استبقت ثماني منظمات حقوقية مصرية ودولية معنية بالتعذيب، مراجعة مصر المرتقبة أمام لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، في الفترة من 12 إلى 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بتقديم تقرير مواز إلى ذات اللجنة،"لتفنيد ادعاءات الحكومة المصرية"، التي وردت في تقريرها الرسمي الذي قدمته في 13 سبتمبر/أيلول 2021، بحسب بيان للمنظمات، أمس.
وتُعد هذه هي المراجعة الأولى التي تخضع لها مصر منذ توقيعها اتفاقية مناهضة التعذيب في 1986، بحسب مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المشارك في إعداد التقرير الموازي، محمد زارع. وعلق لـ المنصة "الحكومة ماكنتش بتبعت التقارير".
وركز التقرير الحقوقي الموازي على 11 انتهاكًا وثقتها المنظمات في الفترة بين 2013 وحتى 2023، منها؛ الاختفاء القسري، وسوء المعاملة والإهمال الطبي، والموت أثناء الاحتجاز، بحسب المدير التنفيذي للجبهة المصرية لحقوق الإنسان أحمد نديم، في حديث لـ المنصة.
وتطرق التقرير الحقوقي إلى القصور في تجريم التعذيب في التشريع المصري، مستندًا إلى المادة 126 من قانون العقوبات، والتي تنص على "كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن من ثلاث إلى عشر سنوات".
وعلق التقرير، الذي اطلعت المنصة على نسخة منه، أنه بناء على المادة السابقة فإثبات التعذيب يتطلب اشتراط أن يكون الجاني موظفًا عامًا، ويكون الضحية متهمًا، ويكون القصد من التعذيب الحصول على اعتراف، وبهذا "فتعرض مسجون محكوم عليه لتعذيب بغرض الإذلال أو التأديب، لا يعتبر تعذيبًا وفقًا للقانون المصري".
ويوضح زارع لـ المنصة، أن الدستور المصري تضمن تعريفًا شاملًا للتعذيب، ولكن تعريف القانون "مخل". وبيّن أن المشكلة ليست في التشريع فقط، ولكن "مافيش إرادة سياسية لإنهاء التعذيب"، مبررًا بأن التعذيب بات "منهجًا للحكم،" ومن ثم "صعب الدولة تتخلى عنه إلا لو تخلت عن منهجها".
ويضيف التقرير الحقوقي "من النادر أن نجد قضايا جنائية ضد الضباط الذين ارتكبوا جريمة تعذيب"، ويفسر ذلك بإجراءات اتهام موظف عمومي وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية؛ إذ "لا تسمح للمواطنين العاديين باتهام ضباط الشرطة بالتعذيب. بل يجب أن ترفع القضية الجنائية من قبل النيابة العامة أو النائب العام فقط".
ورصد التقرير تضاربًا بين إنهاء حالة الطوارئ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وبين نص قانون مكافحة الإرهاب على حق الرئيس "حال نشأ خطر في اتخاذ التدابير المناسبة… بما في ذلك إخلاء أو عزل أو فرض حظر التجول في بعض المناطق". ويعلق التقرير أنه "بهذه المادة تُفرض الطوارئ دون إعلانها صراحة"، في وقت ركز التقرير الحكومي على إلغاء الطوارئ كمؤشر على تحسن الوضع الحقوقي.
واشتبك التقرير الحقوقي مع الرسمي في أكثر من ملف، منها الاختفاء القسري الذي أنكرت الحكومة وجوده تمامًا، في وقت استند التقرير الحقوقي الموازي على التقرير السنوي الثامن الصادر في 30 أغسطس/آب 2023 عن حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والذي وثق اختفاء 821 شخصًا بين أغسطس 2022 وأغسطس 2023، من بينهم 24 أنثى و 4 أطفال.
وفيما يخص التعذيب أكد التقرير الحكومي "مراعاة المعاملة الإنسانية وتوسيع الرقابة على أماكن الاحتجاز"، واستشهد ببعض الأحكام القضائية الصادرة ضد ضباط الشرطة، على خلفية وقائع تعذيب. وقال مدير الجبهة المصرية أحمد نديم إنه "حتى لو صدرت أحكام ضد ضباط بيخرجوا في نص المدة، دا لو ما اتهموش الضحايا بنشر أكاذيب وتضليل الرأي العام".
وفي ملف التمييز ركز التقرير الرسمي على ضمانات عدم التمييز ضد المرأة ومجتمع الميم في الدستور، فيما نبه تقرير المنظمات إلى توثيق 655 حادثة عنف جنسي قام بها أفراد الأمن ضد 544 ضحية بينهم 124 امرأة، و30 فردًا من المثليين، و15 طفلًا، ولاجئين اثنين في الفترة بين 2015 و2022.
وأوصى التقرير الحقوقي بـ"وضع حد لممارسة التفتيش المهبلي والتفتيش العاري الذي يتم فيه خلع الملابس، وكذلك التفتيش الجسدي الذي يتم فيه انتهاك المرأة".
والمنظمات التي أعدت التقرير الموازي هي؛ المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، والمجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب. وقدمت المنظمات تقريرها في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجاء في 34 صفحة.