حين استفتى المعلق الإسرائيلي إيدي كوهين قراءه العرب على تويتر عما إذا كانوا يعتبرون المجند المصري محمد صلاح الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين عند معبر العوجة بطلًا أم إرهابيًا؟ ردت عليه الغالبية الساحقة بنسبة 93% تقريبًا من مجموع نحو 48 ألفًا بأنه "بطل"، بينما اعتبره 7% فقط إرهابيًا.
وبغض النظر عن مدى صحة ادعاء ومزايدات المعلق كوهين، اللبناني المولد، بأن إجراءات الدفن كانت تنفيذًا لشروط إسرائيلية، فلم يفته لاستفزاز قرائه العرب تذكيرهم أيضًا في يوم استفتائه لهم، بأن يوم الخامس من يونيو/حزيران هو الذكرى السنوية الـ56 "لما يّسمى نكسة 67".
لكن الحقيقة هي ليست نكسة، بل هزيمة نكراء خسر فيها العرب أراضٍ كبيرة من الجولان حتى الضفة وغزة وسيناء.
ولعل رسالته المستفزة والصادقة هذه تفسر نتيجة الاستفتاء الذي يعكس حالة الغل والتفشي في أي سوء ينال الإسرائيليين، خصوصًا لو كان بيد جندي مصري، ولد بعد نحو ربع قرن من السلام الرسمي مع إسرائيل بدءًا بزيارة السادات للقدس!
الشارع العربي في استطلاعات أمريكية
دون حوادث على الحدود أو غارات إسرائيلية على الفلسطينيين، كثيرة هي استطلاعات الرأي العام التي توضح توجهات الشارع المصري والعربي من إسرائيل والسلام معها، بغض النظر عما إذا كان الاستطلاع بدول لها علاقات رسمية مع إسرائيل أم لا.
من أحدث هذه الاستطلاعات العربية، تلك التي يُشرف عليها وينشرها منتدى فكرة، التابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بالعاصمة الأمريكية، والمعروف بدعمه لإسرائيل. أحدث استطلاع تم في الصيف الماضي ويظهر أن 82% من المصريين المستطلعة آراؤهم لديهم موقف سلبي من السلام مع إسرائيل، بينما 14% فقط من العينة هي التي تنظر للعلاقات السلمية بشكل إيجابي أو غير سلبي.
أما فيما يتعلق بمدى تأييد المصريين العلاقات التجارية والاقتصادية فقط مع إسرائيل حتى بدون تطبيع، فلم يوافق سوى 11%. ويقارن منظمو الاستطلاع بين هذه النسبة القليلة في مصر بعد أكثر من أربعة عقود من السلام مع إسرائيل بنسبة 40% في السعودية ممن لا يمانعون علاقات تجارية فقط دون تطبيع! هذا بافتراض مصداقية ودقة نتائج هذه الاستطلاعات، وكيفية السماح بها، في دول تضع قيودًا على هذا النشاط، ويدرك المواطن مغبة التعبير عن وجهات نظر مخالفة لحكامه أو بالأحرى مواقفهم الرسمية المعلنة!
لم تختلف رؤية أمريكا لما يحدث في المنطقة العربية عن الرؤية الإسرائيلية بقدر اختلافها بشأن ثورات الربيع العربي
لكن حتى في استطلاعات الرأي السابقة التي أجرتها مؤسسة أمريكية محايدة ولها مصداقيتها في استطلاعات الرأي مثل بيو Pew، والتي يعود استطلاعها في مصر لعام 2007 حين كانت القيود أقل على الاستطلاعات وإبداء الرأي، جاءت النتيجة بـ80% أجابوا نعم على سؤال ما إذا كان وجود إسرائيل في حد ذاته سيبقى حائلًا دون تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية! بينما وافق 14% فقط من المصريين المستطلعة آراؤهم على إمكانية أن يعيش الفلسطينيون بسلام جنبًا إلى جنب مع الإسرائيليين.
واستغرب القائمون على الاستطلاع من أن هذه النسب أقل كراهية في لبنان وتركيا، وخلص البعض منذ ذلك الحين إلى أن المصريين أكثر عداءً وكراهية لإسرائيل، مقارنة بباقي الشعوب العربية، بل وحتى مقارنة في بعض الاستطلاعات بالفلسطينيين أنفسهم!
نعم للديمقراطية.. لا لإسرائيل
أحد أشمل استطلاعات الرأي على مستوى العالم العربي، هو الاستطلاع الذي ينظمه مركز قطري منذ عام 2011 وهو المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات. وقد أصدر في بداية هذا العام نتائج ما أسماه مؤشر الرأي العربي لعام 2022، ونشرته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، ويتضمن استطلاعات رأي في 14 دولة عربية، تشمل مصر والأراضي الفلسطينية وكل المغرب والمشرق العربي، والخليج ما عدا البحرين والإمارات.
يشمل الاستطلاع العديد من المؤشرات الاقتصادية والسياسية والدولية، لكن لو ركزنا على مؤشرين في الأسئلة التي تم استطلاعها نجد أن الغالبية التي أيدت النظام الديمقراطي التعددي بلغت72% كمتوسط عام عربيًا، بينما رفض النظام الديمقراطي نسبة 19%.
أما المؤشر الآخر فيتعلق بالسؤال التالي "هل تؤيد أم تعارض الاعتراف الدبلوماسي من دولتك بإسرائيل؟" جاءت الإجابة لا بنسبة 84% يعارضون إقامة بلدهم علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، بينما يؤيدها بنعم نسبة 8% فقط، وامتنعت نسبة 8% أخرى عن التصويت.
لكن هذه النسب هي المتوسط لإجابات متفاوتة من 14 بلدًا عربيًا. الأقل معارضة للعلاقات مع إسرائيل كانت من المغرب. ومع ذلك فإن الأغلبية التي رفضت العلاقات كانت نسبتها 67% بينما المؤيدون بلغت نسبتهم20%. والعكس في الجزائر المجاور للمغرب، حيث بلغت نسبة الذين قالوا لا لعلاقة دبلوماسية مع إسرائيل 99%، وهي نسبة رفض زادت حتى عن الفلسطينيين أنفسهم ببضع نقاط!
بالتالي من الصعب تصور وجود ديمقراطية وحرية رأي وتمثيل نيابي تصوت فيه البرلمانات المنتخبة بحرية على المعاهدات الدولية كمعاهدات السلام، ونتوقع إمكانية توقيع أي دولة عربية معاهدة سلام مع إسرائيل والالتزام بها، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي والممارسات القمعية والعنصرية ضد الشعب الفلسطيني والاعتداء على مقدسات العرب والمسلمين.
يتعامل الجيش المصري مع إسرائيل على الحدود كأنه شرطة مدنية بسلاح خفيف مع مواطنين
ولو ألقينا نظرة على تصنيف الدول العربية الموقعة على معاهدات سلام مع إسرائيل في مؤشر الديمقراطية والحريات وفق التصنيف السنوي لمؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية لعام 2022، سنجدها مصنفة غير حرة أو حرة جزئيًا، بينما إسرائيل "حرة" وديمقراطية وحققت 77 درجة، أما درجات الدول الموقعة على اتفاقات سلام، جاءت درجاتها.
مصر: 18
الأردن: 33
الإمارات: 18
البحرين: 12
المغرب: 37
أما لبنان الذي لم يوقع على معاهدة سلام، فدرجته في مؤشر الحرية 43، وتونس 56، وكانت قبل حكم قيس بن علي أكثر من 70، والدولة العربية الوحيدة قبل ذلك ومنذ الربيع العربي المصنفة "حرة"!
الربيع العربي كان الرعب الإسرائيلي
لم تختلف رؤية أمريكا لما يحدث في المنطقة العربية عن الرؤية الإسرائيلية، بقدر اختلافها بشأن ثورات الربيع العربي، فبينما رحَّبت بها إدارة أوباما-بايدن وقتها، ونظرت لشباب التحرير في مصر بكل إعجاب، توافقت وجهات نظر أنظمة الخليج المعادية للتغيير، وكذلك الأنظمة العسكرية الحاكمة بالمنطقة، مع وجهة نظر الليكود في إسرائيل، ممثلًا في رئيس الحكومة آنذاك.
إذ رأى نتنياهو خطرًا كبيرًا على إسرائيل من تغيير الأنظمة العربية المتعاقد معها، وحاول إخافة الأمريكيين من أن هذه الثورات لا تختلف عن الثورة الإسلامية في إيران.
قدَّمت الحكومة الإسرائيلية تنازلات وقتها للجيش المصري من حيث زيادة انتشاره وقواته لحماية الحدود مع إسرائيل وغزة، كما أكد ذلك لاحقًا الرئيس السيسي، خلافًا للقيود التي وضعتها معاهدة السلام واتفاقات كامب ديفيد على تسليح مصر في سيناء. تلك القيود واضحة في تعامل الجيش المصري مع إسرائيل على الحدود كأنه شرطة مدنية بسلاح خفيف مع مواطنين، بينما نزلت دباباته ومدرعاته الشوارع المصرية منذ يناير 2011!
لم يخطئ نتنياهو في حدسه ومخاوفه من الثورة في مصر، ففي سبتمبر/أيلول 2011 داهم آلاف المتظاهرين المصريين مبنى السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وأخرج الجيش موظفي السفارة الستة بسلام من مخابئهم لحمايتهم من الجماهير، بعد سقوط ثلاثة قتلى من المتظاهرين في تلك الاشتباكات.
من هنا، لم يتغير الموقف الإسرائيلي من خطورة وجود حكم ديمقراطي في دول العالم العربي، يبدي فيه المواطنون رأيهم في اتفاقات وعلاقات حكوماتهم مع إسرائيل. وأصبح من أنشطة اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن ومراكز أبحاثها الدفاع عن الأنظمة العربية المناهضة للربيع العربي.
والنصيحة التي تقدمها إسرائيل لصانع القرار الأمريكي والغربي ممن قد يتعاطف، ليس حتى مع الفلسطينيين، بل مع نشر الديمقراطية في العالم العربي، هي ما قاله المدير السابق للموساد ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي أفرايم هاليفي في ندوة بمركز ولسون الأمريكي للدراسات في العام التالي للربيع العربي:
"إن شعوب الشرق الأوسط تتطلع للحفاظ على نمط حياتها ولا ترغب في تغييره لتندمج مع نماذج الحكم الغربية. والديمقراطية لا تصلح بهذه الطريقة في هذا الجزء من العالم"!