وقفت إنجي في مطبخها بإحدى المدن الجديدة في ضواحي القاهرة، وبدأت جزءًا من روتينها الجديد؛ تدميس الفول، وعمل عجينة الطعمية لإفطار يوم الجمعة.
إنجي إبراهيم، زوجة وأم لطفلين، كانت قبل عامين تشتري الفول والطعمية، لكنها منذ الأزمة الاقتصادية باتت تتجه للأكل البيتي. غير أنها لا ترتاح لتحول الأمر إلى ترند بوصفات غير صحية في الريلز "أكتر الحاجات الحزينة والخطر اليومين دول وعمالة تنتشر جدًا، الستات اللي مغرقين فيسبوك ويوتيوب وصفات بدائل للحمة والفراخ.. والناس ماشيين وراهم للأسف بسبب الجنون اللي إحنا عايشين فيه ده. دي حاجة حزينة أحزن من الفقر نفسه".
الآثار السلبية للتعويمات المتكررة للجنيه، وحرب أوكرانيا، وصلت بأسعار اللحوم والدواجن إلى مستويات قياسية، ووصل رقم التضخم الأساسي لأسعار المستهلكين إلى 40.3% في مايو/أيار 2023.
لحم مفروم من قوانص الدجاج
مع ارتفاع الأسعار تلجأ الأسر، خاصة النساء، إلى إيجاد الحلول لتعويض البروتين المطلوب لأفراد الأسرة، مع صعوبة الحفاظ على نمط التغذية. وبدأ الإنفلونسرز على السوشيال ميديا تقديم فيديوهات تقدم حلول على شاكلة خلط اللحم المفروم بالخبز المبلل أو البقسماط الناعم أو الدقيق، أو صناعة اللحم المفروم عن طريق فرم قوانص الدجاج أو فول الصويا.
وطبقًا لجامعة هارفارد، فإن طبق الطعام المتوازن للكبار والصغار يجب أن يتكون نصفه من الخضروات، والربع من البروتين الصحي، والربع الأخير من الكربوهيدرات، التي يفضل أن تكون معقدة.
ولكن ما يحدث نتيجة لهذه الحلول هو تقليل كمية البروتين لصالح الكربوهيدرات البسيطة في أغلب الأحوال، مثل الأرز والمكرونة والدقيق الأبيض. والتي تزيد من نسبة السكر في الدم بشكل سريع وتخل بتوازن الأنسولين، بما يؤدي لتأثيرات سلبية منها السمنة والسكري من النوع الثاني وتراكم الدهون على الكبد.
أين التوازن؟
تقول إخصائية التغذية إيريني أكرم، إن زيادة كمية الكربوهيدرات لتعويض نقص البروتين أمر خاطئ للغاية، ويؤدي لعدم توازن النظام الغذائي، فالجسم يحتاج إلى نسب محددة من المجموعات الغذائية المختلفة.
يحتاج معظم البالغين إلى حوالي 0.75 جرامًا من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميًا، أي حوالي 56 إلى 91 جرامًا من البروتين للرجل العادي، و46 إلى 75 جرامًا للمرأة العادية، بحسب موقع ويب طب.
أما بالنسبة للأطفال، وبحسب موقع الطبي، تحدد نسبة البروتين المطلوبة حسب العمر، فيحتاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 9 سنوات إلى 19 جرامًا من البروتين يوميًا، مقابل 34 جرامًا. لمن تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عامًا.
ترى إيريني في حديثها مع المنصة أن بعد زيادة الأسعار أصبح من الصعب تحقيق هذا التوازن، والاتجاه للبدائل لا يجب أن يعني استخدام مجموعة غذائية لتعويض نقص مجموعة غذائية أخرى، مثلما يحدث في الوصفات غير الصحية التي يُروج لها مؤخرًا، والتي تسبدل الكربوهيدرات بالبروتين.
يمكن استخدام بروتين نباتي كبديل للحيواني، أو المزج بين أنواع البروتين النباتي المختلفة، مثل طبق الكشري الذي يحوي أنواع عدة من البروتين النباتي، بما يمثل وجبة متكاملة، "لدينا عدس وحمص، ولكن في هذه الحالة سنحتاج إلى تعويض فيتامين ب 12 الموجود في البروتين الحيواني، والمتواجد بنسب بسيطة للغاية في البروتينات النباتية، عن طريق استخدام المكملات الغذائية"، تقول إيريني.
تشرح إيريني للمنصة ضرورة تنويع أنواع البروتين النباتي للجسم، موضحة وجود 20 نوعًا من الأحماض الأمينية، التي يمكن للجسم استخدامها لبناء البروتين. من بين هذه الأحماض الأمينية العشرين، هناك 9 ضرورية، ولا يمكن للجسم إنتاجها بنفسه. يحتوي البروتين الحيواني على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة بكميات كافية.
وتضيف "النباتات أيضًا تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة. ومع ذلك، إلى جانب بعض الاستثناءات القليلة، تقدم معظمها عادةً كمية محدودة من حمض أميني أساسي واحد على الأقل، ويمكن تجاوز ذلك بتناول مجموعة متنوعة من البروتينات النباتية، فلا يمثل ذلك مشكلة".
تشير إيريني لوجود معتقد سائد لدى كثيرين بأن الكربوهيدرات البسيطة، مثل الأرز والمكرونة والخبز، هي السبيل الوحيد للشعور بالشبع، وبالتالي من السهل حلولها محل البروتين، لكن هذا غير صحيح، بل البقوليات هي التي يمكنها توفير البروتين النباتي.
ويمكن تقديم وجبات صحية، ومغذية في الوقت ذاته، قليلة التكلفة نسبيًا، على سبيل المثال 50 جنيه لكل فرد، تنصح إيريني"بتقسيم الطبق إلى ثلاثة أثلاث متساوية، ثلث من الخضروات، وثلث من الكربوهيدرات، والثلث الثالث من البروتين، ويمكن استخدام بروتين أرخص إلى حد ما، مثل الجبن القريش، أو البيض، أو البقوليات بأنواعها المختلفة".
ولكن "المشكلة مش في زيادة أسعار اللحوم بس"، كما تقول إنجي "البقول والخضار كمان زادت كتير"، وهي تحاول تدارك ذلك بتقليل المصروفات "غير الفول والطعمية، بدأت أجرب أعمل الطحينة والحلاوة الطحينية والشوكولاتة السبريد، فغلو الأسعار جاي مع نقص الجودة، فبقيت أدفع أضعاف مع تغذية سيئة بالفعل، وبقيت ببشَّر بصناعة المنتجات في البيت، لأن ده من وجهة نظري الحل المنطقي دلوقت".
وجدت إنجي نفسها بين نارين، إما اللجوء للوصفات غير الصحية، أو بذل مجهود إضافي لصنع أطعمة في المنزل، فاختارت العبء البدني "مبقتش قادرة أشتري أكل جاهز، ولا نُص الجاهز اللي كان بيختصر كتير من الوقت الضايع في المطبخ. لكن في النهاية أنا سعيدة باختياري، رغم إنه اختيار شبه جبري".