"أنا مثلكم، أحلم بالتأهل للمونديال لكنني أحلم وأنا مُتيقظ. لا أهرب من الواقع. الخطوة الأولى للنجاح أن تعرف قدراتك جيدًا، وتعرفُ أين تقف. بعدها ستكون قادرًا على مواجهة خصمك مهما كانت قوته".
يُلخص هيكتور كوبر المدير الفني لمنتخب مصر بكلماته السابقة إجابة قد يطول شرحها عن أسباب "سوء أداء" المنتخب تحت قيادته.
ويحتفل كوبر، الأربعاء، بعيد ميلاده الـ61 وسط انتقادات حادة للمدرب المخضرم وطريقة لعبه.
ونجح الأرجنتيني في قيادة مصر للتأهل لكأس الأمم الإفريقية بعدما غابت عن ثلاث نسخ متتالية (2012 و2013 و2015). كما حقق المنتخب تحت قيادته انتصارين متتاليين في المرحلة النهائية من التصفيات المؤهلة لكأس العالم روسيا 2018؛ ليتربع الفراعنة على صدارة المجموعة الخامسة برصيد ست نقاط.
وبعد الفوز على غانا (2-0) الأحد الماضي تجددت الانتقادات الموجهة لكوبر وزادت حدتها. وطالب البعض بإقالته من منصبه.
حين تعاقد اتحاد الكرة مع هيكتور كوبر في مارس/آذار 2015 كانت الصورة واضحة؛ مدرب على مشارف عامه الـ60، اعتاد خسارة الألقاب الكبرى في اللحظات الأخيرة. مسيرته الطويلة التي بدأت في منتصف التسعينات لم يصعد خلالها منصة التتويج إلا ثلاث مرات. عنيد وصلب لا يكترث بنجومية اللاعبين أو شعبيتهم. فلسفته الكروية تميل للدفاع. قادر على تطوير اللاعبين متوسطي الموهبة.
هذا العنيد، المُحمل بخيبات كرويةٍ متعددة في سنواته الأخيرة؛ جاء ليشتبك بواقع يرحبُ بكل أنماط المدربين إلا أمثاله.
لن يخضع كوبر لإملاءات وسائل الإعلام أو الجماهير فيضم لاعبًا بعينه إرضاءً لهم. لن يكترث بألوان القميص الذي يرتديه اللاعبون.
لن يُجرب كوبر 33 لاعبًا في 10 مباريات فقط كما فعل شوقي غريب. لن يخضع لنفوذ مساعديه المحليين كما كان الحال في عهد الأمريكي بوب برادلي. ولن يقول للاعبيه "انزلوا والعبوا لعبكم" كما كان حسن شحاتة، المدرب الأبرز في تاريخ مصر، يفعل قبل المباريات الكبرى.
لن ينتظر مكالمة هاتفية من مسؤول باتحاد الكرة يطالبه بالاهتمام بلاعب معين أو يوجه له اللوم على اختياراته الفنية أو طريقة اللعب.
جاء كوبر بقناعات راسخة تصطدم بكل تفاصيل الواقع الكروي المصري. وكانت المعادلة إمّا أن يتمصّر الأرجنتيني العنيد أو أن يُخضِع كل ما حوله له.
رحلة التعافي
كان المنتخب يحاول التعافي بعد تجربة شوقي غريب الذي أسندت إليه المسؤولية عامًا واحدًا؛ لعب خلاله 10 مبارياتٍ خسر نصفها، وأخفق في التأهل لكأس الأمم.
الجيل الجديد يبحثُ عن هوية مستقلة. ما زال عاجزًا عن السير في ركاب "الكرة الجميلة" التي قدمها أبناء حسن شحاتة بين عامي 2006 و2010. وعناصره البارزة التي عرفت الطريق مبكرًا إلى أوروبا مثل محمد صلاح ومحمد النني وغيرهما وجدت نفسها فجأة في موضع مسؤولية بعد اعتزال الكبار.
منذ التجمع الأول للمنتخب مع كوبر، ستلحظ أن المدرب المخضرم قرر استدعاء لاعبًا لا يشارك بشكل منتظم مع فريقه وهو رامي ربيعه، الذي كان مُجمّدا في سبورتيج لشبونة البرتغالي. وقرر أيضًا استدعاء أحمد حجازي الذي ترك مقاعد بدلاء فيورنتينا وانتقل لبيروجيا في الدرجة الثانية في إيطاليا ليبحث عن فرصة للمشاركة.
وفي المقابل، كان سعد الدين سمير قلب دفاع الأهلي وعلي جبر مدافع الزمالك، وكل منهما يشارك بشكل منتظم مع فريقه يجلسان على مقاعد البدلاء مع الفراعنة.
البداية كانت سهلة. مباراة أمام تنزانيا على "برج العرب" في افتتاح مشوار التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الإفريقية. انتهت بثلاثية نظيفة جاءت في الشوط الثاني.
ظهرت "4-4-2" مجددًا مع الفراعنة. يعشق كوبر تلك الطريقة ويميل لتنفيذها بشكلها الكلاسيكي؛ حيث يعتمد على مهاجمين صريحين وجناحين مهاجمين مع ثنائي مدافع في المحور.
الاختبار التالي كان سهلاً لكنه خارج الديار، مباراة أمام تشاد في تصفيات أمم إفريقيا اكتسح فيها المنتخب مضيفه (5-1).
وفي تصفيات كأس العالم، ظهرت تشاد مجددًا، كان على مصر تجاوزها لبلوغ المرحلة النهائية من التصفيات. وبعد الهزيمة (1-0) خارج الملعب رد منتخب كوبر بقوة في الإياب وفاز (4-0).
عوامل خارجية
المهمة داخل الملعب كانت سهلة في العام الأول لكوبر. لم يواجه منتخبات قوية. تمكن دون عناء من تجاوز منافسيه لكن خارج الملعب لم يكن الأمر سهلاً.
أثناء ذهابه لشراء بيتزا من أحد المطاعم سأله عامل: كيف تستبعد حسام عاشور من المنتخب وتضم محمد النني؟ وخلال تواجده بمطار القاهرة كانت الجماهير تهتف "غالي غالي" تطالب بضم قائد الأهلي حسام غالي للمنتخب.
ضغوط كثيرة كانت تمارس من وسائل إعلام وجماهير لإجبار كوبر على ضم لاعبين بعينهم للمنتخب. وفي وجود أسامة نبيه مهاجم الزمالك السابق ضمن الجهاز الفني للمنتخب كانت توجه اتهامات للجهاز الفني بـ"تفضيل لاعبي الزمالك" عن سائر الأندية وفي مقدمتها الأهلي.
لاعبون مثل حسام باولو وأيمن حفني وحسام غالي لم يكونوا ضمن تفضيلات المدرب الأرجنتيني رغم الضغط الجماهيري المتزايد لضمهم للمنتخب. في حين كان محمود حسن "تريزيجيه"الذي جلس قرابة موسم بأكمله على مقاعد البدلاء مع أندرلخت حاضرًا بشكل أساسي مع كوبر.
صمد كوبر أمام طوفان الانتقادات في مشهد تكرر كثيرًا في مسيرته التدريبية. لن يغيّر قناعاته الفنية لإرضاء الجماهير أو وسائل الإعلام. ولن "يغلق باب المنتخب" أيضًا في وجه أحد.
خلاف شهير دب بين حسام غالي وأسامة نبيه في معسكر المنتخب، وقف كوبر على مسافة بعيدة منه. أطراف عديدة تحاول التدخل لإنهاء الأزمة أو ربما إشعالها.
اعتاد الأرجنتيني منذ توليه المسئولية أن يواجه كل الأزمات بهدوء وحسم. قال في مؤتمر صحفي: " "أسامة نبيه مخلص جدا في عمله داخل الجهاز الفني ولا يوجد أي لاعب وجد سوء معاملة من جهاز المنتخب".
لم يجد غالي لنفسه مكانًا في المنتخب بعد الأزمة في الوقت الذي فتح كوبر الباب أمام عودة بعض اللاعبين مثل محمود كهربا وأحمد فتحي وعصام الحضري.
الدفاع أولاً
بعد عام في قيادة المنتخب، جاء موعد الاختبار الصعب. انسحبت تشاد من التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الإفريقية. ستواجه مصر نيجيريا ذهابًا وإيابًا ثم تنزانيا في الجولة الأخيرة.
الخامس والعشرين من مارس 2016.. تاريخ استدعي فيه كوبر وجهه الدفاعي "القبيح" الذي سبب له أزمات متعددة في السابق مع إنتر ميلان وفالنسيا وغيرهما.
بدءًا من هذا التاريخ، سيتراجع المنتخب ليلتحم خط الدفاع مع ثنائي الوسط (الارتكاز) في كتلة واحدة تتحرك بتناسق وحذر شديد. ستتعطل الأطراف هجوميًا في ظل تقييد دفاعي واضح. ستجد محمود حسن "تريزيجيه" ينضم لرباعي الدفاع في مواقف كثيرة.
لم يعد كوبر منذ مباراة نيجيريا يهتم بمباغتة الخصم أو حتى محاولة التقدم عليه بهدف، لم يعد يهتم أيضًا بالاستحواذ على الكرة. تركيزه الآن منصب على شيء واحد ألا تهتز شباك مصر. وإذا حافظ على شباكه نظيفه سيحاول في أي لحظة من المباراة التسجيل معتمدًا في الأغلب على أحد الحلول الفردية للاعبيه.
حين اهتزت شباك مصر أمام نيجيريا في مباراة الذهاب في الدقيقة 60 لم يطالب كوبر لاعبيه بالتقدم والاندفاع صوب مرمى الخصم، ظل محافظًا على توازنه حتى جاءت الدقائق الأخيرة ليدفع برمضان صبحي الذي صنع الهدف التعادل لمحمد صلاح في الدقيقة الأخيرة من المباراة.
في مباراة العودة، ووسط حضور جماهيري مكثف، ورغم حاجة مصر الشديدة للفوز أصر كوبر على اللعب بتوازن وعدم الاندفاع لمنتصف ملعب الخصم. وجاء الفوز بهدف يتيم لرمضان صبحي لتضمن مصر التأهل لكأس الأمم بعد غياب 6 أعوام.
حقق كوبر هدفه الأول وسط انتقادات بسبب "سوء الأداء" و"غلبة النزعة الدفاعية" وعدم الاستفادة من القدرات الهجومية لبعض اللاعبين.
جاءت ريح عاتية لا يُعلم على وجه الدقة مصدرها؛ نادت بتغيير المدرب بعد أشهر من تأهله لكأس الأمم الإفريقية، وفجأة خرجت تقارير تتحدث عن بديل مصري لكوبر وعن اتصالات بين هاني أبو ريده الرئيس الجديد لاتحاد الكرة وبين حسن شحاتة وغيره.
بدا، وكأن التأهل لكأس الأمم الإفريقية بعد الغياب عن ثلاث نسخ متتالية ليس كافيًا ليحتفظ المدرب المخضرم بمنصبه. وكان رد كوبر حاسمًا: "إذا لم ألقَ الدعم الكافي سأرحل عن المنتخب فورًا".
لتحقيق هدفه الثاني والتأهل للمونديال، عاد كوبر لتلك القاعدة التي تزيد أداءه قبحًا: "الخطوة الأولى للنجاح أن تعرف قدراتك جيدًا، وتعرفُ أين تقف. بعدها ستكون قادرًا على مواجهة خصمك مهما كانت قوته".
يتحدث كوبر دائمًا عن التواضع. يقول إنك مطالب بالتواضع للمنتخبات الضعيفة قبل القوية. والتواضع لديه هو "بذل أقصى جهد والتضحية وعدم التقليل من المنافس".
وفي المباراة الأولى أمام الكونغو أفرط المدرب الأرجنتيني في احترام خصمه. دافعت مصر منذ البداية. أغلق كوبر منتصف ملعبه، ترك الكرة للخصم ليستحوذ عليها دون فاعلية.
في نهاية المباراة كان النصر حليفًا لمصر بنتيجة (2-1). كان الأداءً قبيحًا، لم تعتده الجماهير من المنتخب منذ فترة طويلة.
الأحد الماضي، أمام غانا، تكرر الأمر نفسه. ورغم أن مصر تخوض المباراة على أرضها إلا أن كوبر قرر أن يدافع منذ الدقيقة الأولى.
استحوذت غانا على الكرة، لكنها لم تهدد مرمى عصام الحضري إلا قليلاً. التحم مجددًا طارق حامد ومحمد النني برباعي الدفاع.
ولم يتقدم الظهيران أحمد فتحي ومحمد عبد الشافي لمساندة الهجوم. عاد تريزيجيه ورمضان صبحي للدفاع لكن في النهاية فاز المنتخب بثنائية نظيفة.
اقترب كوبر خطوة من المونديال. يستمع إلى منتقديه والغاضبين من سوء الأداء ويقول: "نعم، كان الأداء سيئًا، استحوذوا على الكرة أكثر من مصر لكننا فزنا بالمباراة. هل تريدون أن نعدّل طريقتنا؟ نهاجم ونلعب بشكل أفضل ثم نخسر في النهاية. أبحثُ عن التوازن، أحاول أن أتطور، لكنني أعلم قدرات اللاعبين جيدًا. هذه هي الطريقة الأنسب لنا".