أظهرت بيانات التضخم الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن شهر يوليو/تموز الماضي، انخفاض تضخم المدن عن أسعار الفائدة لدى البنك المركزي، لأول مرة منذ بدء أزمة شح النقد الأجنبي، التي ساهمت في ارتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة.
وبينما يتخذ المركزي تضخم المدن كأحد المؤشرات التي يقرر على أساسها السياسة النقدية، انخفض هذا المؤشر في يوليو إلى 25.6%، بينما يبلغ العائد على الإيداع لدى البنك المركزي لليلة واحدة 27.2%.
لكن "التضخم مُرشح للارتفاع مرةً أخرى خلال الشهرين الحالي والمقبل، تأثرًا بخفض الدعم الموجه للعديد من السلع الرئيسية"، وفق نائبة رئيس بنك مصر سابقًا سهر الدماطي، مشيرة في حديثها لـ المنصة إلى الارتفاع المتوقع أيضًا في أسعار الكهرباء، بالتزامن مع زيادة أسعار الأدوية، "على أن يتجه التضخم بعد ذلك في الانحسار تدريجيًا".
وقررت وزارة البترول نهاية الشهر الماضي زيادة أسعار البنزين بنسب تصل إلى 15%، بعد شهر واحد من رفع سعر رغيف الخبز المدعوم من 5 قروش إلى 20 قرشًا دفعة واحدة اعتبارًا من يونيو/حزيران الماضي.
ورأى مسؤول الائتمان بأحد البنوك الخاصة في حديث لـ المنصة أن "التباطؤ الحالي في معدل التضخم مدفوع بتراجع أسعار السلع الغذائية بشكل جيد، بسبب توافر الخضار والفاكهة دون نقص في المعروض"، وعقب "هذا لا يمنع حدوث موجة تضخمية مرتفعة خلال شهر أغسطس/آب الحالي وسبتمبر/أيلول المقبل، نتيجة الزيادات الأخيرة في المحروقات والارتفاع المرتقب في الكهرباء".
ويضيف مسؤول الائتمان، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن "البنك المركزي سيواصل مراقبة الوضع الحالي بشكل حذر دون أي تحريك لسعر الفائدة، وذلك حتى يحدث تراجع أكبر لمستويات التضخم، خاصة وأن التراجع الذي حدث لسعر صرف جنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي الأسبوع الماضي سيؤثر سلبًا على معدلات التصخم".
وتراجع سعر صرف العملة المصرية مقابل الدولار من 48.73 جنيه إلى 49.35 جنيه، الخميس الماضي، متأثرًا بالتوترات الجيوساسية إقليميًا وخروج الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة ومنها مصر.
تبعات انخفاض التضخم على المدخرين
وتتوقع نائبة رئيس مجلس إدارة بنك مصر سابقًا أن يسفر التراجع التدريجي لكل من التضخم والفائدة عن إلغاء البنوك الشهادات مرتفعة العائد نهاية العام الحالي، لكونها تشكل عبئًا كبيرًا على البنوك، وكذلك تُحمل البنك المركزي تكلفة باهظة في ظل تقديمه دعمًا ماديًا لبنكي الأهلي ومصر الحكوميين نظير إصدار هذه الشهادات.
ويتفق معها نائب رئيس مجلس الإدارة بأحد البنوك الحكومية المصرية، تحدث لـ المنصة، وطلب عدم نشر اسمه، قائلًا "معدلات التضخم ستتراجع لأقل من 20% بنهاية العام الجاري، ما سيدفع البنك المركزي لتخفيض أسعار الفائدة وفقًا لخطته، وهذا بدوره سيجعل من الطبيعي إلغاء شهادات العائد المرتفع".
وكان بنكا الأهلي ومصر أعلنا طرح شهادات ادخار ثلاثية العائد بفائدة 30% متناقصة، بأجل ثلاث سنوات، بالتزامن مع قرار البنك المركزي في السادس من مارس/آذار الماضي زيادة سعر الفائدة 6%، في محاولة للحد من الضغوط التضخمية الناتجة عن السماح بارتفاع سعر الصرف الرسمي للدولار لقرب الـ50 جنيهًا.
بينما يرى مسؤول الائتمان في البنك الخاص أن "البنوك لن تتسرع في قرار إلغاء الشهادات مرتفعة العائد، بل ستنتظر حتى العام المقبل، حتى تضمن ألا يتسبب إلغاء الشهادات في اتجاه المدخرين للإنفاق بشكل أكبر وعودة التضخم المرتفع".
كان البنك المركزي اتجه لتشديد السياسة النقدية بقوة منذ 2022 للسيطرة على معدلات التضخم المتفاقمة نتيجة انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، لكن أسعار الفائدة المعلنة من المركزي ظلت أقل من وتيرة ارتفاع التضخم.
وبينما يرى الخبراء أن استقرار التضخم مرتبطٌ باستقرار سعر الصرف في الفترة المقبلة، يشير مسؤول الائتمان في البنك الخاص إلى أن ارتفاع الفائدة الحالية عن التضخم سيساهم في جذب الأجانب بشكل أكبر للاستثمار في أدوات الدين المحلية، ومن ثم يعزز من قيمة الجنيه.
فيما يرهن نائب رئيس مجلس إدارة أحد البنوك الحكومية فرص مصر في الاستفادة من الفائدة الحقيقية بـ"استقرار سعر صرف الجنيه الذي يرتبط بتأمين مصر موارد دولارية لمقابلة الالتزامات وعدم ارتفاع حدة التوتر بمنطقة الشرق الأوسط".