مابين تروسيكل ومصنع تدور المعركة على بواقي الزيوت المستعملة التي تستهلكها الأسر المصرية. لا نعرف عن هذا الصراع غير الظاهر منه في صورة نداءات متكررة يُطلقها سائقو دراجات بخارية تجوب الشوارع بحثًا عن بواقي الزيوت المستهلكة في البيوت.
في الوقت الذي تكافح فيه مصانع محدودة العدد لجمع جزء من هذا الزيت المستهلَك وتوجيهه إلى صناعة واعدة صالحة للتصدير، وهي الوقود الحيوي، أو تحويله إلى خامات لصناعات أخرى، فإن مئات آخرين من التجار ينافسونهم على هذه الزيوت بهدف جمعها وتصديرها في صورة خام، ما يحرم الاقتصاد من قيمة مضافة كبيرة كان يمكن أن تؤسس لصناعة وقود مصرية جديدة.
عندما يكون التصدير أزمة
يواجه قطاع الطيران عالميًا معضلة كبيرة، فهو يطمح لزيادة عدد الرحلات التي ينظمها لتعظيم أرباحه، وفي الوقت نفسه يقع تحت ضغوط كبيرة بسبب مطالبته بالحد من الانبعاثات الصادرة عن الطائرات، ويكمن حل هذه المعضلة في توسيع اعتماده على الوقود الحيوي، وفقًا لتقرير نشرته بلومبرج.
تتم صناعة الوقود الحيوي من مصادر عدة أبرزها مخلفات زيوت قلي الطعام، ما يجعل للمستهلك العادي دور بطولي في تغذية هذه الصناعة بالمادة الخام الرئيسية، وبسبب الطلب العالمي على الزيوت المستعملة صرنا نرى في مصر جيوشًا من سائقي التروسيكل يطوفون الشوارع بالميكروفونات بحثًا عما تبقى من زيت عكر في قلايات المنازل.
"هناك نحو 16 مليون طن سنويًا يطلبها السوق العالمي من الزيوت المستعملة بهدف استخدامها في صناعة الوقود الحيوي" كما يقول إيهاب السقا، رئيس شعبة تدوير المخلفات بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، للمنصة.
وأمام الاستهلاك الواسع للمصريين للزيوت تصبح لدى مصر فرصة كبيرة في تصدير الزيت المستعمل للخارج، لكن الفرصة المتاحة لجني إيرادات دولارية تكون أكبر إذا ما نجحنا في صناعته داخل مصر وتصديره للخارج في صورة وقود حيوي.
وفي محاولة لاقتناص هذه الفرصة نشأ عدد محدود من الشركات المصرية لصناعة الوقود الحيوي وتصديره، لكن في المقابل كان هناك عشرات من التجار ينافسونهم على جمع المادة الخام، "تجار الزيت يصدرون 90% من الكميات التي يجمعونها في صورة خام" كما يقول مدير شركة "مصادر" لصناعة الوقود الحيوي أحمد ليالي، للمنصة.
الزيت كتجارة رابحة
وبجانب نداءات التروسيكل، تنتشر على السوشيال ميديا عشرات الصفحات المتخصصة في بيع وشراء الزيت المستعمل، التي تواصلنا هاتفيًا مع بعضها وأخبرنا المسؤولون عنها أن سعر الشراء يتراوح بين 30 و32.5 ألف جنيه للطن.
ونشأت هذه التجارة على أثر الاستهلاك الضخم للزيوت في مصر، حيث يقول عضو شعبة تدوير المخلفات في غرفة الصناعات الكيماوية، إيهاب نصير "حجم استهلاك زيوت الطعام في مصر يبلغ نحو 2.4 مليون طن سنويًا بحسب وزارة التموين، وباحتساب نسبة الهالك 30% يتبقى منهم نحو 1.6 مليون طن بمتوسط 140 ألف طن متاحين كزيت مستعمل بالسوق شهريًا".
ويتم توجيه النسبة الأكبر من هذه الزيوت للتصدير في صورة خام أو تويجيهها لمصانع الصابون المحلية "7 شركات على الأقل بشعبة تدوير المخلفات تصدّر الكميات التي تجمّعها من الزيوت المستعملة خارج مصر كمخلفات، هيشغل ماكينات وخطوط إنتاج ويتكلف فلوس ويوجع دماغه ليه عاوز يكسب بأقل تكلفه ومصاريف" كما قال عضو بغرفة الصناعات الكيماوية، طلب عدم ذكر اسمه.
عايزين نعمل قيمة مضافة وصناعة مش تجارة فقط
وتستطيع الشركات المصنِّعة أن تحقق عائدًا دولاريًا أكبر من تصدير الزيت المستعمل بعد تحويله إلى وقود، إذا ما أضافت إليه قيمة صناعية، حيث يقول ليالي "يتم تصدير طن الزيت المستعمل حاليًا بنحو 1170 دولارًا، بينما يصل طن الوقود الحيوي إلى 1430 دولارًا".
فشل منظومة الجمع
تقف أمام هذه الصناعة الوليدة عقبة القدرة على الوصول للزيوت المستعملة في مواجهة التجار الذين يتمتعون بعدد ضخم من الجائلين الذين يسبقون لجمع هذا الخام، "تحتاج المصانع إلى ملاءة مالية كبيرة لتدشين منظومة جمع لمنافسة تجار جمع الزيت.. نحتاج باختصار إلى شركة جديدة تابعة للشركة الأصلية" كما يقول ليالي.
"عايزين نعمل قيمة مضافة وصناعة مش تجارة فقط، احنا وصلنا لمرحلة بنقول طيب احنا فتحنا مصنع وصرفنا وجبنا الماكينات ليه، طيب ما كنا تاجرنا ونكسب في الآخر شوية فلوس وخلاص" كما يضيف.
وحاولت واحدة من الشركات المصنعة للوقود إنشاء شركة تابعة لها تتخصص في جمع الزيوت المستعملة، وهي شركة "زيتو"، لكن كما يقول محمد عابدين مدير خدمة العملاء بالشركة للمنصة، فإنها لا تزال غير قادرة على جمع كمية الزيت المناسبة لقدراتها الإنتاجية بسبب منافسة التجار.
ويوضح عابدين أن منافسة التجار لا تتأتى فقط من كونهم يتمتعون بأسطول ضخم من جامعي الزيت، ولكن انخفاض تكاليف الإنتاج لديهم يساعدهم على شراء الزيت من الأسر والمطاعم بسعر أعلى من المصانع " هم يشترون الكيلو بسعر 25 إلى 27 جنيهًا مقابل 15 إلى 20 جنيهًا من المصنعين، ومن الطبيعي أن يفضل المستهلك أن يبيع لهم".
هل يحل رسم الصادر الأزمة؟
في محاولة لحل مشكلة نقص الكميات المتوفّرة للمصانع من زيت الطعام المستعمل، أعدت شعبة تدوير المخلفات مذكرة موجهة إلى وزارة التجارة والصناعة تطلب فيها فرض رسم صادر على صادرات الزيوت المستعملة، بحسب ما قاله رئيس الشعبة، إيهاب السقا، للمنصة.
ويقترح مدير شركة "مصادر" أن تتراوح قيمة رسم الصادر بين 400 و500 دولار للطن على الأقل أو حظر التصدير تمامًا لتوفير الخامات للمصانع المحلية.
وسيكون اقتراح فرض رسم الصادر مثيرا للجدل، كون الصادرات الخام تمثل أحد مصادر الإيرادات الدولارية في وقت تشتد فيه أزمة شح النقد الأجنبي، لكن المصنعون يراهنون على أن يحققون للبلاد إيرادات أكبر على المدى الطويل.