير فنية يعلمها اللاعب" على حد قول المدرب تضاعفت الأزمة.
اعتمد كوبر أمس على محمود عبد المنعم "كهربا". ورغم تسجيله الهدف الأول إلا أن كهربا، الذي يُفضّل اللعب على طرفي الملعب أو خلف المهاجم كان أكثر من فقد الكرة أمام توجو. وتعتمد خطة كوبر بالأساس على تحركات المهاجم بين قلبي الدفاع وقدرته على الاحتفاظ بالكرة بين قدميه كـ"محطة" لباقي زملائه.
كما أن الدقائق القليلة التي شارك فيها عمرو جمال لاعب الأهلي، الذي يحاول استعادة المستوى الذي كان عليه قبل إصابته بقطاع في الرباط الصليبي، لا تساعدنا على الحكم على مستواه. وهل بات قادرًا على حجز مركز المهاجم الأول في قائمة المنتخب أم لا؟
أمّا عرفة السيد مهاجم وادي دجلة، الذي سجّل 5 أهداف في الدوري الموسم الحالي، فلم يمنحه كوبر الفرصة من الأساس.
إذًا لم تقدم هذه المباراة علاجًا لثغرتي التشكيل الأساسي. وبقي حالهما على ما هو عليه.
نقاط إيجابية
على الجانب الآخر، جاءت إيجابيات مباراة توجو لتصب كلها في خانة "البديل الجيد" أو النوع الثاني من الثغرات التي يعاني منها المنتخب.
فعلى سبيل المثال، قدم سام مرسي لاعب ويجان أتليتك الإنجليزي أداءً جيدًا، ونال إشادة كبيرة من الجهاز الفني للمنتخب لكنّه يبقى الخيار الثاني في مركز لاعب الوسط المدافع بعد طارق حامد الذي كان من الركائز الأساسية للمنتخب في كأس الأمم ومباريات التصفيات.
وجود سام سيمنح كوبر قدرًا من الطمأنينة في حال إصابة طارق حامد أو إيقافه ولن يكون مضطرًا للدفع بإبراهيم صلاح البعيد عن مستواه، أو توظيف أحمد فتحي في منتصف الملعب.
أحمدُ الشيخ، الذي شارك أمس في أول مباراة دولية وسجّل هدفًا وقدم أداءً مميزًا، يبدو أيضًا من الأسماء الوافدة على هذه الخانة. خانة البديل الجيد.
اعتمد عليه كوبر في مركز صانع الألعاب من عُمق الملعب. وهو المركز الذي حجزه عبدالله السعيد في صفوف المنتخب في السنوات الاخيرة بعد اعتزال أسطورة الأهلي محمد أبو تريكه.
السعيد، لم يكن له بديل في منافسات كأس الأمم الإفريقية. وفي حال استمرار الشيخ مع المنتخب في الفترة المُقبلة، كما يأمل اللاعب نفسه، فقد يكون بديلاً جيدًا للاعب الأهلي المُخضرم. أمّا أمير عادل لاعب فيبورج الدنماركي الذي يشارك في المركز نفسه "فما زال الوقت مبكرًا للحكم عليه" كما قال أسامة نبيه المدرب العام للمنتخب.
وكذلك عمرو طارق لاعب إنبي، الذي فضّل كوبر الاعتماد عليه في مركز قلب الدفاع بدلاً من الظهير الأيسر وأشاد بمستواه خلال الدقاق التي خاضها أمس، فهو وسعد الدين سمير يتم تجهيزهما كبديلين في حال غياب أحد ركيزتي دفاع الفراعنة أحمد حجازي وعلي جبر.
القناعات الراسخة
هناك تصور قد يطرحه البعض، حول إمكانية اعتبار مباراة توجو فرصة لهذه الوجوه الجديدة لاقتحام التشكيل الأساسي للمنتخب في المرحلة المقبلة من التصفيات، وهذا التصور رغم منطقيته يبدو غير واقعي بالنظر لتجربة كوبر التي انطلقت مع الفراعنة قبل عامين.
والسبب في ذلك أن المدرب الأرجنتيني يمتلك قناعات راسخة. دفعته لإشراك محمود حسن "تريزيجيه" أساسيًا في مباريات شديدة الأهمية بالتصفيات رغم أنه كان مُجمّدا على مقاعد البدلاء في أندرلخت. وكان رمضان صبحي لاعب الأهلي الذي يظهر بمستوى مميز، يجلس على مقاعد البدلاء لحساب تريزيجيه.
وهي أيضًا التي دفعته للعب كل مباريات المنتخب في كأس الأمم بمهاجم صريح حتى بعد إصابة مروان محسن وكوكا. رافضًا فكرة اللعب دون مهاجم وتدوير المركز بين لاعبي الخط الأمامي. وجعلته يكتفي بمباراة ودية واحدة قبل انطلاق منافسات كأس الأمم الإفريقية بدلاً من خوض العديد من المباريات.
هذه القناعات الراسخة والاختيارات المحسومة تجعل كل هذه الإيجابيات دعمًا لمقاعد البدلاء. بينما يظل القوام الأساسي يعاني من أزمات وثغرات لم يصل الأرجنتيني لحلول ناجحة لها حتى الآن.