بسرعة تفوق كل التوقعات، مرر مجلس النواب اليوم قانون الجمعيات الأهلية ووافق عليه نهائيًا بأغلبية الثلثين، دون اعتبار لاعتراضات دولية ومحلية على القانون الذي يضع مزيدًا من القيود على حرية العمل الأهلي في مصر.
مشروع القانون الذي تقدم به النائب عبد الهادي القصبي ووقع عليه أكثر من مائتي نائب، كان قد وافق عليه مجلس النواب الأسبوع قبل الماضي من حيث المبدأ، وأحاله لمجلس الدولة لبت الرأي فيه.
بالأمس تلقى مجلس النواب ملاحظات مجلس الدولة، واليوم، وبدون أن يكون مشروع القانون على جدول أعمال الجلسة العامة، أعاد عبد العال المداولة على مشروع القانون ثم صوت عليه النواب تصويتًا نهائيًا بنصاب كامل، قوامه ثلثي أعضاء المجلس. لتتبق الآن الخطوة النهائية في ذبح العمل الأهلي في مصر، وهي إصدار القانون بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه.
اقرأ أيضًا: "النواب" يوافق على مشروع الجمعيات الأهلية.. ورئيس المجلس يلوّح بالقضية 250
لا أفهم حتى الآن مبرر السرعة التي ظهرت منذ بدء مناقشة القانون في اجتماعات لجنة التضامن الاجتماعي التي يرأسها القصبي، مرورا بمناقشته في جلستين عامتين لم تستغرقا مجتمعتين أكثر من 4 ساعات، ثم إحالته في عجالة لمجلس الدولة. واليوم بدون سابق تخطيط "معلن"، ودون إدراجه في جدول الأعمال الذي استلمه النواب والصحفيون يوم الخميس الماضي، فجأة؛ قرر عبد العال التصويت النهائي على مشروع القانون.
اقرأ أيضًا: كواليس الموافقة المبدئية على "الجمعيات الأهلية"
وإليكم كواليس الجلسة:
الدافع الوطني والاستقلال التام وهيبة مصر والأمن القومي، هي مبررات رئيس المجلس وغيره من المدافعين عن القانون، إذ قال علي عبد العال: "جلسة اليوم تاريخية، ورسالة للعالم كله أن برلمان مصر متحد ومتماسك، وأن مصر مستقلة".
وقال عبد العال "إن حجم الأموال التي تعمل بها الجمعيات الأهلية تبلغ 60 مليار جنيه. وقد استجبنا لكثير من المطالبات التي نادى بها أصحاب الجمعيات الأهلية. وأستطيع أن أقول وبقلب مطمئن أن هذا القانون لبى حاجات مؤسسات المجتمع المدني، والحفاظ على الأمن المصري".
واستكمالا لسيمفونية السيادة الوطنية: استعرض عبد العال المادة الأولى من الدستور، التي تنص على أن مصر دولة ذات سيادة. وقال إن التشريع من أعمال السيادة، ويستقل مجلس النواب بالتشريع.
وقال أيضا "وينص ميثاق الأمم المتحدة صراحة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، واحترام سيادة الدولة. فهذه مبادئ عامة متفق عليها في المجتمع الدولي ككل. وهذا القانون أثير حوله لغط شديد ولاشك أنه يمثل نقطة فاصلة في سيادة هذه الدولة".
أهم التعديلات
١- توفيق الأوضاع خلال عام
وافق المجلس علي تعديل المادة الثانية من مواد الإصدار من مشروع القانون، والتي كانت تنص علي أن جميع الكيانات التي تمارس العمل الأهلي وفق التعريف المنصوص عليه، أيا كان مسماها أو شكلها القانوني، يتعين عليها أن تقوم بتوفيق أوضاعها وفقا لأحكامه، وذلك خلال سته أشهر من تاريخ العمل به، لتصبح المدة المقررة: خلال سنة من تاريخ العمل بالقانون.
٢- إقامة الأجانب
بشأن المادة الخامسة، وافق البرلمان على مقترح الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب بأن تكون إقامة الأجانب المسئولين عن الجمعيات الأجنبية إقامة قانونية.
وأصبح نص المادة 5: "يجوز لغير المصريين ممن لهم إقامة قانونية في مصر الاشتراك في عضوية الجمعية أو مجلس إدارتها، بما لا يجاوز نسبة 10% من عدد الأعضاء. وتخطر الجهة الإدارية الجهاز بأسماء الراغبين في عضوية الجمعية أو شغل مقعد بمجلس إدارتها.
٣- الجهاز المركزي للمحاسبات
وافق المجلس علي تعديل المادة 15 لتصبح "يخضع رؤساء وأعضاء الجمعيات وغيرها من الكيانات المنظمة إلي الجهاز المركزي للمحاسبات"، بدلاً من جهاز الكسب غير المشروع.
٤-الكهرباء والمياه
وافق المجلس علي تعديل المادة 16 بأن تعامل الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي في استهلاك المياة والكهرباء معاملة الاستهلاك المنزلي.
٥- الحسابات البنكية
وافق المجلس على تعديل نص المادة 22 من التي تنظم فتح حسابات بنكية، وأضاف للمادة: "إذا زادت حسابات المصروفات السنوية للجمعيات عن 5 ملايين جنيه يتم فتح الحساب في 5 بنوك".
و تنص المادة بعد التعديل الجديد على أن: "مع مراعاة حكم الفقرتين 4، 3 من المادة 10من هذا القانون، تلتزم الجمعيات وغيرها من الكيانات الخاضعة لأحكام هذا القانون بفتح حساب بنكي في أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزي. ويجوز أن يكون لهذا الحساب عدة حسابات فى 5 بنوك، إذا زادت مصروفات عن 5 ملايين جنيه، وحسابات أكثر فى حالة الضرورة، ويكون بقرار من رئيس مجلس الوزراء".
٦- إيداع التبرعات
استجاب البرلمان لمقترح مجلس الدولة في المادة 23 والتي أصبحت بعد التعديل: "مع عدم الإخلال بأحكام قوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال: للجمعية، في سبيل تحقيق أغراضها ودعم مواردها المالية، حق تلقي الأموال النقدية أو جمع التبرعات من داخل الجمهورية من أشخاص طبيعية أو اعتبارية مصرية، على أن تودع تلك الأموال فى حسابها البنكي دون غيره، والتأشير فى سجلاتها بذلك. وأن تقوم الجمعية بتخصيص وإنفاق تلك الأموال فيما جمعت من أجله".
ويشترط إخطار الجهة الإدارية عند التلقي، أو جمع التبرعات خلال ثلاثين يوم عمل، وصدور الموافقة اللازمة لذلك. وتلتزم الجهة الإدارية بإخطار الجهاز بذلك. ولا يجوز الصرف من تلك الأموال إلا بعد صدور هذه الموافقة، وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون الإجراءات والشروط المتطلبة للتصريح بجمع التبرعات، والشروط اللازمة لكل وسيلة على حدة، متى اقتضت المصلحة العامة لذلك. وفى جميع الأحوال لا يجوز قبول أموال نقدية تزيد قيمتها على عشرة آلاف جنيه إلا بموجب شيك بنكى، أو وضعه الأموال مع البنوك التى تتعامل معها الجمعيات بشكل عينى".
٧- الاستثمار
عُدِّل نص المادة 30 بعد ملاحظة مجلس الدولة عليه، وأصبحت بعد التعديل: "للجمعية الحق في أن تستثمر فائض إيراداتها على نحو يضمن لها الحصول على مورد ملائم، أو أن تعيد توظيفها في مشروعاتها الإنتاجية والخدمية لدعم أنشطتها، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية. وفى جميع الأحوال يمتنع على الجمعية الدخول في مضاربات مالية، ويجوز للجمعيات الاحتفاظ بما تتلقاه من عملة أجنبية داخل حسابها ويتم التصرف فيها بمراعاة أحكام هذا القانون والقواعد الصادرة من البنك المركزي".
٨- الحل
وافق البرلمان على تعديل المادة 43 لتنص الفقرة "ز" منها على أنه: "لعدم القيام بأعمال فعلية أو برامج جدية لمدة عام واحد من تاريخ التأسيس أو من تاريخ آخر عمل قام به، تحل مجلس إدارة الجمعية".
٩- رأس المال
عدل البرلمان نص المادة 54 من قانون الجمعيات الأهلية، ليكون المبلغ اللازم للتاسيس 50 ألفًا بدلا من 10 آلاف جنيه. حيث نص التعديل على أن " تنشأ المؤسسة الأهلية بتخصيص مال يتناسب وتحقيق الغرض من إنشائها وحجم الأنشطة التي تمارسها من أجل تحقيق هذا الغرض، بما لا تقل قيمته عن 50 ألف جنيه عند التأسيس لمدة معينة أو غير معينة. ولا يجوز أن تهدف المؤسسات الأهلية إلى تحقيق الربح المادي لأى من مؤسسيها".
ورغم "التعديلات"، أبقى القانون الصادر على جوهر المواد التي تفرض قيود شديدة على الجمعيات. رغم أن المتضرر من تلك القيود ليست فقط منظمات حقوق الإنسان التي يرغب النظام في التخلص منها؛ بل والجمعيات الخيرية التي تسد نقص الخدمات والحقوق الأساسية للمواطنين، مثل العلاج والمسكن والطعام.
كما أبقى القانون على العقوبات السالبة للحرية، التي تصل للحبس خمس سنوات وهي عقوبات مستحدثة، وكان قد رفضها طلعت عبد القوي رئيس الاتحاد العام للجمعيات خلال جلسة الاستماع التي انعقدت قبل مناقشة القانون.
(*) نقلت نسخة سابقة من هذا المقال بيانًا منسوبًا لسيدة الاعمال هبة السويدي وتبيّن عدم دقة البيان.