يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، اليوم، جلسة لاعتماد التقرير النهائي للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر/UPR، بعد تسليم الحكومة المصرية ردها وملاحظاتها التي تلقتها خلال جلسة المراجعة التي انعقدت في يناير/كانون الثاني الماضي.
وكانت 137 دولة تقدمت لمصر بأكثر من 370 توصية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في جلسة انعقدت في 28 يناير الماضي.
وغطت التوصيات طائفة واسعة من القضايا، كالتعذيب وتدوير المحبوسين والاعتقال السياسي والإخفاء القسري وسن القوانين المعيبة بشأن الإجراءات الجنائية واللجوء والجمعيات وملاحقة الصحفيين والحقوقيين والانتقاص من حقوق النساء وتراجع الإنفاق الاجتماعي.
ودمج التقرير النهائي للمراجعة التوصيات المتشابهة ليصبح عددها النهائي 343 توصية مجمعة.

الحكومة تنفي وجود سجناء نتيجة لممارستهم لحقوقهم مثل حرية التعبيروقدمت الحكومة المصرية مذكرتها للرد على توصيات المراجعة في يونيو/حزيران المنقضي، ووفقًا لمذكرة الرد المصري، قررت الحكومة أن تقبل كليًا 264 منهم (بنسبة 77%)، وأيدت جزئيًا 16 توصية (بنسبة 5%) وأحاطت علمًا، أي رفضت، بـ62 توصية (بنسبة 18%).
وفي بيانها مساء الثلاثاء، عشية اعتماد التقرير النهائي للمراجعة الأممية، قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنها "تأسف لكون ردود الحكومة على التوصيات لم تختلف كثيرًا عن أدائها في جلسة المراجعة، إذ تجاهلت الواقع الواضح بجلاء للجميع، لتستمر في رسم واقع مواز حققت فيه الدولة إنجازات عديدة في مجال حقوق الإنسان، مع ادعاء وجود ضمانات ليس لها وجود في الواقع، ووصف عدد غير قليل من التوصيات بأنه مطبق بالفعل"، مؤكدة أن "الحكومة مصرة على سياسات إنكار أزمة حقوق الإنسان".
وبينما أشادت المبادرة المصرية بإقدام أغلبية أعضاء المجلس الأممي بتقديم توصيات تناولت معظم جوانب أزمة حقوق الإنسان في مصر، شددت في الوقت نفسه على مسؤولية الحكومة المصرية "أن تُحوّل خطابها المنفصل عن الواقع إلى خطوات عاجلة نحو إنهاء انتهاكاتها الجسيمة والمنهجية، وواسعة النطاق، والتي صارت تطال كافة قطاعات المجتمع المصري"، وفق البيان.
في قراءتها للرد المصري على التوصيات، أشارت المبادرة إلى اتجاه الحكومة هذه المرة إلى عدم الرد على أي توصية بالرفض، على غرار المراجعات الثلاث السابقة، واستعملت بدلًا من ذلك صيغة "أحيطت علمًا" للإشارة لكل "التوصيات التي لم تقبلها وبالتالي لا تلتزم بتنفيذها".
وبررت الحكومة رفضها العديد من التوصيات بوصفها ”لا يمكن لمصر تنفيذها في المرحلة الحالية لعقبات دستورية وقانونية، أو لتعارضها مع منظومة القيم الوطنية، أو احتوائها على معلومات غير دقيقة".

الحكومة تنفي الاستخدام المفرط للاحتجاز قبل المحاكمةوحسب قراءة المبادرة "لا يمكن فهم كيف تتعارض هذه التوصيات مع الدستور المصري، حيث تشمل التصديق على اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والبروتوكول الخاص باتفاقية منع التعذيب، واتفاقية منظمة العمل الدولية ضد العنف والتحرش في مكان العمل، وغيرها".
وهو ما اعتبرته المبادرة "يشكل استمرارًا لنهج ثابت تبنته الحكومة المصرية منذ استعراضها الدوري الأول في 2010 وهو رفض أي التزام دولي إضافي، خصوصًا في حالة البروتوكولات والاتفاقيات التي تتضمن آلية لتلقي شكاوى أو إخضاع لمراقبة دورية".
"في رفضها مجموعة أخرى من التوصيات خلف عبارة أحيطت علمًا، تدعي الحكومة المصرية أن قانون الإرهاب يستخدم فقط في قضايا الإرهاب ولا يستخدم ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمتظاهرين السلميين، وأن الدستور المصري لا يسمح باستخدام القوانين الجنائية للحد من حرية الرأي والتعبير، إلى غير ذلك من الأساطير"، وفق المبادرة.
وطالبت نقابة الصحفيين مرارًا بتبييض السجون من سجناء الرأي والمعارضين السلميين، والمحبوسين على خلفية قضايا تتعلق بالتضامن مع فلسطين، إلى جانب الصحفيين المحبوسين احتياطيًا، والعفو عن الصادر بحقهم أحكام في قضايا مماثلة.

الحكومة تنفي فرض قيود غير مبررة على المجتمع المدنيوتحتل مصر المرتبة السادسة على مستوى العالم من حيث عدد الصحفيين المسجونين خلال العام الماضي، إذ بلغ عددهم 24 صحفيًا، من بينهم رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، الذي أُلقي القبض عليه من منزله يوم 22 يوليو/تموز 2024، ولا زال قيد الحبس الاحتياطي حتى الآن، بتهم "نشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون".
ورفضت الحكومة، حسب قراءة المبادرة لردها على توصيات الـUPR، أي ادعاءات بوجود قيود على نشاط المجتمع المدني، أو أي شكل من الاعتقال التعسفي، أو أن هناك متطلبات تحد من الحق في التجمع السلمي أو التظاهر أو حرية الإعلام التقليدي أو الرقمي، أو أن القوانين المصرية تستخدم لعقاب الأفراد على مثليتهم الجنسية، ولم تقبل توصية متعلقة بإزالة الحجب عن المواقع الصحفية المستقلة، وضمان حرية وأمان المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ويأتي موقع المنصة ضمن المواقع المحجوبة، وتعرض لذلك مرات عديدة، كان آخرها عقب إطلاق نسخة جديدة منه في يوليو/تموز 2022، وهذه كانت المرة الـ13 التي يُحجب فيها الموقع، ومنذ ذلك الوقت لا يزال محجوبًا.
"رفضت الحكومة الحديث عن حقوق الأقليات الدينية والإثنية، مع الإشارة إلى أن حقوق المواطنة منصوص عليها في الدستور بما يضمن المساواة بين جميع المواطنين وذلك بالرغم من أن الدستور نفسه يميز بين المواطنين حسب الدين والمعتقد، فلم يعترف إلا بالديانات الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، ومن ثم؛ ترتب على عدم الاعتراف بالمجموعات الدينية الأقل عددًا مثل البهائيين، وحرمانهم من كامل حقوقهم المدنية مثل الزواج والطلاق وممارسة الشعائر الدينية، والإعلان عن معتقداتهم بحرية وتخصيص مقابر لدفن الموتى منهم"، قالت المبادرة.
سبق وتقدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بخمسة تقارير منفصلة لآلية الاستعراض الدوري الشامل قبل عقد الجلسة، تضمنت تقريرًا فرديًا قدم لمحة عامة حول تدهور الوضع الحقوقي منذ جلسة الاستعراض السابقة عام 2019، فضلًا عن تقارير جماعية شاركت فيها المبادرة مع منظمات أخرى، تناول أولها الانتهاكات المنهجية داخل منظومة العدالة الجنائية كالتعذيب والإخفاء القسري والمحاكمات غير العادلة وسوء أوضاع الاحتجاز.
فيما غطى الثاني حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان وإساءة استخدام قوانين الإرهاب لمعاقبتهم، وتطرق الثالث إلى أزمة حقوق النساء والفتيات في مصر، بينما خُصِّص الرابع لرصد انتهاكات الحريات الرقمية وحرية التعبير والإعلام. كما أصدرت المبادرة المصرية تعليقًا على تقرير الحكومة المقدم للاستعراض الدوري الشامل حمل عنوان "الواقع الموازي".