في أبريل/نيسان عام 2013 سأل أحد مستخدمي موقع كورا عن السبب وراء عدم تغطية وسائل الإعلام الغربية للصراع السوري، على الرغم من مرور سنتين على اندلاع الثورة في سوريا، وجاء في وصف السؤال، كانت هناك تغطية مكثفة لصراعات أخرى مثل الحرب في أفغانستان، والحرب في غزة، وحتى الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في بداية الثمانينيات نالت تغطية مكثفة من الإعلام الغربي.
وفي نفس الليلة التي وُضع فيها السؤال على الموقع، قرر أندرو سيمز الذي درس العلوم الاجتماعية بكلية داوسون الكندية أن يعطي إجابة قصيرة وبسيطة ومحددة، قال سيمز إن في كل هذه الصراعات كانت القوات الأمريكية أو أحد حلفائها المهمين طرفًا متورطًا في هذا الصراع، وإن تدخلت القوات الأمريكية على الأرض في سوريا، ستتابع وسائل الإعلام تطورات الأحداث يوميًا.
بعدها بشهور قليلة، وفي يوليو/تموز 2013 تحديدًا، نشرت وكالات الأنباء العالمية تصريحًا على لسان رئيس هيئة الأركان الأمريكية مارتن ديمبسي تحدث فيه عن احتمال تدخل القوات الأمريكية في الحرب في سوريا، وقبل أيام من تلويح الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بشن هجمات محدودة في سوريا، بدأت الأخبار والتقارير عن الوضع في سوريا في التدفق عبر وكالات الأنباء والصحف العالمية، ومع نهاية عام 2013 يدخل الصراع السوري للمرة الأولى منذ اندلاعه في قائمة جوجل السنوية لأكثر المواضيع بحثًا على مستوى العالم.
وبعيدًا عن وسائل الإعلام التقليدية التي اهتمت بتغطية مكثفة للحدث بعد مرور عامين من اندلاعه، تُظهِر نتائج محركات البحث اهتمام الرأي العام العالمي بالمسألة السورية منذ اندلاع الصراع في مارس/آذار 2011.
واختلفت طبيعة التعامل مع الأحداث في سوريا باختلاف دول العالم، وهو ما تكشف عنه محركات البحث، فهناك من يبحث عنها باعتبارها ثورة وهناك من يتعامل معها باعتبارها حربًا أهلية. وكذلك تختلف الموضوعات المتعلقة بهذه الكلمات التي بحث عنها الناس في العالم كله خلال السنوات الست الماضية.
ثورة عربيًا وحرب أهلية عالميًا
عند مقارنة نتائج البحث عن الثورة السورية والحرب السورية باللغة العربية، سنجد أن العرب يميلون أكثر لكونها ثورة منذ اندلاعها وحتى الوقت الراهن، بالرغم من هبوط مستوى الاهتمام العربي بعمليات البحث عن الثورة السورية منذ بدايات عام 2014.
لكن من ناحية أخرى، جاءت نتائج البحث باللغة الإنجليزية لتوضح كيف تغيرت نظرة العالم للصراع في سوريا، ففي البداية كانت "الثورة السورية Syrian revolution" هي الكلمة الشائعة في عمليات البحث على محرك البحث جوجل، قبل أن تحل محلها "الحرب الأهلية السورية Syrian civil war" ككلمة مفتاحية للبحث على جوجل.
وتختلف الكلمات المستخدمة لوصف الصراع السوري أثناء عمليات البحث من دولة لأخرى، فأكثر خمس دول تستخدم مصطلح الثورة تضم ثلاث دول عربية تضم لبنان والإمارات والسعودية.
بينما لا توجد دولة عربية واحدة في قائمة الدول الأكثر بحثًا عن الوضع في سوريا باستخدام مصطلح حرب أهلية.
سوريا.. الوضع على الأرض
بالطبع تحتل سوريا صدارة الدول العربية المهتمة بالبحث عن الوضع بداخل أراضيها. وتدل نتائج البيانات أن أكثر عمليات بحث تتم من داخل سوريا عن "الثورة السورية" تتم من دمشق وحمص وحلب.
وعند النظر إلى طلبات البحث المرتبطة بالثورة السورية، فإن أكثر طلبات البحث التي يجريها السوريون من داخل سوريا تتعلق بالبحث عن تنسيقيات الثورة وأخر المستجدات على الأرض.
وبعيدًا عن سوريا نجد أن دول الجوار السوري، لبنان والأردن وفلسطين، تحتل مراكز متقدمة في هذه القائمة بالإضافة إلى بعض الدول الخليجية كالكويت وقطر والإمارات والسعودية.
السعودية.. ثورة ثورة!
على الرغم من هذا الفرق الواضح بين مصطلحي الثورة والحرب الأهلية، تدل النتائج على أن استخدام مصطلح الحرب الأهلية يشيع حتى في الدول التي تتصدر قائمة استخدام مصطلح الثورة السورية، لكن تبقى السعودية على الخريطة التي تتمسك بمصطلح الثورة. ومن المعروف أن الحكومة السعودية في خلاف مع حكومة الرئيس بشار الأسد.
لكن بالتعمق أكثر في عمليات البحث المتعلقة بسوريا في السنوات الست الماضية التي تمت داخل المملكة العربية السعودية، سيبدو واضحًا أن الثورة تخسر مقابل الحرب في عمليات البحث باللغة الإنجليزية.
ولكن في العموم تتراجع عمليات البحث باللغة العربية عن سوريا في السعودية، حتى البحث عن كلمة سوريا نفسها بدون وصف للأوضاع.
لكن تظل الثورة السورية هي الكلمة الأكثر شيوعًا في عمليات البحث السعودية عن الوضع في سوريا بلا أي منافسة تذكر.
مصر.. أغاني الثورة
تحتل مصر المركز 12 في قائمة الدول التي تطلب "الثورة السورية" على محرك البحث جوجل، وتأتي معظم الطلبات من ثلاث محافظات فقط داخل جمهورية مصر العربية، وهي محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية.
ويبدو أن المصريين فقدوا اهتمامهم بالبحث عن أوضاع سوريا في آخر سنتين، بعد أن وصل اهتمام المصريين بالبحث عن سوريا إلى أعلى مستوى ممكن في مارس 2013.
وتعتبر أغاني الثورة السورية الطلب الأكثر انتشارًا من محرك بحث جوجل في مصر، وبخلاف الأغاني، يبحث المصريون عن أخبار وصور الثورة السورية.
على دين حكوماتهم
عادة ما تأخذ الشعوب مواقف حكوماتها من الأحداث في سوريا، هذا ما تكشف عنه طبيعة البحث على جوجل في الدول المشاركة في الصراع. ففي روسيا التي تعد أقوى الدول الداعمة لبشار الأسد ونظامه، وعند طلب بيانات البحث بـ Сирийская революция بالروسية والتي تعني "الثورة السورية"، لا نجد بيانات لقلة الطلب على هذه الكلمات في محركات البحث. ويمكن ملاحظة ذلك عند مقارنتها بكلمات أخرى مثل "Сирийская война" والتي تعني الحرب السورية، و "Гражданская война в Сирии" الحرب الأهلية السورية، والتي تفوق كلمتي "الثورة السورية" في الرواج.
أما عن ثاني أقوى حليف لنظام بشار الأسد، يفضل الإيرانيون البحث بـ "جنگ سوریه" أو الحرب السورية، وهذا ما يتضح عند مقارنتها مع "جنگ داخلی سوریه" أو الحرب الأهلية السورية و "انقلاب سوریه" والتي تعني الثورة السورية.
وعند النظر إلى بيانات جوجل في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمريكيين كانوا يفضلون البحث عن الأوضاع في سوريا باستخدام مصطلح "الثورة السورية"، منذ اندلاع الأحداث في سوريا وحتى يونيو/حزيران 2012، قبل أن تتزايد طلبات البحث عن سوريا باستخدام "الحرب السورية" و "الحرب الأهلية السورية".
ما الذي يبحث عنه الناس؟
عند النظر إلى طلبات البحث ذات الصلة، نكتشف ونتعرف على كيفية تفاعل الناس مع الوضع في سوريا، وكيف يختلف هذا التعامل بحسب الكلمات المستخدمة في عملية البحث.
على سبيل المثال، الطلبات المرتبطة وطلبات البحث ذات الصلة لـ "الثورة السورية" باللغة العربية تكشف لنا اهتمامات المستخدم العربي الذي يبحث أيضًا عن "الثورة السورية ضد"، وكأنه سؤال عن الطرف الأخر من الصراع، لكن بالنظر إلى ثاني موضوع ذات صلة في القائمة وهو "الثورة السورية ضد بشار" يمكن معرفة سلوك المستخدم العربي لمحرك البحث جوجل كمتمم للجملة.
لكن كما يبدو من طلبات البحث اهتمام المستخدم العربي بالجانب الإخباري، بالإضافة إلى الأغاني والأناشيد المرتبطة بالثورة السورية. كذلك يُجري المستخدمون الذين يبحثون عن "Syrian revolution" عمليات بحث تتعلق أكثر بالتغطية الإخبارية للصراع في سوريا ومدى اهتمامهم بمعرفة كل جديد يحدث على الأرض.
أما بالنسبة لـ "Syrian civil war" فإن طلبات البحث ذات الصلة توضح اهتمام المستخدمين بالجانب الإنساني وأوضاع اللاجئين السوريين، إلى جانب أسئلة عن الحرب في سوريا، وأسبابها، والاهتمام بخرائط توضح مناطق استحواذ كل طرف من الأطراف المشتبكة في الصراع في سوريا.