ربما من الصعب أن تُقابل شخصًا يجهل اسم نجيب محفوظ، لكنك بالتأكيد ستلتقي آخرين كثيرين لا يعرفون أين يقع المتحف الذي يحمل اسم أديب نوبل، حتى وإن كانوا من رواد المقاهي المجاورة له، أو من سكان منطقة الغورية والمترددين عليها.
يجهل كثير من السائرين يوميًا إلى جوار ذلك المبنى الخاضع لبعض الأعمال الترميمية، أنه يحتوي على العديد من كنوز محفوظ، أو أنه يحتضن هذه الأيام معرضًا "فى حب نجيب محفوظ"، اُفتتح الأحد الماضي، ويشارك فيه فنانو كاريكاتير من مختلف دول العالم احتفاءً بذكرى رحيله السابعة عشر.
في المعرض الذي تنظمه الجمعية المصرية للكاريكاتير، ويستمر حتى 4 سبتمبر/أيلول المقبل، ثمة ممر مُزين بلوحات يصل عددها إلى 47 لوحة متنوعة التفاصيل والأفكار، أنجزها 45 رسامًا من 17 دولة، تضع صاحب الثلاثية بطلًا لحكايات مختلفة، تبرزه تارة مصارعًا يرتدي علم مصر ويحمل أوزانًا محفور عليها صورته، أو بين أبطال فيلمه بين السما والأرض، يتابع ما حدث لهم من مواقف حين تعطل بهم المصعد الكهربائي، بينما فضل رسام صيني، أن يجسد شخصية الأديب على هيئة كتاب، وآخر جعله حمامة سلام تُحلق بخفة وحرية.
رغم تنوع اللوحات، تشابه بعضها في التركيز على تجسيد شخصية نجيب داخل مقاهي المنطقة التي تربى فيها؛ بالدرب الأحمر والغورية والحسين وأماكنه المفضلة الأخرى، فيظهر واقفًا تارة أو جالسًا في أخرى، في وضعيات كلها "مثيرة للإعجاب"، حسب سفير نيبال بالقاهرة سوشيل كومار لامسال، الذي حضر على كرسي متحرك، ليشهد افتتاح معرض كاتبه المفضل.
ويقول للمنصة "قرأت لنجيب محفوظ العديد من رواياته، ولكن أحبهم إلي (حضرة المحترم)، التي تروي قصة عثمان بيومي، ولذلك، كان من دواعي سروري المشاركة في المعرض المخصص لهذا الكاتب الكبير من مصر".
ويضيف "تشرفت بافتتاح المعرض. كما أنني كنت متحمسًا جدًا لرؤية أعمال الفنان النيبالي ريجندرا ماناندهار إلى جانب أعمال رسامي الكاريكاتير من جميع أنحاء العالم".
أوراق دورا الشمس
ذلك الزخم الذي يُمثله مشاركات فنانين من الصين وإسبانيا والمكسيك وروسيا وأوكرانيا وإندونيسيا وأستراليا والسعودية والإمارات والمغرب ولبنان، فضلًا عن مصر، أربك الرسامة شفق إبراهيم، التي تبلغ من العمر 22 سنة، كأصغر المشاركين، إذ لم تثق في أن تُقبل لوحتها التي "رسمتها في 3 ساعات" من الأساس، لا أن تتوسط الحائط بين باقي الأعمال المعلقة عليه، على قولها للمنصة.
تقدم للمشاركة في المعرض الذي يقام للعام الرابع على التوالي أكثر من 80 عملًا من مختلف الجنسيات، واُختير من بينهم 47 عملًا فقط، بما يتناسب مع المساحة المخصصة له، وفقًا لرسام الكاريكاتير فوزي مرسي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير، الذي أكد للمنصة أن المعرض يُحاول تقديم شيئًا جديدًا في كل سنة، وأصبح يشجع الجيل الصغير من الفنانين الشباب على المشاركة، "فيه 4 رسامين من الشباب متواجدين والصين مكتسحة المشاركات رغم صعوبة اللغة والبعد المكاني".
في لوحتها رسمت شفق صاحب "المرايا"، بينما يخرج من وراء كتفه زهور تشبه عباد الشمس، لكنها على هيئة شامة وجهه الشهيرة، مستخدمة الألوان الساخنة لتعبر عن فكرتها وإبراز جزء من شخصية الكاتب.
وعلى خلاف صاحبة عباد الشمس، لم تكن كل الرسومات حديثة، حيث اختار تامر يوسف، رسام الكاريكاتير بجريدة الأهرام ونائب رئيس الاتحاد الدولي لرسامي الكاريكاتير، صورة للأديب رسمها في بداياته، منذ ربع قرن، لكنه احتفظ بها كل ذلك الزمن، ربما حتى جاء موعدها للظهور "حبيت أحتفي بصاحب المقام الرفيع عمنا نجيب بطريقة مختلفة"، يقول للمنصة.
يسترجع يوسف ذكريات اللقاء الأول مع مؤلف "فتوة العطوف" حين كان طالبًا بالمدرسة، فعرف أن أستاذه النحات العالمي سعد متري، ذاهب إليه كي يُسلمه التمثال الخاص به لوضعه دخل قاعة الأدباء والمفكرين بالأهرام، ومنذ ذلك الوقت وقع في غرام الكاتب الكبير وبدأ يرسمه في مناسبات مختلفة، "رسمت لنجيب محفوظ حوالي 37 بورتريه واخترت الأقرب لقلبي"، يقول يوسف. تلك اللوحة بالأساس كانت مصممة لمقال صحفي، لكنها لم تنشر فاحتفظ بها ضمن أرشيفه.
خيوط كثيفة، اختارتها أمل سمير، لتُشكل من خلالها لوحتها، التي تظهر صاحب "السكرية" مبتسًما بينما يجلس في مكانه المفضل بالجمالية "حبيت أرسمله صورة وهو قاعد هنا في الدكة نفس منطقة المتحف لأنه عاش فيها وتأثر بيها". تقول للمنصة.
أما غادة مصطفى، الرسامة وباحثة الدكتوراه، فشاركت بلوحتين، لكن الأقرب إليها كانت لوحة عن فيلم بين السما والأرض، جمعته بهند رستم وعبد المنعم إبراهيم وعبد السلام النابلسي، بينما يتأمل ما يواجهونه من مشكلات "اللوحة تدور حول أحداث الفيلم ورسم الكاتب الكبير في منتصفها كأن العمل يدور في خياله ويشاهده من حوله"، تقول غادة للمنصة.
تنتظر غادة إقامة المعرض كل عام لتشارك بعمل مختلف لأديب نوبل، ولكنها تفضل دائمًا تجسيد أحد أعماله التي تركت أثرًا، ومنها "السكرية" و"بين القصرين" و"زقاق المدق" و"قصر الشوق" وغيرها، "مهتمة بأعماله الأدبية وما تحول منها لأفلام سينمائية وأثرت في الجمهور وقررت أوثقها في لوحة" تقول غادة.
ويبدو أن حسن فاروق يملك الشغف نفسه ولكن إلى أعماله المطبوعة فقط، حيث قرر تجسيد رواية أولاد حارتنا في لوحة فنية، باعتبارها من أكثر أعمال صاحبها إثارة للجدل الذي دفع أحد الإرهابين إلى محاولة اغتياله، "نجيب تربع بهذه القصة على عرش الأدب العربي وحصل بعدها على نوبل"، يقول فاروق للمنصة.
مشيرًا إلى أنه شارك في العام الماضي بلوحة من القاهرة الإسلامية نظرًا لأن نجيب من سكان الجمالية والدرب الأحمر، وجسد أشهر معالمهما.
ماذا يجري في التكية؟
ورغم ذلك الاحتفاء من المشاركين والمنظمين باللوحات المعروضة وما تمثله من قيمة فنية، وكذلك ما يضمه المتحف ككل من مقتنيات نادرة لنجيب محفوظ، فإن المكان نفسه لا يحظى بالدعاية الكافية التي تجذب أبناء المنطقة نفسها، التي كانت مسرحًا لأغلب أعماله قبل الجمهور المتخصص.
ويفسر ذلك الدكتور وليد قانوش، القائم بتسيير أعمال صندوق التنمية الثقافية، للمنصة "موقع المتحف إجباري ولم يكن هذا الموقع المقترح في البداية ولكن تم الاستقرار عليه، ونعلم أن المكان يحتاج لبعض الدعاية واللافتات الإرشادية لتيسير دخول الزوار".
في عام 2006 أصدر فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، قرارًا وزاريًا حمل رقم 804 لسنة 2006، بتخصيص تكية محمد أبو الدهب بجامع محمد أبو الدهب بالأزهر بمحافظة القاهرة، ليكون مركزًا ومتحفًا للأديب الكبير نجيب محفوظ، لكن اعتراض وزارة الآثار على بعض الأعمال التي تخص التجهيز المتحفي باعتبارها لا تجوز في مبنى أثري يعود تاريخه إلى عام 1187هـ، أدى لتعطل تأسيسه، ما أجل تنفيذ المشروع نحو 13 سنة.
وتقع التكية ومسجد أبو الدهب بالقرب من مسجد الحسين وسط القاهرة الإسلامية، وتحديدًا أمام الباب الرئيسي لجامع الأزهر، ووقع الاختيار عليها منذ البداية لأنها تقع بالقرب من المنزل الذي ولد به محفوظ بحي الجمالية، وكونها تتوسط عالم القاهرة التاريخية الذي استوحى منه محفوظ أغلب رواياته. من ناحية أخرى تُعد التكية أهم مجموعة أثرية تجسد روعة العصر الإسلامي بعد مجموعة الغوري، وتتميز بتكاملها ما بين جامع وتكية، حتى أصبحت من أهم التكايا في ذلك العصر، وهي كذلك أول مدينة جامعية حيث شيدت لتساعد طلاب الجامع الأزهر، ولاستكمال رسالته التعليمية.
ويؤكد القائم بأعمال صندوق التنمية الثقافية، أن ثمة تحديثات ستتم الفترة المقبلة لحل معضلة الترويج "الفترة المقبلة ستشهد تعديل مجلس أمناء المتحف وإعادة طرح استراتيجية العمل والأنشطة داخل المكان، وسيتم مناقشة المقترحات المقدمة في أول اجتماع"، موضحًا أن المتحف سيضم أنشطة تستهدف جذب الجمهور وتقديم ورش للسرد والأدب وكتابة الرواية والسيناريو، وعمل دعاية للتعريف بالمكان.
تحتفظ الصور بالحياة داخلها، ورغم أن المتحف يعج بالصور التي ضمها معرض الكاريكاتير، فإن 13 عامًا من التجهيز والقرارات المتضاربة حول إنشائه، لم تضع صاحبه في المكانة التي يستحقها منجزه، ربما الفن الذي قدمه هؤلاء الرسامون يفعل، ولكن على القائمين على إدارة متحف الأديب العربي، الوحيد الذي حاز نوبل، بذل المزيد من المجهود.