منشور
الثلاثاء 25 يوليو 2023
- آخر تحديث
الثلاثاء 25 يوليو 2023
تحمل المواطنون على مضض وبالصمت المعتاد، وفقًا لقناعة "محدش يقدر يفتح بقه"، إعلان الشركة القابضة للكهرباء في وقت سابق أنه سيتم توزيع قطع الكهرباء على الأحياء المختلفة لمدة ساعة يوميًا، في إطار السعي لتخفيف الأحمال على الشبكة مع التصاعد الحاد في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة استهلاك المواطنين للكهرباء في هذا الموسم الذي من المتوقع أن يمتد حتى نهاية الشهر على أقل تقدير.
وبدأ تنفيذ الخطة وكانت الكهرباء تنقطع لمدة ساعة أو ساعتين في اليوم، على مدار الأسبوع الماضي في مختلف أحياء القاهرة، ولساعات أطول في الأقاليم. ونقلت وسائل الإعلام عن مسؤولين أن هذه الموجة من قطع الكهرباء ستستمر حتى الاثنين 24 يوليو/تموز.
ولكن فجأة، وبدلًا من التبشير بقرب انتهاء الأزمة، خرجت علينا الشركة ببيان مساء يوم السبت 22 يوليو/تموز، يمكن بمقتضاه توريطها في قضية أمن دولة، بتهمة "إثارة الذعر والبلبلة والفزع بين المواطنين"، حيث قال البيان إن علينا الاستعداد لقطع محتمل للتيار الكهربائي على رأس كل ساعة، وبالتالي علينا جميعًا الاحتياط قبلها بعشر دقائق، وبعدها بعشر دقائق، ولمدة ساعة كاملة.
ولأن حكومتنا السنية تخشى علينا كمواطنين وتريد حماية أرواحنا، نصحتنا بتجنب ركوب المصاعد خلال تلك الفترة، عشر دقائق قبل وعشر دقائق بعد، وكذلك فصل الأجهزة الكهربائية، والانتظار حتى رأس الساعة القادمة، وكأننا على موعد مع نشرة أخبار.
وعلى الطريقة المعهودة في إعلان زيادات الأسعار للبنزين وبقية الأخبار غير السارة، أعلنت الشركة أن القرار سيدخل حالًا وفورًا حيز التنفيذ، بداية من منتصف ليل السبت 22 يوليو/تموز. وهذا كان يعني أنه على جميع من يسكن في مبانٍ تعتمد على المصاعد أن يهرولوا إلى بيوتهم قبل منتصف الليل، حتى لا يواجهوا احتمال أن ينقطع التيار الكهربائي، فلا يستطيعون الصعود لمنازلهم.
كما ستؤدي حالة الترقب، عشر دقائق قبل وعشر دقائق بعد، على رأس كل ساعة إلى حالة من التكدس في استخدام المصاعد في الفترة المتبقية، وهو ما قد يُعطل مصالح العمل ويخلق حالة من الهرج والمرج تُخل بالحالة الأمنية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة على المستوى المحلي، وظروف إقليمية متقلبة ومتوترة.
بلبلة الرأي العام
في البداية قلت لزوجتي لا بد أن يكون هذا الخبر كاذب ومفبرك، وأنه دعاية إخوانية معتادة تقوم على استغلال كافة أنواع الأزمات لخلق حالة من البلبلة والذعر والتشكك بين المواطنين، وأنه يمكن بسهولة فبركة بيانات تبدو صادرة من جهات رسمية، وحدث ذلك مرارًا.
لكن للأسف تبين صحة البيان، الذي قد يرى البعض أنه يشارك جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها. وإن كان مضمونه دفع الجميع للتساؤل عن معناه وكيفية تطبيقه وكيف سيؤثر ذلك على حياتنا اليومية كمواطنين.
المشكلة الأساسية هي غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة
تذكرت فور قراءة البيان كيف أنني عملت لمدة عام في مقتبل العمر في مؤسسة صحفية حكومية مائة في المائة، وكان بها مصعدان فقط لخدمة المئات من الموظفين والزائرين. وفي إحدى المرات، وجدت أحد المصعدين في الطابق الأرضي مفتوح الأبواب في انتظار من يركبه، بينما هناك طابور طويل آخر ينتظر المصعد الثاني. توجهت للمصعد المفتوح لأنني حديث العهد، ولم تمضِ ثوانٍ حتى ركض نحوي عدة موظفين ورجال أمن لمنعي من ارتكاب هذا الجرم العظيم، حيث أن هذا المصعد مخصص لرئيس مجلس الإدارة فقط، لا يركبه سواه حتى لو قامت الدنيا وقعدت.
تخيلت الموقف ذاته في العديد من المؤسسات، حال تطبيق قرار الشركة القابضة للكهرباء، الأخير المريب والعجيب، وكيف ستمتد الطوابير لتصل إلى خارج المؤسسات الرسمية خشية انقطاع الكهرباء. كما سيزداد الطلب على خدمات رجال المطافئ لإنقاذ العالقين في المصاعد ممن لم يحسبوا التوقيت بشكل سليم.
فائض أم ناقص؟
جميعنا يعلم أن حديث الكهرباء في فصل الصيف الخانق، أمر له شؤون وشجون تتجاوز الأبعاد الكهربائية وراحة المواطنين، إذ تحولت الكهرباء إلى قضية سياسية بامتياز، وخاصة في الفترة التي تلت ثورة 25 يناير 2011. كان لانقطاع الكهرباء في سنة حكم الإخوان، بالإضافة إلى غياب العديد من الخدمات الأخرى الأساسية مثل البنزين وأنابيب الغاز، حيزًا واسعًا من الانتقادات الموجهة لحكم الجماعة، والتي تدل على فشلهم في إدارة الدولة.
مقابل ذلك، وفور تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي لمنصبه، كانت الدعاية الرسمية الداعمة له تقوم على أن أحد أهم إنجازاته استعادة استقرار وكفاءة الشبكة الكهربائية، مع الترويج لأنه دون إصلاح الشبكة الكهربائية وزيادة الإنتاج، لن يكون من الممكن تحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة.
وإن كلف ذلك المليارات من الدولارات التي دُفعت لشراء عدة محطات باهظة الثمن من شركة سيمنز الألمانية، أُضيفت قيمتها للحجم المهول من الديون الخارجية لمصر في الوقت الحالي، كما هو الحال مع مشروع الضبعة لإنشاء المحطات النووية الذي تم توقيعه مع روسيا. وطالما وقف وزير الكهرباء الحالي أمام الرئيس السيسي ليقول بفخر إن مصر الآن لديها ما يفيض عن حاجتها من الكهرباء حتى أنها تقوم بتصديرها إلى الدول المجاورة.
توالت العديد من البيانات والتصريحات الرسمية عن الارتفاع الهائل في إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، والذي سيكفي ويزيد لتوليد الطاقة الكهربائية المطلوبة، خاصة بعد اكتشاف حقل ظهر من قبل الشركة الإيطالية "إيني". وقال المسؤولون في وزارة النفط أن مصر تحولت إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير الغاز، وأن المزيد من الخير قادم في الطريق. ولكنني فوجئت بتصريح للدكتور أيمن حمزة، المتحدث باسم وزارة الكهرباء، لـ"اليوم السابع"، يقول فيه إن "أزمة الانقطاعات التى تشهدها البلاد حاليا ناتجة عن نقص الوقود المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية!" لدينا نقص في الوقود؟!.
موجة الحر عالمية تعاني منها أوروبا وأمريكا وكل أرجاء العالم، فزينا زي غيرنا
المشكلة الأساسية هي غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة. ما الذي حدث؟ كيف وصلنا لهذه النقطة؟ أين ذهبت الكهرباء الفائضة؟ أين الغاز الوفير؟ والسؤال الذي لا يمكن تجنبه والقائم على المقارنة بين الهجوم الشرس من وسائل الإعلام على فترات الانقطاع الكهربائي في زمن حكم الإخوان الذي امتد عامًا، مقابل، ليس فقط تجاهل الأمر أو التعتيم على الأزمة، بل الدفاع عن سياسة قطع الكهرباء، واعتبار قبول المواطن بها أمر واقع وجزء من مشروع حب مصر، حتى نتجاوز الأزمة بعون الله كما تجاوزنا العديد من الأزمات والتهديدات والتحديات على مدى السنوات التسع الماضية.
وإياكم نسيان أن موجة الحر "عالمية" تعاني منها أوروبا وأمريكا وكل أرجاء العالم، "فزينا زي غيرنا"، والحكومة لا دخل لها ولا ذنب، تمامًا كما تسببت الحرب الروسية-الأوكرانية وكوفيد-19 في أزمتنا الاقتصادية الحالية، وليس الاقتراض من دون حساب للصرف على المشروعات المسماة بالقومية، والتي لا تمثل أي أولوية للغالبية الكاسحة من المصريين.
وبهذه الطريقة تساهم الحكومة في تسليتنا طوال شهور الصيف الحارة، فنقضي اليوم في مراقبة الساعة، ونتحفز لعشر دقائق قبل وعشر دقائق بعد وما بينهما، ونزع الفيش الكهربائية تحسبًا، وإطفاء جهاز التكييف من المصدر وليس عن طريق الريموت كنترول، وفقًا لنصائح المبادرة الوطنية "خفض استهلاكك وقلل الضغط على شبكة الكهرباء" التي انطلقت فور بدء الأزمة ردًا على الدعاية المغرضة للإخوان وأنصارهم، ولا إنت مش بتحب مصر؟.