في صباح يوم 15 أبريل/نيسان الماضي، بدأت الاشتباكات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، في وقتٍ كان يفترض أن يجتمع فيه قادة الجانبين لتقريب وجهات النظر، والتمهيد للاتفاق على دمج الدعم السريع بالقوات المسلحة السودانية.
على خلفية اندلاع الأزمة أثير جدل بشأن موقع الإسلاميين في السودان من الصراع الدائر بين محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، وعبد الفتاح البرهان، وما إذا كانوا طرفًا أصيلًا في النزاع على السلطة.
موقف الإسلاميين من الصراع
تحظى الحركات الإسلامية بحضور سياسي كبير وانتشار اجتماعي واسع، وذلك على تعدد مشاربها بين طرق صوفية عميقة الجذور تاريخيًا، وحركات إسلامية سياسية انبثقت عن الخطاب الإصلاحي في السودان المتأثر بالتيار الإصلاحي الذي قاده في مصر محمد عبده، ثم في تأثرهم بجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وقوى إسلامية أخرى ذات توجه سلفي بتنويعاته المختلفة.
ذلك الحضور يعني أن الإسلاميين موجودين تقريبًا في كثير من القوى الاجتماعية والقبلية، فضلًا عما تحظى به قوى الإسلام السياسي من شبكات علاقات قوية، في دارفور، وفي شرق السودان، مع القوى القبلية، والسياسية، بل والميلشيات المسلحة هناك.
ذلك الانتشار يصعب معه تقسيم المشهد السياسي في السودان بين تيار مدني علماني وآخر إسلامي، بل يصعب كذلك توزيع الإسلاميين بشكل صارم بين إخوان وسلفيين وصوفية. وقد انعكس هذا المشهد على الإخوان المسلمين أنفسهم، إذ لم ينضووا تحت تنظيم واحد ممثلًا لهم منذ بداية نشأتهم، بل ترحلوا بين تنظيمات وأحزاب عدة.
لكل ذلك، عادة ما يُقسَّم المشهد السياسي بين مؤيدي الرئيس المعزول عمر البشير؛ الكيزان أو الإخوان المسلمين، والقوى المحسوبة على الثورة والمشاركة فيها. وإن كان ذلك التقسيم أصابه بعض الغموض مع تنامي حدة الاستقطاب الإسلامي العلماني بمرور الوقت.
وقد حرص إسلاميو نظام الإنقاذ، في الفترة الأولى التي تلت الثورة، على البقاء في حالة سكون تام، في انتظار ما ستسفر عنه التحولات الجارية. خاصة مع العداء الشديد لهم هناك باعتبارهم فلول النظام السابق. لكنّ هذا الموقف بدأ يتغير، مع الانقسامات التي حدثت خلال المرحلة الانتقالية.
جاء موقف قوى الحرية والتغيير من مسألة علاقة المؤسسة العسكرية بفلول النظام السابق قريبًا من موقف حميدتي
فيما يتعلق بالصراع بين المؤسسة العسكرية برئاسة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، فقد سارعت جماعة الإخوان المسلمين بإعلان دعمها الكامل للمؤسسة العسكرية، واصفة ما حدث بأنه "تمرد" من جانب قوات الدعم السريع على الدولة، خُطط له "بمكر وخبث ودهاء من جهات خارجية وإقليمية وعملاء الداخل لتمزيق وحدة البلاد، وتفكيك جيشها وتحويل السودان إلى دولة فاشلة".
ودعا البيان الصادر عن المراقب العام للجماعة في السودان، عادل علي الله إبراهيم "الشعب السوداني وقواه الوطنية لمساندة قواته المسلحة رمز السيادة في معركة لا تعرف الحياد". وهو الموقف نفسه الذي أعلنه حزب المؤتمر الوطني (المنحل).
موقع الإسلاميين من الصراع ومحدداته
رأى كثيرون، داخل الساحة السودانية وخارجها، أن هناك تحالفًا استراتيجيًا بين قادة الجيش السوداني وفلول نظام البشير، وأن تلك المعارك بين الجيش والدعم السريع دُبرت من طرف ضباط كبار من الإخوان في الجيش. حتى أن قائد قوات الدعم السريع نفسه صرح أكثر من مرة أنه يحارب الإسلاميين المتطرفين المتمترسين بالجيش.
جاء موقف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) من مسألة علاقة المؤسسة العسكرية بفلول النظام السابق قريبًا من موقف حميدتي، فقد حمَّلت مسؤولية ما حدث من اشتعال العنف بين الجيش وقوات الدعم إلى بقايا النظام السابق، إذ ترى أن من مصلحة النظام السابق الوقيعة بين طرفيْ المُكوِّن العسكري؛ لما سينتج عنه من حالات فوضى وعدم استقرار في كافة أرجاء البلاد.
يبدو موقف الحرية والتغيير من هذه المسألة متفهمًا في ظل حالة التوجس والترصد المتبادلة بين المؤسسة العسكرية وقوى الحرية والتغيير؛ فمن جهة تنظر هذه الأخيرة بعين الشك للمؤسسة العسكرية، وتفضل وجود حالة توازن قوى بين الجيش وقوات الدعم مما يحول دون استئثار "البرهان" بالسلطة؛ حتى لا ينفتح له المجال لإقصاء قوى الثورة من المشهد السياسي.
ومن جهة أخرى فالمزاج العام بين العسكريين مرتاب من موقف تيار في قوى الحرية والتغيير "ظل ينادي بتفكيك المؤسسة باعتبارها موالية لنظام البشير"، ورموز ذلك التيار هم من دفعوا باتجاه التقارب بين قوى الحرية والتغيير وقائد قوات الدعم السريع.
في المقابل، ثمة فريق آخر ينفي وجود علاقة استراتيجية بين المؤسسة العسكرية السودانية والإخوان؛ ويرى أن هذه الادعاءات عن وجود علاقة بين إسلاميي الثورة المضادة والجيش إنما هي "فزاعة"، كان يستخدمها الجيش نفسه في تخويف القوى السياسية المدنية، وهي الفزاعة عينها التي يستخدمها خصوم المؤسسة العسكرية في ابتزاز هذه الأخيرة.
وهناك وقائع يمكن قراءتها باعتبارها مؤشرًا على وجود تحالف بين الجيش والإسلاميين، كذلك يمكن النظر إليها باعتبارها ليست دالة على ذلك إلا بكثير من التعنت، ومنها إلغاء المحكمة العليا قرارات لجنة إزالة التمكين، حيث أعيد كل من فصلتهم اللجنة إلى وظائفهم، كما أعيدت الممتلكات والعقارات والشركات والمصانع المصادَرة، واعتبرت المحكمة قرارات اللجنة معيبة وتخالف القانون وأسس العدالة.
وكان ذلك قبيل انقلاب البرهان على شركائه في الحكم (تحالف قوى الحرية والتغيير)، وحلّ مجلسي السيادة ومجلس الوزراء وإقالة حكام الولايات وفرض حال الطوارئ، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، مما قد يُنظر إليه كمؤشر على وجود تحالف استراتيجي بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية.
لجنة إزالة التمكين أنشئت عقب تولي عبد الله حمدوك لرئاسة الحكومة، برئاسة عضو مجلس السيادة ياسر العطا، وضمت أعضاء من قيادات تحالف الحرية والتغيير، وأصدرت "قرارات بفصل آلاف الموظفين من الخدمة المدنية والسفراء والدبلوماسيين والمستشارين القانونيين والقضاة، باعتبارهم من الإسلاميين والموالين لهم"، كما صادرت ممتلكات وعقارات وأموال وشركات ومصانع عشرات من قيادات النظام السابق وقدّرتها حينها بملياري دولار"، "ترافق ذلك مع إحالة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مئات ضباط الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة للتقاعد".
من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى قرارات المحكمة على أنها وقائع محايدة وليست دالة على وجود هذا التحالف؛ خاصة أن رئيس هذه اللجنة، وقبل قرار المحكمة العليا بإبطال قراراتها، كان قد استقال من رئاستها؛ محتجًا بأن لجنة إزالة التمكين تمارس الانتقام والتشفي وتمارس أعمالها بمعزل عن العدالة والنزاهة، وهو ما يعني أن قرارات المحكمة العليا قد تكون التزامًا بالقانون ومعايير العدالة وليست جزءًا من صفقة سياسية متخلية بين البرهان والإسلاميين.
في النهاية، وبعيدًا عن مدى صحة أو خطأ افتراض وجود علاقة تحالف بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين، فإن مراقبين يفترضون، عن حق، أن الإسلاميين سيستفيدون حال خروج حميدتي من السلطة؛ كونه متحالفًا مع القوى السياسية المناهضة لفلول النظام السابق ومن بينهم الإخوان.