عندما اضطرت منة زين النزول إلى الشارع في صباح رمضاني من العام الماضي، شعرت بأن "ضربات قلبي كانت سريعة طول السكة وجالي ضيق تنفس ومابقيتش قادره أفتح عيني أو أحرك أطراف جسمي".
في ذلك اليوم كانت منة تعاني من أعراض دورتها الشهرية، "كنت رايحة مصلحة حكومية وما شربتش غير بُق مياه أخدت بيه مسكن قبل ما أمشي، والمفروض أكون واكلة أصلًا بس متقيدة بمواعيد، وقلت هبقى أجيب حاجة آكلها ومش هيحصل حاجة، حتى أبقى آكلها مثلًا فِ حمام أو فِ مطعم أو أي مكان مقفول".
بعد الخروج من منزلها ومع إغلاق معظم المطاعم وعدم توافر أي فرصة لتناول الطعام أو الشراب، اشتد التعب على الفتاة التي كان عمرها 22 سنةً، وتعرضت لهبوط شديد أثر على قدرتها على تحريك قدميها ولسانها، إلى أن تمكنت من الوصول إلى منزل والدتها بصعوبة.
"كنت لوحدي وعرقانة طول الطريق ودايخة وعماله أدعي إني مش أقع ف الشارع، وأول ما شفت بوابة بيتنا كان معايا المفتاح مش طلعته وقعت ع السلم وفضلت أنادي على ماما لحد ما فتحت لي"، تروي منة.
لا تعرف منة إن كان ذلك بسبب اضطراب أو مرض ما، لكنها مع كل دورة شهرية تعاني من نزيف غزير إلى درجة تضطرها لاستخدام فوطتين صحيتين في المرة الواحدة. كذلك مع كل دورة تواجه آلامًا شديدة مصحوبة باضطرابات في القولون والمعدة وميل للقيء، إضافة إلى صداع شديد ورعشة في الأطراف.
في ظل اعتبار أي إشارة تصدر عن المرأة بشأن دورتها الشهرية سببًا للوصم، تتجنب كثيرات التطرق إلى هذا الموضوع
لذلك فإن منة تحتاج إلى عناية خاصة وتغذية سليمة في أوقات الحيض، وإلا قد يسوء الأمر إلى درجة أنها قد تضطر إلى الحاجة "لمحاليل وماسك أكسجين بدون مبالغة لأني بيجيلي ضيق تنفس شديد في العموم فجأة وبدون مقدمات لكن ساعة البيريود (الدورة الشهرية) بيبقى إجباري".
تضيف الشابة أنه إن كان في وسعها التعامل مع كل تلك الأعراض في الأوقات العادية، فهي لا تقدر على ذلك في أوقات الصيام التي يصبح الضغط عليها مضاعفًا "مفيش بُق مياه... مفيش حاجه مسكّرة تديني طاقة.. معرفش آخد مسكنات برة لو تعبت فجأة". عدم توافر الحرية لاستخدام الموارد التي تساعدها في وقت الحيض يجعل تجربتها أكثر قسوة "بتخلي دماغي تفصل ولو مش معايا حد ممكن أقع ف الشارع عادي أو أخبط ف حيطة".
ضرورة التظاهر وخطورته
على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تتيح للمرأة الصائمة الإفطار أثناء دورتها الشهرية، فإن نساء عدّة يضطررن إلى "التظاهر بالصيام" في أوقات الحيض. فمع حلول شهر رمضان من كل عام، يواجهن الدعوات إلى عدم المجاهرة بالإفطار، تصل حد الانتقادات والوصم إذا ما حاولت إحداهن تناول الطعام أو الشراب أثناء النهار.
"لحد ما كبرنا العيلة عندنا ستاتها بياكلوا ف الخبيني وعلمونا نعمل ده. ومجرد إن حد يعرف إننا فاطرين أصلًا بنحس إننا عاملين مصيبة"، تقول منة مفسرة ذلك بالنظرة المجتمعية إلى الحيض على أنه "وصمة" لا بد من إخفائها ولا يجدر الحديث عنها.
"بغض النظر عن إنها حاجة بيعتبروها عار مع إنها رخصة، أنا برضه بحس إني مسؤولة عن كل الناس اللي برة وده مش منطقي ومش صح"، تضيف مستنكرة إجبار النساء على عدم الجهر بالإفطار أثناء دورتهن الشهرية من أجل "مراعاة مشاعر الناس" في حين أن العكس ليس صحيحًا.
يؤثر امتناع المرأة عن تناول الطعام والشراب لفترة طويلة أثناء الدورة الشهرية عليها بالسلب. فحسب دراسة منشورة في المكتبة الوطنية للطب NIH التابعة للمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية NCBI بالولايات المتحدة بعنوان "هل صيام رمضان يؤثر على الدورة الشهرية؟"، فإن الصيام الجاف لساعات وأيام طويلة يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الدورة الشهرية للنساء تشمل الطمث المضطرب والطمث المتكرر والطمث الغزير.
كما أثبتت الدراسة التي أجريت على عينة من 80 مشاركة، أن اضطرابات الدورة الشهرية تصل إلى ذروتها خلال شهر رمضان، ثم تنخفض خلال الثلاثة أشهر التالية لكنها لا تعود إلى حالتها السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المشاركات اللاتي صمن أكثر من 15 يومًا متتالية من فترة الحيض شهدن اضطرابات أكثر ممن صمن أقل من 15 يومًا.
العذر الشرعي ليس كافيًا
لا تختلف تجربة رنا حسن التي تبلغ 32 سنة كثيرًا عن قصة منة، إذ كانت تعاني في فترة من حياتها من ورم ليفي في عنق الرحم قبل أن تجري جراحة لإزالته، مما كان يسبب لها نزيفًا شديدًا أثناء الدورة الشهرية في الوقت الذي كانت تعمل فيه كمعلمة في مدرسة دولية.
وعلى الرغم من انتهاء السنة الدراسية، فإن الحضور كان إجباريًا، بالتالي الصيام أيضًا، لأن زملاءها في المكتب كانوا جميعًا من الرجال، ما يجعل الأمر "محرجًا" بالنسبة لها.
وفي ظلّ اعتبار أي إشارة تصدر عن المرأة بشأن دورتها الشهرية سببًا للوصم، تتجنب كثيرات مثل رنا التطرق إلى هذا الموضوع. ومن ضمن الإشارات التي تفصح عن مرور امرأة ما بدورتها الشهرية، هو إفطارها "العلني" في رمضان.
لذا، تضطر الكثيرات إلى التظاهر بالصيام لتجنب التعرض لتلمحيات غير مرغوبة أو انتقادات بذريعة "إذا بليتم فاستتروا" التي تواجهها النساء في كثير من الأحيان.
وكشفت التعليقات الغاضبة على دعوة دار الإفتاء لعدم الحكم على المفطرين والمفطرات في رمضان "فربما لديهم أعذار ورُخَص"، أن الرخصة الشرعية ليست كافية بالضرورة لكسب رخصة المجتمع، الذي بدا أنه يرفض على نطاق واسع إتيان النساء رخصهن الشرعية في العلن.
"كنت بستحمل الجوع والصداع والإرهاق وطبعًا النزيف ومكانش فيه فرصة أكل في الفصول أو في حتة تانية لأن المكان كان أغلبه كاميرات". كانت رنا تضطر إلى الدخول إلى الحمام من أجل تناول الطعام وقت الحيض أو زيارة غرفة الممرضة التي كانت على علم بحالتها الصحية وكانت تساعدها في حقن وقف النزيف. تقول رنا إن الوضع لم يكن مريحًا بالنسبة لها حيث كانت تشعر بأن عليها إخفاء ظرفها الصحي.
اعتادت الشابة أن تنتظر اللحظات التي يخرج فيها زملاؤها من المكتب لأي سبب فتلجأ إلى كولدير الماء لتشرب وتتناول أدويتها "خلسة" و"بسرعة" حتى لا يباغتها أحد. "لو حد دخل ومكانش عارف ظروفي وإني متاح إني أفطر عادي كنت بلاقي نظرات استغراب على لوم على أوقات احتقار".
"لنفترض جالي إغماء بسبب حالة التعب والنزيف مع عدم التغذية وكمان الفترة دي كان عندي أنيميا حادة وكان لازم آخد أدوية حديد كمان وأدوية كتير لوقف النزيف"، تضيف رنا التي تعتقد كذلك أن زملاءها كانوا على علم بأنها لا تصوم في تلك الأيام بسبب ملاحظة الطعام الذي تحمله في حقيبتها.
لم تسلم رنا من نظرات الريبة التي طاردتها من زملائها إلى أن ألمح لها أحدهم عن نقصان المياه في الكولدير فأخبرته عن حالتها الصحية بحدّة، بينما لا تزال منة تحاول تجنب مغادرة بيتها في أيام دورتها الشهرية في رمضان، في انتظار مجتمع أكثر تفهّمًا لما قد يمر به الآخرون.