كعادتهم السنوية، كان الجميع "كُتاب، وقُراء، وناشرين"، يتأهبون لاستقبال معرض القاهرة الدولي للكتاب، المقرر إقامة دورته الـ48 الشهر المقبل، حين فوجئوا الأسبوع الماضي بخبر إلغاء حدث سنوي آخر يقام في المكان نفسه، هو معرض "لومارشيه" للأثاث.
ولم يكد خبر إلغاء "لومارشيه" لدواعٍ أمنية يتأكد، حتى ثارت الأسئلة عن مصير معرض القاهرة الدولي للكتاب، لاسيما وأنه يُقام في فترة تتزامن مع أيام ذكرى ثورة 25 يناير، التي يشوبها -عادة- استنفار أمني.
المنصة تواصلت مع الجهات القائمة على معرض الكتاب، لتتكشفت مشكلات أخرى تحيط به، بعيدة كل البعد- حتى الآن- عن الدواعي الأمنية.
أصداء "لومارشيه"
لم يكن إلغاء "لومارشيه" سببًا في خسارة العارضين أو المنظمين فقط، إذ كشف رئيس مجلس إدارة هيئة المعارض والمؤتمرات، محمد سامي لـ"المنصّة": أن الخسارة التي تكبدتها أرض المعارض، لا تقل عن 5 مليون جنيه فئات إيجارية (المساحات التي تؤجرها الهيئة للعارضين). لكنه أكد في الوقت عينه أن الأهم هو المصلحة العليا للدولة "المُستهَدفة".
لكن سامي استبعد أن يلاقي معرض الكتاب مصير "لومارشيه"، إذ أوضح أن المعرض المُلغى "لم يحالفه الحظ في توقيت إقامته، الذي كان في أعقاب تفجير الكنيسة البطرسية، وقبل أعياد رأس السنة والميلاد"، بينما معرض الكتاب سيقام بعد انتهاء كل هذه الفعاليات التي تتركز الجهود الأمنية حولها.
اقرأ أيضًا| وقائع يوم دام: صلوات وهتاف.. وصورة المتظاهرين بلا صوت
ويعزز طرح سامي ما قاله رئيس الهيئة العامة للكتاب- مُنَظمة المعرض- الدكتور هيثم الحاج علي، الذي أكد لـ"المنصّة" أن التنسيق جارٍ بشأنه مع كل الجهات- بما فيها الأمنية- كما علّق على ما يردده البعض عن تزامن المعرض مع ذكرى الثورة، بقوله "إن هذا هو الموعد الذي يشهد تنظيم المعرض في كل عام".
واتفاقًا مع حديث رئيس هيئة الكتاب، قال رئيس اتحاد الناشرين المصريين، عادل المصري، إن إلغاء "لومارشيه" كانت أسبابه المُعلنة هي صعوبة تأمين معروضاته كبيرة الحجم، "التي يسهُل دسّ شيء بداخلها، على العكس من الكتب".
لكن حديث المصري لا يعني بالضرورة خلو معرض الكتاب من مشكلات، تمثلت في ارتفاع الأسعار، سواء الخاصة بتكلفة الكتاب، أو بالحدث نفسه.
ثمن التعويم
ربما تتضح أزمة إيجار مساحات بأرض المعارض، في إعلان الناشر شريف رزق، مدير "دار التنوير"، التي حجزت في دورة العام الماضي، 32 مترًا بأرض المعارض، أنها قلّصت مساحتها في الدورة المقبلة إلى النصف مقابل قيمة إيجارية تصل 23 ألف جنيهًا، وستخصص النصف الآخر من المساحة لدار "الفارابي" اللبنانية للنشر، التي كشف أيضًا عدم تمكنها من المشاركة بممثلين عنها، واختارت توكيل "التنوير".
والمشاركة بالوكالة تعكس شقًا آخر للأزمة الاقتصادية، يشرحه رزق لـ"المنصّة" بقوله إن رفع الإيجارات بأرض المعارض ليس أكبر المشاكل، مقارنة بتعويم الجنيه، الذي خفّض القدرة الشرائية للقارئ المصري، في مقابل ارتفاع أسعار الورق والحقوق والترجمة، وبالتبعية سعر الكتاب، فما كان يباع سابقًا بـ30 إلى 50 جنيهًا، أصبح سعره الآن للجمهور بين 80 إلى 150 جنيهًا.
ويبدو رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أقل تفاؤلاً من "رزق"، بالتمثيل العربي من قِبل دور النشر الخاصة، إذ أكد لـ"المنصّة" أنه سيكون أقل من كل عام، لأن الناشر العربي الآن سيعاني مشكلة ارتفاع الإيجار وسعر الكتاب عندما يحوله لجنيه مصري، بخلاف تكلفة السفر وشحن الكتب والإقامة.
وأوضح رئيس اللجنة العليا لمعرض الكتاب، الدكتور هيثم الحاج، أن دعم الهيئة للناشرين غير المصريين، يقتصر على تخصيص موظف للقيام بإجراءات التسهيل الجمركي لمطبوعاتهم فقط، لعدم وجود بند في الموازنة يتعلق بدعمهم.
وضرب شريف رزق مثالاً على مشكلات الناشر العربي بقوله: إن دار "الفارابي" مثلاً اختارت المشاركة بالوكالة، لأنها لن تأتي للمعرض بكتاب ثمنه في بيروت 10 دولارات، لتبيعه في القاهرة بـ200 جنيهًا، بعد أن كان بـ80 أو 60 جنيهًا في الدورة السابقة.
وعن الدار التي يديرها- التنوير- يقول شريف رزق، "بالفعل رفعنا أسعار كتبنا، فارتفاع سعر الدولار من 6 جنيهات لعشرين جنيهًا، يعني زيادة سعر الكتاب 3 أضعاف، وحتى الآن لم نصل لهذه النسبة في الزيادة، لكننا سنتعرض لها، لاسيما وأن أسعار الكتب في فرع الدار بمصر لابد وأن تتماشى مع فرعيها في تونس وبيروت".
زيادة ملغاة
ورد رئيس مجلس إدارة هيئة المعارض والمؤتمرات، محمد سامي، على مشكلة إيجار مساحات أرض المعارض بقوله إن رفع فئات القيمة الإيجارية هذا العام كان بنسبة (15- 20%)، وبعد مفاوضات من رئيس هيئة الكتاب، قررت وزارة التجارة والصناعة دعمًا لوزارة الثقافة، منح معرض الكتاب خصمًا على مساحات العرض بقيمة تساوي الزيادة التي وضعناها، ما يعني أن سعر هذا العام مساو تمامًا لسعر العام الماضي.
لكن رئيس هيئة الكتاب، اوضح أن تلك التخفيضات مُطبقة على سعر إيجار الأرض فقط، وليس بقية الخدمات من خيام وديكورات ومستلزمات عرض وأمن ونظافة، التي أكد أن قيمتها ستزيد في هذه الدورة.
لكن كان للناشرين طموح آخر، أبعد من إلغاء الزيادات، كشفه رئيس اتحادهم عادل المصري، بقوله "ما كنا نرجوه هو تخفيض أسعار العام الماضي من الأساس وليس هذا العام فقط، لأننا نعاني بالفعل مشكلة ارتفاع تكلفة إنتاج الكتاب، فالمفترض أن تساعدنا الدولة وألا تضع إيجارات مرتفعة لساحات العرض، ليس ضروريا أن تكسب الدولة من وراء المعرض، أو تخلق إيرادات وهمية بين الحكومة (الثقافة) والحكومة (التجارة والصناعة)، حتى لا تضيف أعباء أخرى على الكتاب، ويفاجأ الناس بارتفاع سعره".
ولفت "المصري" إلى أن الأعباء المادية لن تمنع المشاركة، وإن دفعت الناشرين لإجراءات تقشفية، بقوله "الناشر المصري مدرك لدوره الوطني، ولضرورة نجاح المعرض، لكن قد تتقلص مساحات عرض المشاركين أو إنتاجهم الثقافي".
لكن رئيس هيئة المعارض، محمد سامي استبعد احتمالية تقديم مزيد من التخفيضات، تتخطى عدم إقدام هيئته على رفع قيمة الإيجارات، سيما وأن مصادر دخل الهيئة تقتصر على "الفئات الإيجارية"، مبينًا أن الهيئة "طبيعتها اقتصادية تهدف إلى الربح؛ مما يجعل من الصعب عليها تحمل استراتيجية وزارة الثقافة في تقديم خدمات مجانية".
واقترح سامي أن يكون دعم المعرض داخليًا وذاتيًا عبر فعالياته المختلفة، بقوله "على سبيل المثال، المعرض يطرح آلاف الدعوات المجانية، في حين أنه لن يمنع الزائر عن المعرض ان تكون سعر تذكرته بـ3 جنيهات مثلاً، كما يمكنهم إقامة كافيتريات ومقاهٍ ثقافية، واستقدام فرق فنية بتذاكر أسعارها رمزية".
أشار رئيس اللجنة العليا لمعرض الكتاب، الدكتور هيثم الحاج علي، إلى أن تكلفة الدورة السابقة بلغت 14 مليون جنيهًا، بينما كانت الإيرادات أكثر من 16 مليون جنيهًا.
معضلة التخفيضات
في ظل الأحاديث عن عبء تكلفة الكتاب والقيمة الإيجارية، يُصبح تقديم تخفيضات في سعر الكتب للجمهور محل تساؤل، أجاب عليه الدكتور هيثم الحاج علي، بقوله إن الهيئة مبقية على تخفيضاتها تمامًا كما العام الماضي- والتي بلغت حد 70% أحيانًا- كما ستبقي على "جناح الكتب المُخَفّضة"، بينما ستتراوح نسبة زيادة الأسعار في الإصدارات الجديدة للهيئة بين 10- 15%.
واعتبر مدير "دار التنوير" وضع تخفيضات أكبر على الكتب هذا العام، أمرًا حتميًا على الناشرين، "كنوع من التشجيع للقارئ، وكي يشعر بأن للمعرض معنى".
لكن هناك عوامل تحتاج لخلق التوازن بينها بالنسبة لدور النشر الخاصة، وضّحها رئيس اتحاد الناشرين المصريين بقوله: "إن هناك رسالة تتمثل في صدور المنتج الثقافي، ومهمة تتمثل في الحفاظ على تدفق أموال الناشرين"، وهو ما سيدفعهم لتخفيض أرباحهم في فترة المعرض، مع التفكير في سبل التعويض فيما بعد. مستدركًا "لكن مهما كان، تبقى هناك أمورًا بأيدينا مثل هامش الربح الذي يمكننا تقليله، وأخرى خارج إيدينا مثل التكلفة، التي لن نسددها من جيوبنا".