لم يلتق سيجموند فرويد مع حودة الهباش المعروف بين أصدقائه على فيسبوك من خلال حساب كارلوس كارلوتشي. لكن عالم النفس الأشهر، على الرغم من وفاته عام 1939، تمكن من وضع بعض الملامح الهامة لشخصية الهباش الذي ولد في بدايات الألفية الثالثة.
يتكرر ظهور حودة وأصدقائه على صفحات فيسبوك في إطار هجمات شرسة على صفحات أعداء الإسلام. بمجرد قراءة أية كلمات مفتاحية عن الثوابت مثل "الشيخ الشعراوي"، "الشيخ عبد الله رشدي"، أو "الحجاب"، في معرض النقد أو الاعتراض أو مناقشة الأفكار.
يكرر حودة في تعليقاته، وبعد وصلات السب والشتم بالأب والأم والأعضاء التناسلية، أنه "يحب الصالحين وليس منهم"، بل ويعترف بأنه ليس متفقهًا أو دارسًا أو حتى ملمًا بالدين وأصوله، ولا يحافظ بالضرورة على الصلوات والفرائض. يؤكد حودة أنه، رغم هناته البشرية الواضحة، فهو على الأقل ملتزم بالدفاع عن دينه، ولا يمكن أبدًا أن يرتكب خطيئة تلبيس الحق بالباطل، أو القول بتحليل ما حرم الله. "أنا عارف إني باعمل حاجات غلط بس عمري ما باقول إنها صح أو حلال".
"الشقط" والدفاع عن الدين بحساب واحد
موقف حودة من المرأة يثير الاهتمام. لأنك لو فحصت حساب كارلوس كارلوتشي الذي يستخدمه في الهجوم على أعداء الدين، ستكتشف أنه حساب "بروحين". فهو حساب مجهل يسمح لصاحبه بالذود عن الدين الحنيف، كما يعطيه الفرصة في الوقت ذاته "للشقط" أو للاشتراك في صفحات ومجموعات لعرض صور العاريات غير الكاسيات.
تضم قائمة أصدقائه ومتابعاته صفحات مثل "أحلى صبايا"، "مقاطع ساخنة بلوتوث"، "مقابلات كاش"، "أنا في انتظارك".. وغيرها. لا يتعارض ذلك في ذهن حودة مع تدينه البادي في نشر الأدعية والأحاديث وصور الكعبة من حين لآخر، وهو ما يدعمه بالتأكيد الدائم على مبادئ الدين الحنيف.
في الفضاء الافتراضي يعيش حودة حياته موزعًا بين مواقع الأفلام الجنسية، وصفحات "كارهي الدين". يسيل لعابه على صور عاريات غير كاسيات، ويسهم بفاعلية في دعم قضايا العفة والحشمة وتأكيد قوامة الرجل ومسؤوليته عن شرف كل من حوله من نساء وإلا صار "ديوثًا"، والمشاركة في غزوات سب "النسويات" الداعيات للعهر والانحلال.
أما في الواقع الحقيقي، فحودة مشروع متحرش أو متحرش نشط. ممارساته تأتي في إطار الانتقام من "غير الملتزمات"، أو من أجل اختبار الملتزمات للتأكد من مدى التزامهن. يسعى حودة للتعرف على أية فتاة ومصادقتها، ويبذل في ذلك مجهودًا كبيرًا. ولو حالفه الحظ وسقطت إحداهن في شباكه، سيجتهد أكثر من أجل الحصول على حضن أو قبلة أو بعضًا من "النودز"، وعندما "يفضحها" وسط معارفه وأصدقائه لن يساوره أي قدر من تأنيب الضمير.
وعندما تبدأ ضحيته في القلق أو التذمر أو تسعى للانفصال سيكون أول من يسعى لابتزازها أو لتشويه سمعتها عقابًا لها. هي خاطئة وخطيئتها تلوث الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم. أما هو فيعترف بأنه مخطئ. والمخطئ كما نعلم، له أجر واحد وليس أجرين، وهذا في حد ذاته يكفي جدًا!
عندما تتوفر الظروف لحودة، سيسعى للبحث عن عروس مناسبة. النسوة اللائي تطبعن زمنًا على الرغبة، ومن ارتبط بهن بخيالات جنسية عاش عليها منذ لحظات المراهقة الأولى، لا تصلحن بالطبع للحياة الأسرية التي يطمح إليها، فهن عاهرات أو ما يشبه ذلك.
هاتيك النسوة لم يكن لهن في خياله دور سوى الإشباع الجنسي، وهو أمر لو تعلمون حقير. أما شريكة الحياة فلا بد أن تكون عنوانًا للطهر ونموذجًا للتقوى. لا ينبغي أن تقل طهرًا ونقاء عن أمه وأخته. وبعدما يكتب الكتاب ويعلي الجواب ويغلق عليه وعليها باب واحد سيكتشف حودة أنه عاجز عن الإحساس بالرغبة. فقد تزوج الطاهرة الشريفة التي اختارها لبعدها عن كل مظاهر الدنس والرذيلة.. التي يحبها.
قديسات فرويد وعاهراته
هنا نعود لعالم النفس فرويد الذي كتب في مطلع القرن الفائت عن عقدة "العاهرة والقديسة". إذ لاحظ على عدد من مرضاه عجزًا عن الجمع بين مشاعر الحب، ورغبات الجنس. المرأة التي يحبونها ويرغبون في الارتباط بها هي بالطبع امرأة "جيدة". ولأنها كذلك فلا ينبغي لها أن تشعر بالرغبة أو تعبر عنها. ليست بالتأكيد مثل أولئك المارقات الشبقات الشغوفات بالجنس أو الراغبات فيه والمستعدات دومًا له، وبدوره لا يصح أن يعاملها كما لو كانت منهن.
في مجتمعنا وفضاءاتنا تبرز شخصية حودة: الفلاتي الملتزم، الذي يعيش في مأمن بيننا لأن نمطه السلوكي الشاذ محل قبول مجتمعي عام
في قرارة نفس ذلك الرجل، الجنس سلوك "حيواني" وضيع. وهو لهذا يقسم المرأة إلى صنفين: امرأة يحترمها ويقدرها ويسعى للارتباط بها لأنه يقدرها ويقدر خصائص الطهر الأمومية التي تتمتع بها، وأخرى جذابة وشهوانية، لكنه يحتقرها ويحتقر شهوته فيها.
التصورات الأولى لتلك العقدة في المدرسة الفرويدية يراها البعض إشكالية فردية تخص رجالًا تربوا على أيدي أمهات أفرطن في حمايتهم وقصرن في إعطائهم مشاعر الحب والحنان، وهو ما يعتقدون أنه يزيد من سطوة الميول الجنسية المحرمة والمكبوتة نحو الأم التي يحاول الرجل تعويضها بالارتباط بنساء يشعرنه بالأمومة، لتعويض مشاعر الحنان المفقودة في الطفولة.
فيما يرى آخرون أن الموضوع أكثر عمومية وشمولًا وينشأ بسبب شيوع التصوير الفني والديني للمرأة في الفن والأدب والأساطير الدينية كواحدة من اثنتين: القديسة الزاهدة، أو الأنثى المغرية الشبقة. وهو ما قد يفسر برودة الرجل تجاه زوجته بعد الإنجاب وتحول المرأة فعليًا إلى أم بما يؤطرها في نظره داخل ذلك المربع المقدس الذي يصعب اشتهاء من فيه.
عقدتنا وعقدتهم
تنطلق نظرية فرويد من أرضية مجتمعية وسلوكية مختلفة ولذا فهي لا تتطابق بالضرورة مع حودة الذي أتى بعد فرويد بأكثر من قرن، ولا مع ممارسات مجتمعه ومنطلقاتها الفكرية والعقائدية والتراثية. الوضع لدينا مختلف. التضاد في ثقافتنا ليس مواجهة بين الحب والجنس.
عندنا يتماهى الاثنان لا ليضفي الحب مشروعية للجنس بل ليتدنس به، ويصبح الاثنان في فصام مع مفهوم آخر هو الارتباط أو الزواج. الحب شيء والزواج شيء آخر. منطلقاتهما تختلف، والجمع بينهما شبه مستحيل. وهو ما يفسر شيوع مقولة "اللي تحبها (أو تمشي معاها) ما تتجوزهاش! وتتضح إشكاليات التصور الأمومي أكثر عندما يضيف أحدهم "حب إيه يا عم.. دي هتبقى أم أولادك".
فارق آخر هام بين عقدتنا وعقدتهم هو غياب ذلك العنصر البصري التراثي الذي يشير إليه الفرويديون والمرتبط بتصوير المرأة بهاتين الهيئتين المتناقضتين ظاهريًا في الرسوم الكنسية والتراث المسيحي: "العاهرة والقديسة". لا يوجد لدينا تراث بصري بهذا الشكل وحودة لا يعرف شيئا عن الفن التشكيلي ولم يتابع تطور الفن في عصر النهضة.
عوضًا عن ذلك سنجد أن حودة غارق في تراث شفهي ربما يكون أكثر تأثيرًا ووطأة يسهم في توسيع الهوة بين صورتي المرأة لتكون في إحداهما تجسيدًا لكل معاني الأنوثة والرغبة والشبق والرذيلة ممثلة في "العاهرة" أو بالأحرى الـ*موطة، وفي الأخرى خلاصة التفاني والإخلاص والعفة والطهر وانعدام الإحساس بالجنس ممثلة في القديسة أو الأم. تدعم هذا كله ثقافة حدية تخلو من الألوان والظلال والتباينات، يصدر فيها النور ساطعًا مقابل الظلام، والحق مقابل الباطل، والخير مقابل الشر، والروح مقابل الجسد، وأخيرًا.. الأم القديسة مقابل الأنثى الشبقة الـ*موطة.
الفلاتي الملتزم
في مجتمعنا وفضاءاتنا تبرز شخصية حودة: الفلاتي الملتزم، الذي يعيش في مأمن بيننا لأن نمطه السلوكي الشاذ محل قبول مجتمعي عام. النفاق الذي يمارسه لا يعتبر مشكلة، طالما أنه لا يحلل الباطل ولا يروج للرذيلة بل يمارسها فقط، على أمل توبة مرجوة لاحقًا.
إحباطات حودة وعجزه عن الاستمتاع برغباته بما يتسق مع قناعاته الظاهرية، يتسبب في تشوه نفسي يحيل إحباطه إلى عنف يمارسه في الفضاءات المحيطة به. من المنزل إلى الشارع وحتى فضاءات العالم الافتراضي في صفحات فيسبوك وغرف الكلوب هاوس.
في كل فرصة سيحاول الانتقام من هذه المرأة التي عجز أمامها تمامًا وسيسعى لأن يغسل ذنوب بحثه الدائم عنها على الصفحات والمواقع الساخنة، بحسنات الدعوة للفضيلة ونشر الأدعية والصلوات على صفحته. سيسب المخالفين ويطاردهم، وينشر أسماءهم وأسماء أقاربهم وعناوينهم، ويفضح كل من يتمكن من الوصول إلى بياناته ممن يعتقد أنهم ملحدون أو مثليون أو معادون للدين والرسول. هذه كلها ستأتيه بأطنان من الحسنات، وهن بالطبع يذهبن السيئات. أما هو، فيظل رجلًا يحب الصالحين، رغم أنه بالقطع ليس منهم.