اتفقت الدول الأعضاء في تجمع بريكس على توسيع عضوية التجمع ليشمل ست دول من بينها مصر (بجانب المملكة العربية السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين)، وهو التوسّع الأول من نوعه للتجمع.
جذب الأمر الكثير من الانتباه حول العالم، وداخل مصر بالطبع، فما هي دلالة هذا التوسع ليس فقط بالنسبة لمصر، ثاني أصغر الاقتصادات التي تم دعوتها للانضمام للتجمع، بل للتجمع ككل؟
في أعقاب الانهيار المالي العالمي في 2008، انشأت الصين والهند وروسيا والبرازيل تجمعًا اقتصاديًا في 2009 بعد عدة سنوات من مفاوضات بدأت في 2006. حمل التجمع حينها اسم BRIC في إشارة للحروف الأولى من اسم كل دولة، وفي 2010 انضمت إليه جنوب إفريقيا ليصبح BRICS.
يوحي الاسم المختصر حسب نطقه، وليس كتابته، بمعنى لبنات أو قوالب طوب. وكان الهدف المعلن للتجمع هو الشروع في وضع اللبنات الأولى لنظام اقتصادي بديل.
تجمع غير رسمي
كان البريكس، ولا يزال، تجمعًا اقتصاديًا غير رسمي، بمعنى إنه أقرب إلى منتدى دبلوماسي بين حكومات الدول الخمس، ويكاد يكون أهم تعبير مؤسسي عنه هو الاجتماعات السنوية الدورية. لذا فإن البريكس لا يقوم على اتفاقات أو معاهدات دولية، كالتي تُميز التكتلات التجارية ومناطق التجارة الحرة أو الاتحادات الجمركية أو الأسواق الموحدة، مثل الاتحاد الأوروبي أو منطقة الميركوسور في جنوب أمريكا اللاتينية، أو مناطق العملة المشتركة، كمنطقة اليورو.
ما يزال البنك والصندوق الدوليين يتصدران بمسافة كبيرة لتمويل الدول منخفضة ومتوسطة الدخل
كما ينعكس هذا الطابع غير الرسمي بدوره على قدر التعقد المؤسسي، أي حجم وصلاحيات وقدرات المؤسسات التي تخدم مثل هذه التجمعات، والتي نلاحظ أنها محدودة للغاية في حالة بريكس، ولا يتعدى نشاطها الدوري عقد اجتماعات رئاسية سنوية.
في هذا السياق، فإن السيادة الوطنية للدول الأعضاء هي الغالبة على هذا التجمع، ما يُقلل بداهةً من مساحات التنسيق داخل التجمع باعتباره تكتلًا، لأن التعاون والتنسيق يصبح رهنًا بإرادة كل دولة في كل ملف، بدلًا من أن يكون خاضعًا لقواعد موضوعة ومؤسسات مشتركة قائمة على إدارة شؤون التكتل.
صحيح أن بريكس أنتج بعض الأشكال المؤسسية، خاصة بنك التنمية الجديد/The New Development Bank (NDB) وترتيب احتياطي الطوارئ/Contingent Reserve Arrangement (CRA)، واللذان ظهرا إلى الوجود في 2014 و2015 على أمل أن يعملا كبديلين مستقبليين لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على الترتيب، إلا أن المؤسستين لم تلعبا الدور المرجو بعد على الساحة العالمية.
من ناحية، ما يزال البنك والصندوق الدوليين يتصدران بمسافة كبيرة في تسوية قضايا التمويل الدولي للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وفي المقابل كان صعود التمويل الصيني بأشكاله المختلفة كبديل لهما، ولكن ليس في إطار مؤسسات البريكس المشار إليها، كما أن نمو مؤسسة كبنك التنمية الجديد منذ 2015 لم يكن بالسرعة المرجوة، إذ بلغ إجمالي المبالغ التي تمت الموافقة على إقراضها 32.8 مليار دولار منذ بدء نشاط البنك بين 2016 و2023، مقارنة على سبيل المثال بـ498 مليار دولار جرى إقراضها من بنك التنمية الصيني وبنك تنمية الصادرات والواردات الصيني بين 2008 و2021.
تنبهنا النقطة السابقة إلى محددات القدرة على التنسيق والتعاون بين دول بريكس الخمسة الأصلية، والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة عوامل.
مخاوف الهيمنة الصينية
أولها التفاوت الكبير في الوزن الاقتصادي بين الصين من جانب، وبقية الأعضاء من جانب آخر، فعلى سبيل المثال بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني في 2023 نحو 8.3 تريليون دولار، وهو أكثر من ضعف الاقتصاد الهندي (3.6 تريليون) رغم تقارب عدد السكان في البلدين. وعلى ذات الشاكلة، فإن الصادرات الصينية في 2022 كانت 3.7 تريليون دولار أي نحو أكثر من خمس أضعاف صادرات الهند الإجمالية في نفس الفترة.
لا تقتصر الفوارق على حجم الاقتصاد، بل تمتد إلى التفوق الصيني الكاسح فيما يتعلق بنوعية ما يتم إنتاجه وتصديره، بفضل التوسع الصناعي الصيني خلال العقود الأخيرة واندماج المنتجين الصينيين في سلاسل الإنتاج العالمية، في حين بقيت الهند والبرازيل تعتمدان على تصدير، أو إعادة تصدير، مواد أولية أو منتجات ذات قيمة مضافة منخفضة، واعتمدت روسيا وجنوب إفريقيا على تصدير المواد الخام.
أما ثاني العوامل التي تحد من فرص التنسيق في إطار بريكس هو وجود اختلافات جيوسياسية بين الدول الأعضاء تصل إلى درجة التنافر في بعض الأحيان. فخلافًا لبناء الدول الغربية لدعائم النظام الاقتصادي العالمي القائم بعد الحرب العالمية مع هيمنة الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا، فإن الصين لا تحظى بنفس القدر من الهيمنة رغم تفوقها الاقتصادي الكبير على غيرها من الأعضاء.
فعلى أقل تقدير، لجنوب إفريقيا والبرازيل مصالح مع الدول الغربية، سواء الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، بشكل يختلف كثيرًا عن الصين، وبالطبع عن روسيا في خضم حربها في أوكرانيا.
هذا بينما تحكم الهند حسابات معقدة يأتي على رأسها الخصومة التاريخية بينها وبين الصين، والتي تُرجمت إلى حرب شاملة في 1962، ثم توتر حدودي شبه دائم بين البلدين. وخلق ذلك السياق علاقات ستراتيجية بين الصين وباكستان في مواجهة الهند. كما وضع البرنامجان النوويان للعملاقين في مواجهة بعضهما البعض.
في غياب أطر تنسيق سياسي ومؤسسي واضحة، يصعب فهم أثر توسيع عضوية البريكس
وتثور اليوم العديد من الأسئلة حول مستقبل وضع الهند في مواجهة الصين، في إطار ترتيبات أمنية وعسكرية أمريكية تهدف لاحتواء الأخيرة، واقتصادية غربية لتحل نيودلهي محل بكين في تلقي الاستثمارات الغربية وكشريك تجاري مستقبلي. ولا شك أن كل هذا يقلل من مساحات التوافق حول تعديل أسس النظام الاقتصادي العالمي أو الاتفاق على قواعد بديلة تخدم المصالح بعيدة المدى للأعضاء.
أما ثالث العوامل، فهو أن البريكس كتجمع اقتصادي لا يعبر عن درجات تكامل كبيرة بين أعضائه في شق التجارة أو الاستثمار، ومرة أخرى تبزغ الصين كعنصر مشترك يربط الأعضاء الحاليين والأعضاء المستجدين، باعتبارها شريكًا تجاريًا ومستثمرًا رئيسيًا في العديد من تلك الدول.
ولكن يثير هذا مخاوف لدى الأعضاء الآخرين الذين يعانون بالفعل من تبعات وزن الصين الهائل، ومن احتمالية تحول بريكس في نهاية المطاف إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية الصينية في خضم مواجهة ستراتيجية متصاعدة مع الولايات المتحدة، وقد ظهر هذا بعض الشيء خلال القمة الأخيرة بالفعل مع ضم دول مثل إثيوبيا، رغم أنها سادس أو سابع أكبر اقتصاد إفريقي، لا لشيء إلا لأنها مهمة للحضور الصيني في إفريقيا، أو في دعوة إيران للانضمام، ناهيك عن الحضور الروسي.
يمكن القول إجمالًا إن البريكس كتجمع اقتصادي غير رسمي يحتاج أولًا إلى تعميق الأطر المؤسسية القائم عليها قبل أن يتجه للتوسيع بضم دول مختلفة للغاية في هياكلها الاقتصادية ومستويات دخولها (إثيوبيا بجانب مصر مع الأرجنتين مثلًا) وتوجهاتها الجيوسياسية (على سبيل المثال إيران بجانب السعودية والإمارات).
في ضوء غياب أطر تنسيقية واضحة على المستويين السياسي والمؤسسي، يصعب فهم الأثر الإيجابي الذي قد يتركه توسيع عضوية البريكس طبقًا لمقررات القمة الأخيرة في جوهانسبرج، على المهمة التاريخية للتجمع والمتمثلة في وضع أسس نظام اقتصادي عالمي بديل.