جمعية الروشتة الطبية، فيسبوك
ألبان أطفال

ألبان الأطفال: دعم يتراجع.. أسعار ترتفع.. والتمويل لا يكفي

منشور الثلاثاء 18 مارس 2025

في ديسمبر الماضي، وضعت الحكومة شروطًا للحصول على ألبان الأطفال الصناعية التي توفرها الدولة بسعرٍ مدعمٍ، كما تشددتْ في تحديد الفئات المستحقة، على رأسها الرضع الذين تموت أمهاتهم، وهو ما اعتبره البعض محاولة للحد من استهلاك الألبان المدعمة بعد أن تصاعدت الشكاوى من نقصها خلال العام الماضي. 

وتعد "لاكتو مصر" التي تأسست في مطلع الألفية الجديدة الشركة المحلية الوحيدة التي تصنع ألبان الأطفال في الوقت الراهن، بينما يتم الاعتماد على الاستيراد من الخارج لسد فجوة الطلب المحلي.

وفي محاولة للحد من هذه الواردات في ظل أزمة الدولار، أدرجت الحكومة صناعة ألبان الأطفال ضمن القطاعات المستفيدة من مبادرة التمويل المدعوم للصناعة على أمل أن يسهم ذلك في إغنائنا عن الألبان المستوردة. 

لكن خبراءَ من القطاع الدوائي قالوا لـ المنصة إن حجم التمويلات التي تخصصها مبادرة التمويل الحكومي لا تكفي لتوطين صناعة الألبان، ما سيجعل أثرها على هذه الصناعة شبه منعدم، ويضعنا أمام مخاطر تكرار أزمات شح الألبان في السوق. 

لا تكفي لإقامة مصنع 

في نهاية العام الماضي أعلن وزيرا الصناعة والمالية في مؤتمر صحفي بدء تفعيل مبادرة طال انتظارها من أجل توفير تمويلات للقطاع الصناعي بفائدة 15%، بهدف مساندة الصناعة أمام سياسات التشديد النقدي التي يتبناها البنك المركزي منذ مارس/آذار 2024%، والتي رفعت العائد على الإقراض لديه لما يقرب من ضعف هذا الرقم.

ركزت المبادرة على توجيه التمويلات لشراء الآلات والمعدات أو خطوط الإنتاج في قطاعات رأت الدولة أننا بحاجة لتوطينها، خصوصًا تلك التي نعاني من أزمات بشأن صعوبة استيرادها، ما استدعى إدراج ألبان الأطفال.

لكن المبادرة قد لا تمتلك الإمكانات الكافية لتحقيق أهدافها الطموحة، إذ يقتصر الحد الأقصى لتمويل العميل الواحد على مبلغ 75 مليون جنيه، ولتمويل العميل الواحد والأطراف المرتبطة يرتفع الحد الأقصى لـ100 مليون جنيه، وهي مبالغ محدودة بالنسبة لصناعة تتطلب استثمارات كبيرة مثل ألبان الأطفال.

"المبالغ المخصصة من المبادرة لا تكفي شراء قطع غيار مصنع ألبان أو إنشاء خط جديد" يقول إبراهيم عزت، رئيس مجلس إدارة شركة لاكتو مصر المتخصصة في إنتاج حليب الأطفال والمواد الغذائية لـ المنصة.

يؤكد عزت أن حجمَ الاستثمار المطلوب لإنشاء مصنع لألبان الأطفال يتراوح في الوقت الراهن من 6 إلى 8 مليارات جنيه.

ويتفق معه رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، علي عوف، في أن الشروط التي تضعها المبادرة الحالية للتمويل الصناعي تجعلها أكثر ملاءمة لتمويل الشركات الصغيرة وليس لإقامة صناعة كبيرة مثل ألبان الأطفال التي تتطلب المليارات.

يشبّه عوف مبادرة التمويل الصناعي بالجرعة المسكِّنة التي يمكن أن تعالج اختناقات تمويلية بسيطة للشركات القائمة، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة الذي جعل العديد من مصنعي القطاع الدوائي يعزفون عن التعامل مع البنوك.

أزمات قابلة للتكرار 

بجانب أزمات نقصها في الأسواق، شهدت أسعار ألبان الأطفال زياداتٍ متواليةً مع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، في ظل الاعتماد على تعويض العجز باستيرادها من الخارج، وكما يؤكد رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية لـ المنصة فإن "أسعار هذه الألبان ارتفعت بنسب تتراوح بين 30% و35%، منذ تعويم مارس 2024". 

يشير عوف إلى أن "السوق المصرية تستورد نحو 15 مليون علبة لبن أطفال من الخارج بالعملة الأجنبية، مما يؤثر سلبًا على سعر العبوة مع ارتفاع قيمة الدولار". 

أسعار ألبان الأطفال المستوردة
اسم المنتج السعر بالجنيه
 نان 1 315 
 S-26 برو جولد 400
هيرو بيبي 311
بيبيلاك 368

المصدر: علي عوف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية

في مقابل المستويات المرتفعة لأسعار الألبان حاليًا، فإن لاكتو مصر توفر الألبان المحلية بأسعار أرخص نسبيًا، كما توفر وزارة صحة هذا المنتج بسعر مدعم خمسة جنيهات للعبوة، حسب رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية.

وتخصص الحكومة دعمًا ماليًا سنويًا لتوفير الأدوية وألبان أطفال بأسعار تقل عن تكلفتها الحقيقية، بلغ خمسة مليارات جنيه خلال العام المالي الجاري، لكن أزمات نقص العملة تحُول دون قدرة الوزارة على جلب الألبان الكافية للطلب المحلي أو التوسع في دعمها.

التوطين ضرورة لإنقاذ الرضع 

تمثل أزمات نقص الألبان المدعمة ضغوطًا على قطاعات واسعة من الأسر التي لا تستطيع شراء الألبان الصناعية الضرورية للعديد من حالات الرضع التي تعاني من مصاعب بشأن نموها الجسدي بعد الولادة.

ومع الارتفاعات المتوالية في سعر صرف الدولار أمام الجنيه، تكررت أزمات نقص الألبان في الصيدليات، ما دفع الحكومة منذ تعويم 2016 لوضع مسألة توطين هذه الصناعة على قائمة الأولويات، وقتها قال وزير الصحة إنه فوجئ بوجود شركة محلية تنتج الألبان، لاكتو مصر، التي يمكن الاعتماد عليها في سد احتياجات السوق، بعدها جرى الاعتماد على الشركة المحلية للتوريد للحكومة عبر شراكة مع جهاز الخدمة الوطنية.

لكن الشركة المحلية لا تزال غير قادرة على تلبية كل الطلب المحلي، ويكشف رئيس مجلس إدارة شركة لاكتو مصر، إبراهيم عزت، أن مصنعه ينتج نحو 35 مليون عبوة سنويًا، يخصص 22 مليونًا منها لوزارة الصحة والسكان، لتوزيعها ضمن منظومة الألبان المدعمة، في مقابل طلب محلي يقدَّر بـ50 مليون عبوة سنويًا.

هل التمويل العقبة الوحيدة؟

حسب تصريحات إبراهيم عزت لـ المنصة فإن شركته لا تعتمد على التمويل المصرفي في الوقت الراهن، وليس لديها تطلعات للحصول على تمويلات بنكية في الأجل القريب، ما يجعله مستبعدًا من الاستفادة من مبادرة التمويل الصناعي. 

وبينما لم تظهر في الأفق بعد أي مبادرة من مستثمر جديد تجاه هذه الصناعة، فإن التمويل ليس العقبة الوحيدة، فنقص الخبرة يقف عائقًا أمام توطين هذه الصناعة، وسبق وقال عزت في مقابلة تلفزيونية إنه لاحظ أن المحاولات السابقة لتوطين هذه الصناعة كانت تُبنى بطريقة خاطئة وهو ما دفعه للتواصل مع رئيس الجمهورية وعرض التعاون مع القوات المسلحة في هذا الشأن.

"بجانب التمويلات الكبيرة المطلوبة، يتطلب إنشاء مصنع جديد لألبان الأطفال توفير الخبرة في هذه الصناعة إما من خلال لاكتو مصر أو عبر مصنع من الخارج"، يقول هيثم دويدار، رئيس لجنة الصناعة بالشعبة العامة باتحاد الغرف التجارية لـ المنصة.

ويرى دويدار أن هناك حاجةً أيضًا لدعم تسويق منتجات الألبان المحلية في مواجهة المنتجات المستوردة "اللبن المستورد يتحكم بشكل كبير في المبيعات نتيجة التسويق الجيد مع كافة دكاترة الأطفال، المنافسة قوية جدًا رغم أن كل الألبان بالجودة نفسها".