أُطلقت مؤخرًا منصة مشاهدة إلكترونية جديدة موجهة لجمهور السينما من الصم، تقدم أفلامًا سينمائية مترجمة إلى لغة الإشارة، مجانًا للجمهور، ضمن جهود لمبادرات مدنية لدعمهم.
المنصة التي انطلقت، في القاهرة، السبت الماضي، تحت عنوان "سينما للصم"، تأتي استكمالًا لمشروعين "فن في كل مكان"، و"سينما في كل مكان"، اللذان أُطلقا قبل سنوات لتنظيم عروض أفلام مستقلة وأمسيات ثقافية مترجمة إلى لغة الإشارة في مؤسسات للصم، حسب مؤسسها وجيه اللقاني.
وتضم المنصة مبدئيًا 10 أفلام روائية قصيرة تتراوح مدد عرضها بين 5 إلى 30 دقيقة، هم: حار جاف صيفًا، شباك، حبيب، أوضتين وصالة، دائرة الذنب، اليقظة، ألف رحمة ونور، حاجة ساقعة، ونس، الطفل والخبز. ثمانية منهم مصرية بالإضافة إلى واحد من سوريا وآخر مغرب.
ويقول اللقاني في تصريحات إلى المنصة، إن "الفكرة جاءت انطلاقًا من رغبة جمهور الصم الذين كانوا يحضرون فعاليتنا لمشاركة المشاهدة مع أفراد أوسع من الأصدقاء والأهل، بالإضافة ما كنا نتلقاه من طلبات مستمرة من دول عربية مختلفة، بأن نذهب لتنظيم عروض أفلام مترجمة بلغة الإشارة عندهم".
في مايو/ أيار الماضي، بدأ اللقاني التجهيز لمنصته بدعم من اتحاد المعاهد الثقافية EUNIC، اعتمادًا على ما اكتسبه من خبرة في الترجمة الاحترافية للغة الإشارة المصرية والعربية، وبمجهود زملائه في وحدة "C Film Translation Center" التي أنشأها لتصحاب عروض "سينما في كل مكان"، تلى ذلك تكوين فريق العمل الذي يضم مجموعة من الشباب الصم، ومترجمين لغة الإشارة ومخرجين أفلام.
والأفلام العشرة المتاحة حاليًا على المنصة، التي ستشهد زيادة في أعدادها خلال الشهور المقبلة، يختارها فريق من المبرمجين المحترفين من بين "الأفلام الحاصلة على جوائز أو شاركت في مهرجانات حول العالم".
وضمن معايير الاختيار أيضًا بحسب اللقاني أن تكون الأفلام حاصلة على "إشادة من النقاد، ولقيت اهتمامًا من المتخصصين في السينما"، ثم تقدم الاختيارات إلى لجنة مكونة من شباب الصم ومترجمين لغة إشارة لتصفيتها، قبل ترجمتها وتصوير الترجمة ومراجعتها ومونتاجها وتصحيح ألوانها كي تناسب ألوان الفيلم المعروض، مشيرًا إلى أن "ترجمة الفيلم الواحد تحتاج إلى أسبوع على الأقل".
والأفلام العشرة حصدت كلها جوائز بين محلية وقارية، مثل "حار جاف صيفًا" الذي حصد نحو 17 جائزة، و"ونس" الذي حصل على جائزة التانيت البرونزي لأحسن فيلم قصير في أيام قرطاج السينمائية في دورته الـ28.
وراعى القائمون على المنصة الاستفادة من اقتراحات الجمهور من الصم التي كانوا يبدؤونها أثناء العروض الحية وأبرزها "تعديل حجم الصندوق الذي يظهر فيه مترجم الإشارة على الشاشة، والذي كان صغيرًا وغير واضح في العادة، واستبدلنا به المترجم على الشاشة وكأنه جزء من الفيلم".
ويوضح اللقاني سبب اختيار ذلك النوع من الأفلام، "لا نملك دعمًا ماديًا كبيرًا كي نستطيع شراء حقوق ملكية أفلام طويلة، وكذلك ترجمتها لأنها تحتاج إلى تكلفة عالية ومجهود كبير، فوقع الاختيار للمرحلة الأولى على أفلام قصيرة وروائية، حتى نكون قادرين على شراء حقوقها".
وأضاف "شركات التوزيع والإنتاج وأصحاب حقوق الأفلام المعروضة على المنصة الآن، جزء منهم حصل على مبالغ رمزية وبعضهم منح الحقوق للمشروع بشكل مجاني، لإيمانهم بالفكرة". وبسؤال اللقاني إذا تم عرض الفكرة على منتجين أو شركات إنتاج أفلام طويلة، أجاب بأنه ينتظر أولًا أن يمر بعض الوقت على الفترة التجريبية الحالية، خاصة أن المنصة أُطلقت منذ عدة أيام.
وبالنسبة للقاني فإن الأفلام المستقلة ليست كما يشاع أن لها جمهور معين بعكس التجارية التي يشاهدها الجميع، ويتابع "طوال 12 سنة وأنا أعرض الأفلام المستقلة في المدن والريف والصعيد وأماكن أخرى مختلفة، ولم أجد إلا القبول"، مضيفًا "الفكرة فقط في عدم رواج هذا النوع من الأفلام، ولا توجد منصات متخصصة أو دور عرض لتقديمها، إنما من ناحية الإقبال عليها فهو كبير ويستطيع المشاهد الاستمتاع بها والتفاعل معها، لأنها تُصنع بشكل تقني وفني جيد جدًا".
ويؤكد "لا أمانع عرض الأفلام التجارية، ولكن هذا الأمر يخضع لاعتبارات توزيع وعقود ملكية واعتبارات سوق، وبالطبع إذا هناك شركة لديها فيلمًا تريد عرضه ستبيعه لقناة كبيرة ذات انتشار وليست منصة ناشئة على الإنترنت إلا لو كانت تلك الشركة مؤمنة بالفكرة، فهذا شيء آخر".
ويطمح مدير المشروع إلى تقديم أنواع مختلفة من الأفلام ليكون هناك تنوع يناسب كافة أذواق المشاهدة، لتضم تصنيفات أفلام مثل سينمائية وروائية ووثائقية وتجريبية ومستقلة وغيرها.
وعن ردود الأفعال حتى الآن، يوضح اللقاني "منذ إطلاق المنصة، استقبلنا مجموعة كبيرة من الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي من مخرجين وأصحاب أفلام مصريين وعرب، يريدون المشاركة والمساعدة"، لافتًا إلى أن الأفلام المعروضة حاليًا ستظل خلال الأربعة شهور المقبلة، وبعدها سيتم إضافة المزيد.
ويعتزم اللقاني أن يقوم وفريقه بجولة خلال الشهور المقبلة في عدد من مؤسسات الصم بالدول العربية، للتعريف بالمنصة، "أتمنى أن تكون فكرة المنصة وأول 10 أفلام بادرة لتصبح أكبر وتعرض مئات الأفلام لكل الصم من جميع الدول العربية".
ووفقًا للاتحاد العالمي للصم، يوجد في مصر أكثر من سبعة ملايين ونصف المليون نسمة من الصم والبكم يمثلون قرابة 10% من الصم والبكم في العالم.
وكانت ثمة مبادرات للتليفزيون المصري وبعض القنوات المتخصصة لتضمين مترجم الإشارة للعروض سواء السينمائية أو الدرامية وكذلك البرامج على الشاشة لكنها لم تشهد منهجية أو يكتب لكثير منها الاستمرار.