بعدما انتهى مجلس النواب من أسوأ قانون للجمعيات الأهلية، بدأ الأسبوع الحالي في أولى خطوات قوانين الإعلام، و"أدار المجلس عجلة قوانين الإعلام التي لن تتوقف" وفقا لتعبير النائب أسامه هيكل وزير الإعلام الأسبق.
لماذا الآن؟
الدستور المصري الصادر في عام 2014 نص في المادة 211 على تشكيل "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام"، كهيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة.
ويختص المجلس وفقًا للدستور بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها. ويكون المجلس مسؤولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومى، وذلك على الوجه المبين فى القانون. يحدد القانون تشكيل المجلس، ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه. ويُؤخذ رأى المجلس فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عمله.
وبالمثل نصت المادة 212 على تشكيلالهيئة الوطنية للصحافة كهيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها.
ماذا حدث في المجلس؟
على مدار الأيام الماضية عقدت لجنة الإعلام برئاسة أسامة هيكل لقاءات مع إعلاميين ورؤساء تحرير عدد من الصحف، لمناقشة الشق الأول في قوانين الإعلام، وهو القانون المنظم لتشكيل الهيئات. فيما تغيب ممثلو نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة، الذين اعلنوا عن انتقادات حادة للقانون وهاجموا مجلس النواب.
كان اليوم أكبر التطورات التي جرت في المجلس وأكثرها ذكاء، إذ وجه هيكل الدعوة لرؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، و"شباب الإعلاميين"، وحضر ثلاثة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، الذين شاركوا من قبل في اجتماعات جبهة تصحيح المسار التي دعت لسحب الثقة من مجلس النقابة، وهم إبراهيم أبو كيلة وخالد ميري ومحمد شبانة.
هيكل جمع عدد من الإعلاميين و"كبار الصحفيين" ومجموعة شباب الإعلاميين الذين تميل اتجاهاتهم السياسية لتأييد السلطة والنظام، ليستمد منهم قوة في مواجهة انتقادات القانون. جمع هيكل كل هؤلاء وفتح المجال للقنوات الفضائية والمصورين ليظهر أمام الرأي العام بصورة تضفي شرعية على هذا القانون، الذي ترفضه نقابة الصحفيين.
قال هيكل في بداية اللقاء"تذكروا في 3 يوليو 2013 إعلان الالتزام بوضع ميثاق شرف إعلامي، وهذا هو الالتزام الوحيد الذي لم يتم حتى الان".
وأشار إلى الدستور المصري الذي عدلته لجنة الخمسين في 2014، والذي نص في ثلاث مواد رئيسية على تنظيم مهنة الإعلام. لافتًا إلى نصوص المواد 211، 212، و213، الذين نصوا على إنشاء مجلس أعلى لتنظيم الإعلام مهمته منح تراخيص الصحف والقنوات الخاصة، ومحاسبة وسائل الإعلام. وكذا إنشاء الهيئة الوطنية للصحافة ومهمتها ادارة أموال الدولة، ثم الهيئة الوطنية للإعلام التي تحل محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون.
وزير الإعلام الأسبق الذي اشتهر عهده بفضيحة تحريض التلفزيون المصري الرسمي على قتل الأقباط في ماسبيرو، استعرض "الجهود" التي تمت خلال السنوات السابقة لإصدار القانون، وقال في أكتوبر/ تشرين أول 2014، كلف محلب لجنة برئاسة وزير العدل وشخصيات إعلامية من مختلف الاتجاهات بعمل القانون، وكُتبت 3 قوانين خلال 4 أشهر. واستطرد "في هذا التوقيت اعترضت بعض الشخصيات وعملوا اللجنة الوطنية من خمسين شخص واستمرت تسعة أشهر في العمل على صياغة مشروع قانون موحد للصحافة".
وتحدث عن أن الدولة كانت حريصة أن أبناء المهنة هم من يكتبوا القانون وتكونت منهم اللجنة الوطنية. وأوضح أن الحكومة أرسلت هذا النص لمجلس الدولة، الذي أوصى بالحرف الواحد على تقسيم القانون لثلاثة قوانين وفقا لمواد الدستور الثلاث.
وبشان السرعة في الانتهاء من قانون الهيئات، قال هيكل: "لأننا وجدنا أننا لا نغير فيما كتبه أبناء المهنة، وعقدنا جلستي استماع لآارائهم ومطالبهم". وأشار إلى عدم حضور النقيب ورئيس المجلس الأعلى للصحافة رغم توجيه الدعوة لهم. وكان صلاح عيسى رئيس المجلس الاعلى للصحافة وعضو اللجنة المسؤولة عن وضع قانون الإعلام الموحد قد صرح بالفعل أن القانون الذي ينظره البرلمان لا علاقة له بعيد بالقانون الذي وضعته اللجنة، وقال إن أسامه هيكل دعاه إلى جلسة الاستماع رغم انه لم يقرأ القانون.
وشدد هيكل في حديثه على التزام لجنة الإعلام بالدستور، وقال "اشتغلنا في القوانين وجدنا إن قانون الهيئات لا يتسحق التوقف كثيرًا لأن فيه تكرار في المواد فاتهمونا أننا نسلق القانون".
وأضاف: "ما حدث أثناء المراجعة أننا وجدنا بعض المواد التي تحتاج ضبط، منها المادة 80 التي تقضي بحبس أعضاء الهيئات إذا خالفوا معايير الاستقلال". وهي المادة التي وضعتها اللجنة الوطنية تحقيقًا لمطلب صحفي ذي تاريخ، بمحاسبة مسؤولي المؤسسات الإعلامية الذين يفرطون في استقلال العمل الإعلامي لصالح الاستمرار في مواقعهم. موضحا أنه بالتشاور مع اللجنة التشريعية؛ اتفق النواب على حذف هذه المادة "لشبهة عدم دستوريتها".
وقال "لم نخالف الدستور، ولا أحب المزايدة، ولا يمكن أن يصدر قانون من المجلس رئيسه أيضا أستاذ قانون دستوري ويخالف الدستور. والأطر الدستورية كانت أمامنا ونحن نعمل". موضحًا أن كل ما حدث في القانون هو مجرد فصل القوانين الثلاثة ووضع قانون منفصل لتنظيم عمل الهيئات.
وبيّن هيكل أن القانون الخاص بتنظيم الصحافة والإعلام ستناقشه اللجنة بعد الانتهاء من قانون الهيئات، وقال "نحن لسنا محل شك، إذا كان هناك أحد يريد أن ينتقد القانون فلينتقد من كتبوه في المقام الأول، ولا أملك تفسير ان الذين كتبوه ينتقدوه الآن ويقولون إن مجلس الدولة لم يطلع عليه، وهذا غير صحيح فمجلس الدولة أرسل رد". وتساءل: "لماذا التشويه.. العجلة دارت ولن تتوقف، والمجتمع ينتقدنا أننا تأخرنا في اصدار هذه التشريعات على مدار ثلاث سنوات".
كلمة عاطفية تدعو لتمرير القانون
ألقت الكاتبة الصحفية سامية زين العابدين أرملة العميد عادل رجائي الذي قتل على يد مسلحين في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، كلمة مشحونة بالعواطف القومية الوطنية والشخصية، استحلفت فيها الحضور بروح زوجها الراحل الذي قتل قبل شهرين اثنين من تمرير القانون، وقالت: "هناك من يريد تعطيل القانون. والمصلحة العليا للوطن تقتضي أن نخرج بهذا القانون، وهناك من يستغل الديمقراطية والحرية التي أتحدى أنها غير موجودة في أي دولة [أخرى] في العالم".
وأضافت "عندما تتعرض مؤسساتنا للخطر والجيش والشرطة، علينا التوحد لسرعة إصدار هذا القانون. واستحلفكم ليس فقط بروح زوجي الشهيد العميد عادل رجائي الذي استشهد، بل أرواح كل شهداء مصر من الجيش والشرطة والقضاء وأبناء الشعب المصري". قالتها بصوت مرتعش ودموع في عينيها وسط تصفيق القاعة.
وقالت: "نحن أمام تحديات ونحتاج التوحد بلدنا في خطر، إكراما لروح زوجي أرجوكم. بلدنا محتاجة إننا نتوحد، قدمت زوجي ومستعدة أقدم روحي ماعنديش أغلى من مصر".
مكرم يهاجم نقابة الصحفيين
لم يفوت الكاتب الصحفي ونقيب الصحفيين الاسبق مكرم محمد أحمد الفرصة لشن هجوم جديد على نقابة الصحفيين ومجلسها المنتخب، وكذا المجلس الأعلى للصحافة المنتهية ولايته.
بدأ مكرم كلمته في هدوء شديد وثبات مع ترحيب هيكل به، وإشارته لمرضه وإصابته بدور برد شديد. لكن سرعان ما استجمع مكرم قواه وألقى كلمه قوية استخدم فيها قدارته الصوتية وكاريزمته الشخصية المؤثرة في الصحفيين الحاضرين.
وبدأ مكرم كامته الهادئة بالحديث عما يراه ترديًا في أوضاع الصحافة وقال: "إذا كان الوضع الذي عليه المهنة والمجلس الأعلى والنقابة والصحف القومية والخاصة وأجهزة الإعلام يرضي ضمائرنا، ويبشرنا حتى على الأقل بضوء في آخر النفق؛ نقوم نروح. لكن الوضع أخطر من أن يتم الصمت عليه، نحن لن ننقذ النظام. نحن معه طالما كان مع الحرية والديمقراطية، ومهمتنا إنقاذ المهنة، ووطننا ولا أرى أي مدعاة للخصومة".
ثم استدار موجها خطابه للقاعه بصوت عال أظهر فقدانه لأعصابه وقال: "مجلس أعلى انتهت مدته الدستورية، ومجلس نقابة تنتهي مدته في مارس وأنجز المجلسان مشروع قابل للنقاش، إذا كنا نؤمن بتداول السلطة فليأت مجلس جديد يستكمل المهمة".
وتابع: "عرابي قال لن نورث، ونحن لا نورث من جلال عارف ولا نورث من قلاش، في مجموعة انتهت مدتها الدستورية، إنما نصادر على صحفيي مصر؟ إنهم الورثة ويقيموا هذا شيء ولا أبعاديات العهد العثماني". واستطرد "إذا كان مجلس الدولة قال إن هذه الصيغة المثلى لا قول لأحد بعد هذا القول".
واستكمل هجومه مجددًا وقال: "هذا القانون أصدقكم القول إنه خرج بليل، ولم تجتمع له جمعية عمومية واحدة بنقابة الصحفيين لتقره، وتم بصورة شللية عقائديةلتقره".
وأضاف:"مادامت الجمعية العمومية للصحفيين موجودة، يبقى لها أن تغير. وإذا كان البعض يتصور أن التعاطف الذي حدث نتيجة صدور حكم في غير موضعه (في إشارة للحكم بالسجن على النقيب وعضوين من مجلس النقابة)، هذا ليس القضية. والأكرم لكم الدعوة لانتخابات مبكرة ونحل النزاع ونتوافق". وتابع "لسنا جماعة الناصريين ولا الإخوان، ولا الناصريين المتحالفين مع الإخوان المسلمين، نحن الجماعه الصحفية".
وأنهى مكرم كلمته وسط تصفيق الصحفيين والإعلاميين الذين صفقوا له عدة مرات تأييدا لحديثه، بينما كان هيكل سعيدا ومبتسما طوال كلمة مكرم. وأشار خلال حديثه عن الناصريين بيديه في إشارة إلى أن مكرم "جاب من الاخر".
قبل إنهاء هيكل للقاء، حاول النائبان أحمد الطنطاوي وأسامة شرشر الحديث، واتهماه بالاستماع لصوت واتجاه واحد، فرد هيكل: "هذا الاجتماع لنؤكد أن القانون ليس مسلوقا، وأقول للناس نحن لم نسلق، المشروع موجود وهذا ليس مؤتمر صحفي".
ما أراد الطنطاوي أن يقوله
بالاتصال بالنائب أحمد الطنطاوي لمعرفة ما حاول قوله قبل أن يستوقفه أسامة هيكل، قال الطنطاوي: "ليس هناك مبرر مقبول للالتفاف على مشروع القانون الذي خرج من اللجنة التي توافق عليها العاملون في المهنة والحكومة ورئيس الجمهورية".
وأشار إلى أن الرئيس قال: "إعملوا تشريعاتكم وأنا أصدرها". وتشكلت لجنة بموافقة الحكومة، وأعلنوا أن الناتج النهائي سيصدر دون تدخل. وقال الطنطاوي إن المشروع كان به الحد الأدنى الذي يقنن حق المواطن في إعلام جيد.
وقال "الحكومة أدخلت تعديلات على النص دون العودة للجنة التي كتبته، وهذا تصرف من الناحية السياسية غير مقبول". مضيفا "وأحالت القانون لقسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة الذي أوصى بتقسيمه والتوصيات غير ملزمة".
وانتقد الطنطاوي التدخل في فلسفة القانون، موضحا أن الحكومة وسعت المعينين في الهيئات، وجعلت عدد المعينين أكبر من المنتخبين من قِبَل المؤسسات الإعلامية"
وقال " نضع هذا كله في السياق العام، المليء بحالة من الشحن لأعضاء مجلس النواب ضد حق المواطن في أن يكون عنده سلطة الشعب التي تراقبنا وتطلع المواطن على أدائنا".
ووجه الطنطاوي انتقاداته لأسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان وقال: "استدعي هيكل صحفيين من شيوخ المهنة لتصفية حسابات شخصية، وهم يحرضون ضد الصحافة وقلاش وعارف"