اغتيل، صباح الأحد، المفكر والكاتب الأردني اليساري ناهض حتّر، أمام قصر العدل في منطقة العبدلي، وسط العاصمة عمّان.
وكان "حتّر" في طريقه لحضور جلسة تحقيق أمام المحكمة، على خلفية اتهامه بـ"إثارة النعرات المذهبية والعنصرية"، بعد أن نشر كاريكاتيرًا، في صفحته على فيسبوك، اعتبره البعض "مسيئًا للذات الإلهية"، وطالبوا بمحاكمته بسببه.
مُعتَقل بأمر الحكومة
ونشر الكاتب الأردني، المسيحي الديانة، في أغسطس/ آب الماضي، كاريكاتيرًا تحت عنوان "رب الدواعش"، يظهر به رجل ملتحي يدخن مستلقيًا على سرير وإلى جواره امرأتان، يخاطب شخصًا آخر يُفترض أنه"إله" عن بعض معتقدات المسلمين عن الجنة مثل "الحور العين والغُلمان".
وأثيرت ضد "حتّر" بسبب هذا الكاريكاتير حملات حادة، دفعت السلطات الأمنية والقضائية لاعتقاله وإخضاعه للمحاكمة، بتوجيه من رئيس الوزراء هاني الملقى، باعتباره "يسيء للذات الإلهية"، على الرغم من حذف الكاتب للكاريكاتير، وتأكيده أنه فُهم بشكل خاطئ، وإنه كان يحاول توضيح "مفهوم الإسلاميين عن الجنة".
ولاقى القبض على "حتّر" بتدخل من رئيس الوزراء، انتقادًا حقوقيًا في ذلك الوقت، إذ اعتبرته "الشبكة العربية لحقوق الإنسان"، يأتي في إطار حملة لـ"قمع" المعارضين.
وكان المفكر الراحل يتبنى وجهات نظر مؤيدة للنظام السوري ومعادية للمملكة العربية السعودية، حليفة الأردن، وأعلن صراحة معارضته لموقف السعودية من الحرب الأهلية السورية، وللحملة العسكرية "عاصفة الحزم"، التي شنتها على اليمن بمشاركة بلاده.
وينص قانون العقوبات الأردني في مادته 150 على أن "كل كتابة وكل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، يعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسمائة".
"تقصير" في حماية المعارضين
ولاقى اغتيال "حتّر"، الذي كان يتبنى موقفًا مؤيدًا للنظام السوري، تنديدًا واستنكارًا من جهات رسمية حكومية ودينية، على رأسها مجلس الوزراء الأردني، إذ أعلن على لسان المتحدث الرسمي باسمها، وزير الدولة لشؤون الإعلام محمّد المومني، أنه سيتم متابعة ومحاسبة من اقترف هذه الجريمة، وإخضاعه لقصاص عادل.
وعلى الرغم من الإدانة السريعة للحادث، تقف الحكومة الأردنية الآن في موضع المُتَهم بالتقصير، حيث حملتها "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" المسؤولية الكاملة عن اغتيال "حتّر"، وقالت إن السلطات الأردنية تجاهلت توفير الحماية اللازمة للكاتب بعد حملة تكفيره.
واستندت "الشبكة العربية" في اتهامها هذا إلى أن الحكومة الأردنية اعتمدت تفسيرًا "منحرفًا" لمقصد "حتّر" من نشر الرسم الكاريكاتيري؛ فما كان إلا أن اعتقلته ثم حاكمته بتهم "مضللة، ومناقضة" لحرية الرأي والتعبير والاعتقاد، و"أثارت" بسبب ذلك الجماعات الدينية المتشددة ضده.
واعتبرت المنظمة الحقوقية الإقليمية، وفقًا لبيان صادر عنها، اعتقال "حتّر" بسبب رسم الكاريكاتير الذي نشره، أتى في إطار "حملة التحريض وإثارة النعرات الدينية من قِبل الحكومة الأردنية ضده، في سياق تصاعد وتيرة قمع حرية التعبير، والمزايدة على الجماعات الدينية المتشددة".
سند آخر اعتمدت عليه "الشبكة العربية" في اتهامها الحكومة الأردنية بالتقصير، وهو أنها حمّلتها في بيان سابق، صدر عنها بعد أيام قليلة من إثارة الأزمة والقبض على "حتّر"، المسؤولية عن سلامته وأمنه الشخصي.
أبعد من "حتّر"
أعلنت السلطات الأمنية الأردنية، القبض على المتهم باغتيال "حتّر"، وذكرت وسائل إعلام أردنية وعربية أن الرجل مُلتحي ويرتدي ثيابًا شعبية، عبارة عن دشداشة وغُترة "غطاء رأس"، دون توضيح ما إذا كان تابعًا لتنظيم سياسي أو جماعة دينية ما.
قبل اغتيال "حتّر"، ارتكب إسلاميون حوادث عنف تجاه أشخاص ومؤسسات رأوا أنها "تزدري الدين الإسلامي أو تسيء للذات الإلهية"، وكان على رأسها عاملون بصحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، حيث تم مهاجمة مقرها في يناير/ كانون ثانٍ 2015.
وفي أعوام سابقة، هاجم إسلاميون متشددون كتّاب ومفكرين بسبب أعمالهم، وكان منهم نجيب محفوظ وفرج فودة، بينما يعيش آخرون تحت تهديدات بالقتل وفتاوى إهدار الدم من قِبَل جماعات جهادية، بسبب أعمالهم "المسيئة للدين" ومنهم السوري حيدر حيدر والهندي سلمان رشدي.