وافق مجلس النواب خلال جلسته العامة المنعقدة اليوم على مواد التعويض عن الحبس الاحتياطي في مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بينما رفض تعديلات المعارضة على المادة 523 التي اعتبروها "تفرغ القانون من مضمونه وتخالف نص المادة 54 من الدستور التي تضمن التعويض عن الحبس الاحتياطي".
وحددت المادة 523 حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي "إذا كانت الواقعة محل الاتهام معاقبًا عليها بالغرامة، أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس مدة تقل عن سنة، وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم في جمهورية مصر العربية"، وتتحمل الخزانة العامة للدولة التعويضات.
كما تضمنت حالات التعويض صدور أمر نهائي بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم صحة الواقعة، وهو البند الذي طالب النائبان عاطف مغاوري ومحمد عبد العليم داود بتعديله، وحذف عبارة "عدم صحة الواقعة" بحيث ينطبق التعويض على كل الحالات التي صدر فيها أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
وتتضمن حالات التعويض أيضًا صدور حكم بات بالبراءة من جميع الاتهامات المنسوبة للمتهم مبنيًا على أن الواقعة غير معاقب عليها، أو غير صحيحة، أو أي أسباب أخرى بخلاف حالات البطلان أو التشكك في صحة الاتهام أو أسباب الإباحة أو الإعفاء من العقاب، أو العفو، أو امتناع المسؤولية.
وأكد رئيس اللجنة الفرعية لإعداد مشروع القانون النائب إيهاب الطماوي أن المادة 54 من الدستور لم تحصر حالات التعويض عن الحبس الاحتياطي، لكنها فوضت المشرع في تنظيمها، وأوضح أن تحديد الحالات ضروري لضمان تعويض الحبس الخاطئ فقط، مشيرًا إلى أن حذف الضوابط قد يؤدي إلى تعويض في جميع حالات عدم إقامة الدعوى، حتى لو كان ذلك لأسباب عدم كفاية الأدلة، بينما التعويض يجب أن يكون عن الوقائع غير الصحيحة يقينًا.
وانتقد عبد العليم داود المادة المنظمة للتعويض عن الحبس الاحتياطي، معتبرًا أنها تفرغ الفلسفة الأساسية للقانون من مضمونها، وقال "ما يُمنح باليمين يُسحب بالشمال"، مضيفًا "فيه أجزاء ليست بحاجة للحذف إنما بحاجة للنسف"، ومطالبًا بتعديل البند الثالث الذي ينص على "إذا صدر حكم بات بالبراءة من جميع الاتهامات المنسوبة إليه"، وحذف "مبينًا على أن الواقعة غير معاقب عليها أو غير صحيح أو حالات أخرى".
وأكدت النائبة أميرة أبو شقة أن المادة تمثل "شريانًا رئيسيًا" في قانون الإجراءات الجنائية، مشددةً على ضرورة التزام الدولة بتعويض من ثبتت براءته، وانتقدت ربط التعويض بوجود خطأ من السلطة، مؤكدةً أن أي شخص يُحبس احتياطيًا ثم تثبت براءته يستحق جبر الضرر.
في المقابل، دافع النائب إيهاب الطماوي عن النص، وقال "في فرنسا على مر عقود كان في تطور بالمسؤولية عن أعمال السلطة القضائية كان يعتمد التعويض عن الخطأ"، وأضاف "الواقع العملي يحكمنا، النص الدستوري المرجع بتاعنا لما نيجي نتكلم عن التعويض عن الحبس نص المادة 54 من الدستور لو أراد النص صراحةً على وجوب التعويض عند صدور كل أحكام البراءة لكان نص على ذلك صراحة".
ولفت في الوقت نفسه إلى حق المتهم الذي تعرض للحبس الاحتياطي لا تنطبق عليه الحالات المنصوص عليها في المشروع، اللجوء للقضاء لطلب التعويض.
وقال النائب عاطف مغاوري إن "قضية الحبس الاحتياطي والكلام للحكومة والنائب إيهاب الطماوي أثار الكثير من الجدل واللغط حول قواعد العدالة في مصر"، وقال "من القواعد المعروف أن مواد الدستور مواد صماء لا تتكلم إلا عبر تشريع ولا يكمن عندما نشرع مواد تنفذ الدستور ونفرغ القاعدة الدستورية من مضمونها"، مضيفًا "مهما عوضنا لن نعوض إنسان أصبح سجينًا".
وعقب وزير الشؤون النيابية والقانونية، المستشار محمود فوزي، "التعويض في فرنسا عن أعمال السلطة القضائية بدأ بالفرنك الرمزي ليس لجبر الضرر لكن تعويض رمزي يقرر مسؤولية الدولة عن الفعل"، مضيفًا "نحن أمام تجربة جديدة، الدستور المصري لأول مرة يقرر التعويض عن الحبس الاحتياطي لكن أناط بالقانون تحديد الحالات لأن واضع الدستور يعلم جيدًا أن من غير الملائم قضية قُضي فيها بالبراءة لبطلان الإجراءات تستحق التعويض، أناط بالقانون تحديد الحالات أخذًا في الاعتبار أن من يتحمل التعويض أنا وأنت وكلنا ممثلين في الخزانة العامة".
واعتبر فوزي أن الحالات المنصوص عليها "حالات موضوعية تتسق مع التجربة الوليدة في التعويض عن أعمال السلطة القضائية، لم تحدد مقدار التعويض وتركتها للقاضي المختص حسب ظروف وملابسات كل واقعة، ولا يمكن تقرير التعويض لأن المحكمة رأت انتفاء الأدلة أو بطلان الإجراءات"، ودعا النواب "خلينا نجرب نشوف الحالات الأولى وبعدها في ضوء التطبيق العملي نراجع النص".
وخلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع قانون الإجراءات الجنائية من حيث المبدأ، الذي سبق أن تعرض لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقة، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.