هل يتطلب الانحياز إلى ما اتفقت عليه الإنسانية المعاصرة من حقوق وحريات مكفولة، نظريًا، لكل إنسان، مهما كان اختلافه عن محيطه، أن يعيش الحقوقيون بنمط حياة معين؟ هل ينبغي أن يوافقوا الصورة النمطية عن "نشطاء وسط البلد"، المتمردين على أعراف مجتمعاتهم المحافظة والمتحررين من أية قيود ثقافية، دينية أو اجتماعية؟ هل يمكن أن يكون بينهم متدينون؛ لا يتعاطون الخمور لأسباب دينية، ولا يقيمون علاقات خارج إطار الزواج المتعارف عليه في مجتمعهم؟
سؤال ساذج في نظر الحقوقيين لا يلقون له بالًا، أو لا يأخذونه بجدية، لكنه جاد جدًا وحيويّ في أذهان كثيرين من خارج الوسط الحقوقي، بل على ألسنتهم وفي سامرهم. والإجابة، ببساطة، هي: نعم، بكل تأكيد!
لكن ما الداعي إلى هذا السؤال أصلًا؟
تأثرت تصورات كثير من الناس في مصر بخطاب الاستقطاب الإسلامي العلماني، الذي نذرتُ ما بقي من عمري لأجل تفكيكه وتجاوزه، ذلك الذي يضع مقابلة، أو بالأدق مفاضلة، بين راية الإسلام/المصحف وأي شيء آخر. المفاضلة محسومة، لدى الإسلاميين، لصالح القرآن. وهي محسومة كذلك لدى العلمانيين اللائكيين، المخاصمين للدين، في الاتجاه المضاد.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان كمرجعية تقابل، بل تنافس وتناهض، مرجعية القرآن والسنة عند المسلمين. هكذا يروّج الإسلاميون واللائكيون سويًا.
وقد أخبرتني موظفة قيادية مرموقة في أحد المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في مكتبها بمدينة نيويورك سنة 2013، أنها، في تخطيط وتنفيذ برامج منظمتها التي تستهدف النساء الدول النامية، تعاني الأمرّين في التفاهم مع زميلاتها وزملائها "الدوليين" الذين يتعاملون مع نصوص العهود الدولية المتعددة في مجال حقوق الإنسان باعتبارها نصوصًا دينية مقدسة!
ربما لا تثار، حاليًا، أية إشكاليات معتبرة حول العهديْن الدولييْن للحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المعتمديْن سنة 1966. لكن ما يوازيهما، ويعتد امتدادًا لهما، في مجال حقوق المرأة ومناهضة كافة أشكال التمييز ضدها، وهي الاتفاقية المعروفة اختصارًا باتفاقية "سيداو"، فلا تزال راية صالحة للاستقطاب.
مع مراعاة النص لأكبر قدر من المرونة فإن نظرة الريبة رأت فيه جزءًا من المؤامرة على الأسرة المسلمة
المفارقة هنا أن الكثير من النسويات يعتبرن "سيداو"، التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1981، ذات سقف منخفض جدًا في عالمنا المعاصر. فاليوم، قد تقدم نضال النساء من أجل انتزاع حقوقهن إلى مطالب أعلى، وأكثر تحديدًا وأدق صياغة، من النصوص العامة "التأسيسية" في "سيداو".
لكن تعاقب التوصيات الصادرة عن اللجنة، المنصوص على تشكيلها في الاتفاقية، والمعنيّة بالقضاء على التمييز ضد المرأة، قد اشتبك فعلًا مع كثير من هذه المطالب اللاحقة، الجديدة نسبيًا. لذلك، توضع "سيداو" موضع الدستور المنشئ للقوانين، حتى لو أضيفت إلى ذاك الدستور تعديلات متوالية.
أين التعارض بين المصحف و"سيداو"؟
الغريب والعجيب أن استهداف "سيداو" من قِبَل الإسلاميين السياسيين خصوصًا، والتراثيين عمومًا، لا يستند إلى ما يدعو إلى ذلك بإلحاح، بخلاف صراعهم مع توصيات مؤتمر السكان والتنمية الذي انعقد في القاهرة عام 1994، مثلًا، حيث تتضح أرضية الصراع، نوعًا ما.
فمن يقرأ "سيداو"، بموادها الثلاثين، وما احتوت عليه من 48 فقرة فرعية، و53 بندًا، لا يجد فيها ما يستوقف الإسلاميين والتراثيين سوى 4 بنود مندرجة تحت الفقرة (1) من المادة (16). حتى هذه الفقرة ذاتها من المادة نفسها تضم 8 بنود؛ وهو ما يعني أن نصف فقرة واحدة، من مادة واحدة، هي التي تخالف الموروث الذي لا يزال سائدًا في مصر، ويستميت في الدفاع عنه حِلفٌ من أنصار التراث والمحافظين اجتماعيًا.
أغلب مواد الاتفاقية وبنودها إما تنظيمية وتعريفية، أو تنص على ما لا يعترض عليه المحافظون دينيًا واجتماعيًا؛ سواء في جوانب حقوق المرأة الدستورية والقانونية، أو في تساويها في الحقوق السياسية والمدنية، أو في حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، أو من حيث كمال أهليتها وحقوقها القضائية المساوية للرجل.
حتى الفقرة التي يتحفظون عليها، والتي تشمل 8 بنود، ينص البندان الأول والثاني منها على التساوي بين الرجل والمرأة في "الحق في عقد الزواج"، و"الحق في أن لا يتم الزواج إلا برضاها الحر الكامل". والبند الرابع ينص على المساواة في حقوقها كأم، وعلى ترجيح مصلحة الأطفال. والبند الثامن على التساوي في الأهلية القانونية المالية. فأين الاعتراض إذن؟
الاعتراض ينصب على البند (ج) الذي ينص على "نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وفسخه"، والبند (هـ) الذي يتناول "نفس الحق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية عدد أطفالها والفترة بين إنجاب طفل وآخر ، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق".
وأخيرًا، يصطدمون بالبند (و) الناصّ على "نفس الحقوق والمسؤوليات فيما بتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة".
وعلى الرغم من مراعاة النص الآنف لأكبر قدر من المرونة كي يتناسب مع الأوضاع القانونية المختلفة في عشرات البلدان المتنوعة الثقافات والأعراف والأنظمة الاجتماعية، فإن نظرة الريبة والتربص رأت فيه جزءًا من المؤامرة على الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم!
فالتربص بالمادة (هـ)، مثلًا، ركز على تنظيم الأسرة، باعتبارها جزء من "الحرب الديموغرافية" على المسلمين، في حين أن النص في الاتفاقية يتجه إلى التركيز على التساوي بين الرجل والمرأة في القرارات المتعلقة بتنظيم الإنجاب، وليس على تنظيم الإنجاب نفسه.
لكن الصراع مع "سيداو" لم يتأجج من نصوص الاتفاقية وحدها، التي تجاوزت إشكالياتُنا الراهنةُ مرحلةَ الخلاف حولها. في الواقع، تظل "سيداو" هي الدستور المؤسس لما تلاها من توصيات خاصة بالختان، مثلًا، مع غيرها من توصيات قد تكون أقل إثارةً للجدل من الختان. والأهم أنها تظل نقطة الانطلاق المرجعية لكل التوصيات المثيرة للجدل العالمي والإقليمي والمحلي في ملتقيات لاحقة، مثل مؤتمر السكان المنعقد في القاهرة عام 1994.
فماذا عن مؤتمر السكان؟
نظم أول مؤتمر عالمي للسكان في روما عام 1954 لتبادل المعلومات العلمية حول المتغيرات الديموغرافية ومحدداتها ونتائجها. وقرر هذا المؤتمر الأكاديمي بشكل أساسي إنتاج معلومات أكثر اكتمالاً عن الوضع الديموغرافي للبلدان النامية وتعزيز إنشاء مراكز تدريب إقليمية من شأنها أن تساعد في حل مشاكل السكان وإعداد متخصصين في التحليل الديموغرافي.
أما المؤتمر العالمي الثاني للسكان الذي عقد في بلجراد عام 1965، فقد أكد على تحليل الخصوبة في إطار سياسة التخطيط التنموي. وعقد هذا المؤتمر في وقت تزامنت فيه دراسات الخبراء حول التركيبة السكانية للتنمية مع بدء البرامج السكانية التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
في عام 1974، نظم المؤتمر العالمي الثالث للسكان في بوخارست، وتنص خطة العمل العالمية للسكان، التي انبثقت عن هذا المؤتمر، على أن الهدف الرئيسي هو التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلدان، وأن المتغيرات الديموغرافية والتنمية مترابطة, وأن السياسات والأهداف الديموغرافية جزء لا يتجزأ من سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
انقلب الأمر رأسًا على عقب مع المؤتمر الدولي الخامس للسكان والتنمية الذي انعقد عام 1994 في القاهرة
في المؤتمر الدولي الرابع للسكان في مكسيكو سيتي عام 1984، تمت مراجعة واعتماد معظم جوانب اتفاقيات مؤتمر بوخارست لعام 1974. بالإضافة إلى ذلك، تم توسيع خطة العمل العالمية للسكان لتشمل نتائج أحدث البحوث والبيانات التي قدمتها الحكومات. ويعتبر حقوق الإنسان وظروف الصحة والرفاهية والعمالة والتعليم من بين القضايا التي أبرزها الإعلان الموقع في هذا المؤتمر.
حتى هذا الحين، لم تكن ثمة صراعات دينية ضد مؤتمرات السكان والتنمية ولا أي من توصياتها. لكن الأمر انقلب رأسًا على عقب مع المؤتمر الدولي الخامس للسكان والتنمية، الذي انعقد عام 1994 في القاهرة. في المدة من 5 إلى 13 سبتمبر/أيلول 1994 تحت رعاية الأمم المتحدة.
كان المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أكبر مؤتمر حكومي دولي معني بالسكان والتنمية على الإطلاق، حيث شاركت فيه 179 حكومة وحوالي 11000 مشارك مسجل من الحكومات، ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام. كان الاهتمام والمشاركة من جانب المجتمع المدني غير مسبوقين.
شاركت أكثر من 180 دولة في المؤتمر، الذي تم فيه اعتماد برنامج عمل جديد كدليل للعمل الوطني والدولي في مجال السكان والتنمية على مدى السنوات العشرين القادمة. ركز برنامج العمل الجديد هذا على العلاقة الوطيدة بين السكان والتنمية، وعلى تلبية احتياجات الأفراد في إطار معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا، بدلًا من مجرد تلبية الأهداف الديموغرافية.
ويمثل اعتماد هذا البرنامج مرحلة جديدة من الالتزام والتصميم لإدماج قضايا السكان بشكل فعال في مقترحات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث شددت خطة العمل الجديدة هذه على العلاقة التي لا تنفصم بين السكان والتنمية، وتركز على تلبية احتياجات الأفراد في إطار معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا بدلاً من مجرد الاستجابة لها.
عُقدت دورتان خاصتان للجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 1999 و 2014 لاستعراض وتقييم تنفيذ برنامج العمل المعتمد في مؤتمر عام 1994. ومنذ تاريخ انعقاد المؤتمر الخامس والحرب مشتعلة بين الحركة النسوية العلمانية وبين المؤسسات الدينية التقليدية، كالفاتيكان والأزهر وغيرهما.
بشكل عام، دعا برنامج عمل المؤتمر لعام 1994 إلى جعل حقوق المرأة وصحتها الإنجابية موضوعًا مركزيًا في جهود التنمية الاقتصادية والسياسية الوطنية والدولية. لكن الحرب لم تكن على مستوى الخطوط العامة، وإنما في التفاصيل، تلك التي لم تخض اتفاقية "سيداو" فيها، ولذلك لم تعد كافية لطموحات النسوية المعاصرة.
فعلي سبيل المثال، دعا برنامج العمل إلى ضمان حصول جميع الأشخاص على رعاية الصحة الإنجابية الشاملة، بما في ذلك تنظيم الأسرة الطوعي، والحمل الآمن وخدمات الولادة، وكذلك الوقاية والعلاج من الأمراض المنقولة جنسيًا. كما اعترف بأن الصحة الإنجابية وتمكين المرأة مترابطان وكلاهما ضروري للتقدم الاجتماعي.
وأكد برنامج العمل "أن المشاركة المتساوية والكاملة للمرأة في الحياة المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وكذلك القضاء على جميع أشكال التمييز على أساس الجنس هي أهداف ذات أولوية للمجتمع الدولي".
لم يشتبك المحافظون ورجال المؤسسات الدينية مع هذه الصياغات العامة، بل ربطوا بين ثلاثة نصوص تفصيلية رأوا في اجتماعها "مؤامرة" على الأسرة المتدينة، مسلمة كانت أم مسيحية أم غير ذلك. وتلك النصوص هي: رفض الزواج المبكر، وضرورة التثقيف الجنسي للفتيات للخوض في علاقات جنسية آمنة. كما فتحت الصياغة المرنة بابًا لمناقشة الحق في الإجهاض.
تفرق شملهم إلا عليهن!
مهما اختلف الخط السياسي للمؤسسات الدينية الإسلامية، فإنها تتفق على تمترسها ضد برنامج عمل مؤتمر السكان. فموقف دار الإفتاء المصرية بتعاقب المفتين عليها، أو موقف الأزهر بمشيخة الدكتور أحمد الطيب لا يختلف، كثيرًا ولا قليلًا، عن موقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة الراحل الدكتور يوسف القرضاوي.
وقد أصدر الأخير بيانًا بتاريخ 12 أبريل/نيسان 2015 يعرب فيه عن قلقه من تحرك لجنة السكان والتنمية بـالأمم المتحدة لتبني إجراءات، قال إنها تهدد استقرار الأسرة وتماسكها وقيم المجتمع، داعيًا الدول الإسلامية إلى رفض كل الوثائق الدولية التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
وقال الاتحاد في بيانه إن الجلسة الـ48 للجنة التي انعقدت في نيويورك في أبريل 2015، تطرح مشروع قرار يحمل مزيدًا من الضغوط لتطبيق وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان التي وصفها بأنها تتصادم بشكل صريح مع الأديان والقيم الإنسانية.
تختلف النظرة الانتقائية عن الطريقة التي ينظر بها الحقوقيون والنسويات إلى برنامج عمل مؤتمر السكان
وأبدى الاتحاد، الذي كان يرأسه القرضاوي، اعتراضه على ما تضمنه مشروع القرار من التأكيد المتكرر على تطبيق وثيقة القاهرة والوثائق ذات الصلة، دون مراعاة ما سمّاه "التباين الثقافي بين أقاليم العالم، مع استمرار ضغط الأمم المتحدة على الحكومات لسحب تحفظاتها على تلك الوثائق".
وأشار الاتحاد إلى أن مساواة النوع/الجندر التي يؤكدها القرار من أجل تحقيق التنمية المستدامة، هي في الحقيقة مطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة للوصول إلى التساوي المطلق، فضلا عن أنها مساواة بين "الأسوياء والشواذ".
ونبه إلى أن القرار "يشجع المراهقات والمراهقين على العلاقات الجنسية دون قيد سوى استخدام وسائل منع الحمل الحديثة، وذلك على حساب الزواج المبكر".
هذه النظرة الانتقائية، التي يتفق عليها رجال المؤسسات الدينية في العالم كله، تقريبًا، تختلف جذريًا عن الطريقة التي ينظر بها الحقوقيون والنسويات إلى برنامج عمل مؤتمر السكان الخامس. تلك النظرة المختلفة أنتجت خطابًا مختلفًا في عرض رؤية المؤتمر ومهمته على لسان القائمين عليه.
فالهدف من الخطة الإستراتيجية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للفترة 2018-2021، مثلًا، كان "تحقيق الإتاحة الشاملة للصحة الجنسية والإنجابية، وإعمال الحقوق الإنجابية، والحد من وفيات الأمهات لتسريع التقدم في جدول أعمال برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وذلك لتحسين حياة النساء والمراهقين والشباب بدعم من الديناميات السكانية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين ".
وهذا الهدف هو نفس هدف الخطة الاستراتيجية لصندوق الأمم المتحدة للسكان السابق (2014-2017). وأوضح صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الأدلة التقييمية أكدت أن الهدف لا يزال وثيق الصلة وأنه يمثل نقطة انطلاق فعالة للمساهمة في خطة عام 2030، وأنه مما يدعم مواجهة التحديات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في سياق الأهداف الإنمائية للألفية التي لم تتحقق.
أما الأهداف الإنمائية المقصودة، فهي:
الهدف (3) ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية للجميع في جميع الأعمار.
الهدف (4) ضمان التعليم الشامل والجيد للجميع وتعزيز التعلم مدى الحياة.
الهدف (5) تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات.
وهكذا، لا يرى رجال المؤسسات الدينية المساحة الواسعة المتفق عليها بين النصوص الإنسانية والنصوص المقدسة، ولا يكترثون للظروف والخلفيات التي أنتجت تلك النصوص التوافقية بشكل قد يصطدم جزئيًا بما يعرفونه واعتادوا عليه.
لا يرى رجال الدين خلف النصوص النسوية صور مئات الآلاف من ضحايا الاغتصاب الجماعي والفردي في الصراعات المسلحة، ولا يسمعون أصوات دق طبول الحروب الإفريقية. وإنما يتخيلون النصوص قد تم إملاؤها في ملاهٍ ليلية أوروبية وأمريكية على إيقاع الــ"هيفي ميتال". لذلك، لا يرون في مناقشة الإجهاض نساءً يرفضن أن ينجبن أولاد مغتصبيهم، بل يتوجسن من نساء رفضن الزواج المبكر وفشلن في إقامة علاقات جنسية آمنة، فيريدون أن يعاقبوهن مرتين.
فمتى تبنى جسور التفاهم بين طرفي الثنائية؟ ومتى ينبغي لصاحب كل أرضية وكل خلفية أن يتمايز ويستمسك بمرجعيته؟ هذا ما يستحق شيئًا من البيان...