صوّت البرلمان الأوروربي أمس، بأغلبية 379 صوت، لصالح مشروع قرار وصف الانتخابات الرئاسية في مصر بـ"المقيّدة"، مطالبًا السلطات المصرية بإجراء انتخابات نزيهة، والتوقف عن مضايقة المعارضين السلميين مثل المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، و"الإفراج الفوري غير المشروط" عن السياسي المحبوس هشام قاسم. الأمر الذي رفضه مجلس النواب المصري، معتبرًا أن مشروع القرار "ولد ميتًا"، ومطالبًا البرلمان الأوروبي بالتركيز على شؤونه الداخلية التي "لا تخلو من انتهاكات".
وناقش البرلمان الأوروبي، الأربعاء الماضي، في جلسة استمرت حوالي 22 دقيقة، مشروع القرار الذي حث دول الاتحاد على "إثارة انتهاكات مصر لحقوق الإنسان".
ومشروع القرار المطروح هو نتاج تعاون "بين 3 مجموعات كبار بالبرلمان الأوروبي هم المجموعات الليبرالية، وحزب الخضر، والديمقراطيين الاشتراكيين".
استعرض المشروع في بدايته أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مشيرًا إلى حبس هشام قاسم الذي وُصف بـ"صوت ليبرالي"، وإلى أن محاكمته "لم تكن محمية بشكل كاف"، حيث "لم يُسمح لمحاميه بالاطلاع على ملف قضيته قبل المحاكمة، وحرمته السلطات من حقه في جلسة استماع عامة، ومنعت وسائل الإعلام والممثلين الدبلوماسيين من الحضور"، وهو ما رصدته المنصة في حينه.
ثم تطرق مشروع القرار إلى المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، قائلًا إنه "تعرض لمضايقات وتتبع لما لا يقل عن 73 من أنصاره، فضلًا عن اختراق هاتفه".
وتضمن مشروع القرار ستة طلبات أبرزها "الإفراج عن قاسم، وإسقاط جميع التهم ذات الدوافع السياسية الموجهة إليه؛ ودعوة وفد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى زيارته في السجن"، فضلًا عن "الإفراج الفوري وغير المشروط عن آلاف السجناء المحتجزين تعسفيًا".
بالتوازي رحب مشروع القرار بالإفراج عن الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، باتريك زكي، الذي خرج بعفو رئاسي، بعد حكم قضائي ضده بالحبس ثلاث سنوات، على خلفية كتابته لمقال.
وقالت عضوة البرلمان الأوروبي، إيدويا فيلانويفا رويز، وهي من المجموعة اليسارية، خلال الجلسة "تشهد مصر اعتداءات مستمرة على حريات التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي، والصحافة"، وأضافت "من غير المقبول أن يستمر هذا النظام في اضطهاد المعارضة".
وانتقدت عضوة البرلمان عن مجموعة الخضر، هانا نيومان، ما اسمته بـ"النفاق" الذي تمارسه المفوضية الأوروبية بعقدها صفقة وصفتها بـ"القذرة" مع النظام المصري حول الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى "صفقات الأسلحة المربحة".
بدوره، أرجع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تمرير المشروع بأغلبية الأصوات، إلى "تمتع الكتل الثلاث بأغلبية كبيرة داخل البرلمان"، وقال إن الخطابات "القوية" في الجلسة، مردها "شعور العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي بالقلق إزاء وضع حقوق الإنسان في مصر".
وأوضح مسؤول بالمركز في حديثه لـ المنصة أن تحرك البرلمان الأوروبي ليس الأول من نوعه، إذ سبق وصوّت في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وعقب أيام من ختام مؤتمر CoP27 الذي استضافته مصر العام الماضي، على قرار بضرورة اتخاذ الاتحاد التدابير اللازمة حيال "أزمة" حقوق الإنسان في مصر.
النواب: ولد ميتًا
وتعليقًا على مشروع القرار، قال النائب علاء عابد، رئيس لجنة النقل بمجلس النواب، ونائب رئيس البرلمان العربي، إن "البرلمان الأوروبي مازال على نهجه المعادي للدولة المصرية، حيث يسيطر على أعضائه قيادات الجماعة الإرهابية، وبعض المنظمات المؤيدة لها".
وأضاف عابد لـ المنصة أن "البرلمان الأوروبي اختزل حقوق الإنسان في مصر في مطلبين؛ الإفراج عن المسجون علاء عبد الفتاح، والمُدان قضائيًا هشام قاسم، الذي حُكم عليه بالسجن في قضية جنائية بحتة". وأشار عابد إلى أن "بعثة الاتحاد الأوروبي في مصر تتابع عن كثب إجراءات الانتخابات الرئاسية منذ اليوم الأول، ولم تبد أي ملاحظة على الإجراءات ولا على عملية جمع التوكيلات للمرشحين المحتملين".
ودلل النائب، بأن المرشح الذي تناوله البيان، قاصدًا الطنطاوي، "يجوب المحافظات بكل حرية، ويجمع التوكيلات دون أي مضايقات من السلطات". وأن أي احتكاك حدث، إنما "كان من أنصار المرشحين الآخرين، وهي إحدى أدوات المعركة الانتخابية".
وندد عابد بـ "حالة العداء المستمرة من البرلمان الأوروبي، خاصة لجنة حقوق الإنسان"، قائلًا إنها "ترفض الحوار مع المؤسسات المصرية، وتفتح أذنها إلى الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، وبعض المنظمات التي تزعم أنها حقوقية مستقلة، وهي منظمات سياسية منحازة بامتياز".
بينما أصدر مجلس النواب بيانًا، قال فيه أن مشروع القرار يأتي "ضمن سلسلة محاولات البرلمان الأوروبي، غير المبررة واليائسة، لادِّعاء امتلاكه سلطات تقييم وتوجيه ومحاسبة من هم خارج حدود أعضائه، دون أدنى وجه حق، مستخفًا بالمواثيق الدولية كافة، التي تدين أية تدخلات في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة".
ورفض المجلس ما جاء في مشروع قرار البرلمان الأوروبي قائلًا إنه "ولد ميتًا"، و"لا يتسم بالمصداقية أو الحيادية". ودعا البرلمان الأوروبي إلى أن يركز جهوده على الشأن الأوروبي، الذي قال إنه "لا يخلو من الانتهاكات في مجال الحقوق والحريات".
الشيوخ: بيان غير ملزم
من جانبها، أدانت النائبة ريهام عفيفي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بيان البرلمان الأوروبي، وما تضمنه من "تشكيك في القضاء المصري"، على حد تعبيرها، واصفة مشروع القرار بأنه "مضلل، فضلًا عن كونه يعد تدخلًا سافرًا في الشأن المصري الداخلي".
وأضافت عفيفي، في بيان لها أمس، أن "الهجمات المتكررة، والتي تنشط وقت حدوث استحقاقات سياسية، هدفها النيل من استقرار الدولة المصرية، والتشكيك في مؤسساتها ومحاولة عرقلة الانتخابات الرئاسية". ولفتت إلى أن "مثل هذه البيانات تستقي معلوماتها من مصادر مشكوك فيها، ومن تقارير لمنظمات حقوقية تابعة للجماعة".
ورأت عفيفي أن هذا البيان "غير ملزم"، لاسيما وأن مصر حققت جهدًا كبيرًا في مجال حقوق الإنسان واستقلال القضاء، بحسب قولها.
الوفد يشكر الدولة المصرية
على الصعيد الحزبي، قال حزب الوفد، في بيان له أمس، إن "الدولة المصرية تتعرض لهجمة شرسة بداية ببيان البرلمان الأوروبي، ثم قيام مؤسسة موديز بتخفيض التصنيف الإئتماني لمصر، وكذلك تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي".
وأضاف حزب الوفد أنه "يضع المعارضة المصرية أمام مسؤولياتها في عدم الانسياق وراء أي دعوات للتدخل الخارجي في الشأن المصري". وثمن موقف الدولة المصرية في عدم الانصياع "لأية ضغوط من مؤسسات ائتمانية الكل يعرف نواياها"، قاصدًا صندوق النقد الدولي.
وأصدر مختبر "ستيزن لاب" الكندي المختص بمراقبة أمن الإنترنت، تقريرًا منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، كشف فيه استهداف هاتف الطنطاوي ببرمجية تجسس "Predator" التي تسمح للمخترقين لدخول كامل للهاتف.
ويأتي التحرك الأوروبي بالتزامن مع تحركات أمريكية لحجب المساعدات الأمريكية لمصر، على خلفية الملف الحقوقي.
وأعلن النائب الأمريكي الديمقراطي جريجوري ميكس، العضو في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، طلبه من وزارة الخارجية حجب جزء من المساعدات العسكرية عن مصر، وجعلها مشروطة بمراعاة معايير حقوق الإنسان، لحقه تعهد الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بوقف جزء من المساعدات العسكرية وبيع الأسلحة لمصر، ما لم تحسن سجلها في مجال حقوق الإنسان.