أعلنت وزارة الري فتح مفيض توشكى لاستيعاب زيادات "غير منضبطة" في كميات المياه الواردة من سد النهضة، محذرة من استمرار "النهج العشوائي" لأديس أبابا في إدارة منشأة بهذا الحجم على نهر دولي.
وأكدت الوزارة، في بيان أمس السبت، أن إثيوبيا خفضت أولًا الكميات المنصرفة من السد لزيادة التخزين ورفع المنسوب، ثم أعادت تصريف المياه لاحقًا بشكل مفاجئ وبكميات تفوق الحاجة الفعلية، بدلًا من تصريفها تدريجيًا وفقًا للقواعد الفنية السليمة.
وأضافت أن هذه التصرفات المتتابعة تعكس "غياب الضوابط الفنية والعلمية في تشغيل السد الإثيوبي؛ بما يعرض مجرى نهر النيل لتقلبات غير مأمونة التأثير".
وجددت مصر التحذير من خطورة استمرار الإدارة الأحادية للسد، وما يمثله ذلك من تهديد لحقوق ومصالح دولتي المصب، موضحةً أن هذه التصرفات تؤثر مباشرة على تشغيل السدود الواقعة خلف السد الإثيوبي، التي تضطر لاتخاذ إجراءات تحفظية لاستيعاب هذه التغيرات المفاجئة وضمان التشغيل الآمن.
وأكدت وزارة الري أن هذه التطورات أدت إلى تأجيل استكمال أعمال رفع القدرة التصريفية لقناة ومفيض توشكى، وهي جزء من خطة التطوير الشاملة للمنظومة المائية.
وأشارت وزارة الري إلى "تقلبات حادة" في التصرفات المائية، لافتةً إلى تصريف نحو 485 مليون متر مكعب يوم 10 سبتمبر/أيلول الماضي، عقب ما سمي بافتتاح السد، ثم قفزت الكميات إلى 780 مليون متر مكعب أواخر الشهر نفسه، ما خفّض منسوب البحيرة قرابة متر، ما يعادل نحو ملياري متر مكعب تقريبًا.
وأضافت أنه رغم التوقعات باستمرار الانخفاض التدريجي للمنسوب من 640 إلى 625 مترًا بنهاية العام المائي، أغلقت إثيوبيا مفيض الطوارئ في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فانخفضت التصريفات إلى ما بين 139 و160 مليون متر مكعب يوميًا، ثم أعادت رفع التصرفات مع صعود المنسوب ليقترب من 640 مترًا؛ مما دفع أديس أبابا لفتح المفيض المخصص للحالات الاستثنائية، وإطلاق نحو 320 مليون متر مكعب يوميًا لمدة 10 أيام.
وتابعت "أغلقت إثيوبيا المفيض مرة أخرى في 31 أكتوبر، واستقرت التصريفات خلال الفترة من 1 إلى 20 نوفمبر عند متوسط 180 مليون متر مكعب يوميًا، بزيادة تقارب 80% عن المتوسط التاريخي لنفس الفترة البالغ نحو 100 مليون متر مكعب يوميًا".
ومن جانبه، قال مصدر مسؤول بوزارة الري لـ المنصة إنه جار العمل منذ شهور على توسيع وتطوير مفيض توشكى لزيادة قدرته الاستيعابية تحسبًا لأي طوارئ، بالتزامن مع إزالة التعديات على مجرى النيل ضمن حملة "ضبط النهر".
وأضاف المصدر، طالبًا عدم نشر اسمه، أن وزارة الري تراقب عن كثب الإجراءات كافة في سد النهضة باستخدام صور الأقمار الصناعية ونماذج رياضية حديثة بما يوفر رؤية استباقية تمكن من اتخاذ القرار المناسب في الوقت الصحيح.
وشدد المصدر على أهمية الحفاظ على المياه في بحيرة السد العالي عند مستوى آمن، يتبعه تصريف المياه الزائدة حفاظًا على سلامة المنشأ، منبهًا إلى أن وصول كميات كبيرة من المياه في توقيت غير معتاد يقلل من فرص الاستفادة منها بشكل أكبر.
ولفت إلى تمرير المياه الزائدة إما إلى المجرى المائي أو عبر مفيض توشكى، وفق عدد من المعطيات الفنية.
نبه المصدر إلى أن الوزارة تملك إحداثيات دقيقة لأراضي طرح النهر كافة، وتعلم أي منها معرض للغمر إذا زادت كمية المياه المنصرفة عند درجة معينة.
وأضاف أن أراضي طرح النهر جزء من مجرى نهر النيل وغير مسموح بالبناء عليها، وأن الوزارة خاطبت المحافظات النيلية لمطالبة المواطنين بإخلاء هذه المناطق حفاظًا على سلامتهم.
وأكد المصدر أن الوزارة توثق التصرفات الإثيوبية العشوائية كافة في إدارة السد، لتكون جاهزة لمتطلبات الدولة المصرية وقتما أرادت.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت مصر انتهاء المسارات التفاوضية بشأن سد النهضة، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر.
ومطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتاحت فيضانات غير مسبوقة السودان، تزامنًا مع فتح إثيوبيا "بوابات الطوارئ" في مفيض سد النهضة، ما تسبب في إعلان الإنذار الأحمر بـ6 ولايات شملت العاصمة الخرطوم والنيل الأبيض وسنار والنيل الأزرق، حيث تأثرت القرى والمناطق الزراعية والمناطق السكنية.
وفي الشهر نفسه ارتفعت مساحة أراضي طرح النهر المغمورة بمياه النيل في محافظتي المنوفية والبحيرة إلى 1261 فدانًا، فيما تواصل الأجهزة التنفيذية تقديم جهود الإغاثة للأسر المتضررة.
وأوضحت وزارة الري في بيان وقتها أن أراضي طرح النهر جزء من مجرى النيل، وأن ارتفاع منسوب المياه فيها أمر طبيعي خلال فصل الصيف، لكنها اتهمت إثيوبيا كذلك بافتعال فيضان صناعي بسبب الإجراءات الأحادية غير المنضبطة في إدارة سد النهضة، ما أغرق أراضٍ في السودان وزاد كمية المياه الواصلة إلى السد العالي خلال فترة زمنية قصيرة.
بعدها، قال السيسي خلال كلمة مُسجلة في الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي "أمام النهج غير المسؤول الذي تتبعه إثيوبيا في ما يتعلق بنهر النيل"، وستتخذ كل التدابير لحماية مصالحها وأمنها المائي.
في المقابل، أعلنت الحكومة الإثيوبية رفضها "القاطع" لاتهام السيسي، مؤكدة حقها السيادي في استخدام مواردها المائية، ومشددة على أن النيل "ليس ملكًا لدولة واحدة، بل هو مورد مشترك يجب أن يكون مصدرًا للتعاون لا التهديد".
وفي مارس/آذار 2024 أقرّ وزير الري هاني سويلم بتأثر مصر بسد النهضة، لكنه أكد أن "الدولة المصرية قدرت تتعامل معاه بتكلفة ما"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن "اتفاقية إعلان المبادئ بتقول لو تسبب السد في أضرار لدول المصب، فيه ثمن لازم يندفع، ولازم مصر هتطالب به في يوم من الأيام".
وتعاني مصر عجزًا في المياه، إذ تتمثل احتياجاتها نحو 114 مليار متر مكعب سنويًا، فيما تتراوح الحصة المتوافرة تتراوح بين 60 و61 مليار متر مكعب سنويًا، من بينها 55.5 مليار متر مكعب حصة مصر من مياه النيل.