غادر الرئيس عبد الفتاح السيسي، صباح اليوم، القاهرة متجهًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في زيارة تستغرق 4 أيام، يشارك خلالها في اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيلقي كلمة تتناول أهم القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، فضلًا عن مشاركته في اجتماعات أخرى.
لن يصل السيسي وأعضاء الوفد الرئاسي المرافق له مدينة نيويورك ليجدوا استقبالهم مقتصرًا على مسؤولين رسميين من البلد المضيف أو المنظمة الأممية، إذ سبقه بأيام إلى الأراضي الأمريكية وفدًا "داعمًا" من الكنيسة الإنجيلية، بجانب عدد من المصريين المقيمين هناك، ممَن سيستجيبوا لدعوات الخروج لاستقباله، التي اعتاد أن يتشارك في إطلاقها مؤيدون للرئيس بين حركات سياسية، ومنظمات أهلية، بالإضافة إلى الكنائس.
"كرامة" مصر ورئيسها "المحبوب"
وفي هذه الزيارة، تبارت الكنيستان الأرثوذوكسية والإنجيلية، قبل أيام من سفر الرئيس لنيويورك، في إبداء دعمهما للزيارة، بطرق لم تتوقف عند دعوات حشد أقباط المهجر لاستقبال السيسي، بل تطورت لتبلغ حد إقامة صلاة من أجل نجاح الزيارة، واعتبار كرامة مصر ممثلة في الاستقبال اللائق للرئيس في نيويورك.
وبالتوازي مع تحركات الكنيستين، أعلنت حركة "صوت مصر" أنها ستشارك بقوة في استقبال الرئيس خلال هذه الزيارة.
وسافر وفد من الكنيسة الإنجيلية، الخميس الماضي، إلى نيويورك بالتنسيق مع الكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة، للمشاركة في استقبال السيسي، في إطار ما وصفته الكنيسة في بيان صادر عنها بأنه "جهود شعبية وغير رسمية" لمواكبة زيارة الرئيس، وذكرت أن سفر الوفد يمثل "دعمًا من الكنيسة للدولة".
وطالبت الكنيسة، وفقًا للبيان، بتخصيص اليوم للصلاة من أجل إنجاح الزيارة، وأن قيادات كنائسها في الولايات المتحدة طالبت أبناءها بـ"دعم مصر"، والالتفاف حول الرئيس السيسي.
على جانب موازٍ، وقف بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، ليعلن قبل بدء زيارة السيسي بأربعٍ وعشرين ساعة أن كرامة مصر ممثلة في كرامة استقبال رئيس مصر بكل ما يليق.
وأكد رأس الكنيسة الأرثوذكسية، في تصريحات صحفية، أن كثيرًا من المصريين "ضحايا لإعلام مغلوط ينشر كذبا وافتراء بحق حياة الأقباط والمسلمين"، وشدد على أهمية ترحيب المصريين برئيسهم "المحبوب" على أرض المهجر وأمام كل الأمم.
السيسي ليس استثناء
ينظر طارق عبد العزيز، أمين رئاسة الجمهورية الأسبق، إلى ترتيبات استقبال السيسي، باعتبارها أمر تكرر في عهود سابقة، وهي أمور لا تفسد البروتوكولات.
وقال "عبد العزيز" لـ"المنصّة" إن الأمر ليس عُرفًا أو عادة متبعة، قدر كونه نوع من "الانتماء للوطن"بتحرك فردي غير ممنهج من الجاليات المصرية في الخارج، وبالتنسيق مع السفارة المصرية في البلد المضيف، وإنه حدث في أكثر من 90% من زيارات رؤوساء سابقين.
وذكر "عبد العزيز" أن زيارات الرئيس الأسبق حسني مبارك لنيويورك وواشنطن كانت تشهد استقبالًا شعبيًا من جاليات عربية، وإنه أمر لا يتعارض مع المراسم الرسمية، ومُعتاد في بعض الدول بطرق استقبال تختلف وفقًا لعادات كل دولة، لكن بما لا يخرق بروتوكول الدولة المضيفة.
رمزية الرئيس
سبق حشد "نيويورك" المزمع ظهوره، تنظيم مظاهرات ترحيب أخرى بالرئيس خلال زيارته لكل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، كانت في جزءٍ منها تشكل تحركًا لوقف مظاهرات معادية للنظام المصري من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وفقًا لقول الدكتور شريف يونس، أستاذ التاريخ بجامعة حلوان.
ويعتقد أمين رئاسة الجمهورية الأسبق في أن دعوات الاستقبال يمكن اعتبارها نوع من إكساب الزيارة شيء من الشعبية أو التواجد للمصريين، ضاربًا المثل بزيارة الرئيس لألمانيا وفرنسا، ومؤكدًا أن كل ما تم كان في إطار بعيد تمامًا عن تحرك أو نية معينة، كالارتباط مثلاً بأنه مقبل على خوض انتخابات لفترة ثانية.
ويرى "يونس" أن الترتيبات المتعلقة باستقبال السيسي في دول مختلفة من وقت توليه السلطة، وثيقة الصلة بالظروف الاستثنائية التي اختاره فيها الناس رئيسًا بنسبة لم تحدث في تواريخ الانتخابات المصرية، بواقع 25 مليون صوت، ما جعل من انتخابه يُمَثل تحدٍ لقوى كثيرة، ويجعل المتابعين أمام حالة استثنائية من الالتفاف حول شخص بصفة رمز لشئ ما، سواء للدولة أو تقلص الإخوان.
ويقول أستاذ التاريخ لـ"المنصّة"، فيما يتعلق باستقبال رؤوساء سابقين، أن في حالة جمال عبد الناصر، كانت شعبية الرئيس طاغية، لدرجة أنه كان يُعامَل كـ "رئيس لكل العرب"، وهو ما يجعل منه الأكثر شعبية مقارنة بأي من خلفائه.
ويشير "يونس" إلى أن "عبد الناصر" كان يتمتع بشعبية جارفة في المغرب العربي والسودان حتى بعد هزيمة 1967، وفي سوريا حتى بعد مرور عقود على وفاته، مُذكرًا بإقدام الحشود على حمل سيارته خلال زيارته لسوريا، وذلك بعد استقباله في المطار، ويرى يونس أن هذا التصرف كان خليطًا بين الترتيبات والاندفاعات الجماهيرية التلقائية.
إجراء واحد وأسباب متعددة
في النهاية فالاحتفاء برئيس دولة في بلد خارجي لا يقتصر على مصر، إذ شهدت بعض الزيارات الخارجية السابقة لحُكّام من مختلف دول العالم، إجراءات احتفائية من قِبَل أبناء جالياتهم، كما كان في شهر أبريل/ نيسان الماضي، حينما احتشد إندونيسيون لاستقبال رئيسهم جيكو ويدودو خلال زيارته لهولندا.
تتعدد الأسباب والإجراء واحد، فبينما كان الترحيب بـ"ويدودو" يرجع لشعبيته بين مواطنيه، باعتباره أول رئيس إندونيسي من أصحاب الياقات الزرقاء، وامتهن قبل توليه الرئاسة حرفة النجارة، جاء الاستقبال المُرحب بالملك سلمان بن عبد العزيز، خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، في سبتمبر/ أيلول 2015، من قطاع من الجالية اليمنية، بسبب دور المملكة في عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد القوات الحوثية والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وفي السياق نفسه، قيل عن زعماء آخرين إنهم سعوا لشراء الترحيب وحسن الاستقبال بالأموال، وهو الاتهام الذي وجهه أحد الأكاديميين لرئيس الوزراء الإيطالي الراحل بينيتو موسوليني، بأنه اشترى حشودًا للترحيب به خلال زيارته لليبيا - التي كانت واقعة تحت الاحتلال الإيطالي- في ثلاثينيات القرن الماضي.