كشف النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، عن تفاصيل جديدة في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والتي تسببت في توتر العلاقات بين القاهرة وروما.
وأعلن "صادق" في بيان مشترك مع نظيره الإيطالي جوسيبي بيناتوني، أمس الجمعة، أن معلومات وردت للنيابة العامة، تفيد بإبلاغ رئيس النقابة المستقلة للباعة الجائلين الشرطة ضد "ريجيني"، 7 يناير/ كانون الثاني الماضي، أي قبل أسبوعين تقريبًا من اختفائه ثم ظهور جثته.
وذكر النائب العام المصري، في البيان نفسه، أن الشرطة أجرت تحريات لمدة 3 أيام حول أنشطة "ريجيني"، انتهت نتائجها إلى أن أنشطته البحثية "ليست محل اهتمام للأمن القومي"، وأنه بناءً على تلك النتيجة توقفت التحريات.
وتواجد "ريجيني" في القاهرة لدواعٍ دراسية، إذ كان يجري أبحاثًا عن النقابات العمالية المستقلة في مصر ضمن رسالة الدكتوراه الخاصة به في جامعة كامبريدج البريطانية، وعُثر على جثته في مدينة 6 أكتوبر، على طريق "القاهرة- الإسكندرية" الصحراوي، في 3 فبراير/ شباط الماضي، وعليها آثار تعذيب "حروق بالسجائر، وكدمات".
"لَبْس" حول هوية النقيب
ذكر بيان النائبين المصري والإيطالي أن من أبلغ الشرطة بمعلومات عن "ريجيني" هو رئيس النقابة المستقلة للباعة الجائلين، دون ذكر اسمه.
ويتولى مهام هذا المنصب الآن، أحمد حسين، الذي أبدى انزعاجه من الأمر، ونفى لـ"المنصة" أي علاقة بينه وبين القضية، مؤكدًا سيتقدم ببلاغ للنائب العام بخصوص الزج باسمه في موضوع "لا علاقة له به".
وقال "حسين" إن ثَمّة "لبس" وقع أمس، بسبب وجود نقابتين مستقلتين للباعة الجائلين، أحدهما تُسمّى "النقابة المستقلة للباعة الجائلين" التي يتولى رئاستها، والثانية "النقابة المستقلة للباعة الجائلين بغرب القاهرة" والتي يتولى رئاستها محمد عبد الله، وأكد أن الثاني هو المقصود من البيان، ودلل على صدق كلامه بقوله إن "عبد الله" كان دائم التصريحات لوسائل الإعلام حول القضية.
وبالبحث وجدت "المنصة" أن نقابة تحمل مسمى "المستقلة للباعة الجائلين" يرأسها شخص يدعى محمد عبد الله، أعلنت في مايو/ آيار الماضي انضمامها إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.
وظهرت في الأعوام الثلاث الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، نقابات عمالية ومهنية مستقلة، تعمل في إطار موازٍ ومنفصل في مواجهة النقابات الحكومية، في محاولة للتغلب على التضييقات الأمنية على العمل النقابي، وكان أبرز تلك النقابات "المستقلة للضرائب العقارية" التي كان من بين مؤسسيها الناشط العمالي كمال أبوعيطة، الذي تولى منصب وزير القوى العاملة فيما بعد ثورة 25 يناير.
ونفى "حسين" أي صلة له بالقضية، التي قال إن بيان أمس تسبب في اعتقاد كثيرين أنه ضالع فيها، مؤكدًا أنه لم يلتق الباحث الإيطالي من قبل، خاصة وأن النقابة "جمدت نشاطها" منذ قرار الحكومة بنقل الباعة الجائلين من منطقة وسط البلد، وقال إن "عبد الله" هو المقصود، وإن هذا الأخير أكد في تصريحات صحفية أنه التقى "ريجيني" أكثر من مرّة.
ولم يعثر "المنصة" على أي وسيلة للاتصال بـ"عبد الله" للتعليق على القضية، والرد على البيان وتصريحات "حسين".
لكن "عبد الله" أكد في تصريحات سابقة، مايو/ آيار الماضي، أنه التقى "ريجيني"، وذلك تعليقًا على إعلان مصدر قضائي لوكالة "رويترز" للأنباء، إن مصر سلمت للمدعي العام الإيطالي، سجلات الهاتف المحمول الخاص بـ5 أشخاص تواصلوا مع "ريجيني"، بينهم محمد عبد الله رئيس نقابة الباعة الجائلين.
وقتها قال "عبد الله" لموقع "دوت مصر" إنه لايعلم مضمون التسجيلات، وإنه قابل ريجيني في وقت سابق لمقتله 6 مرات، بخصوص إجرائه بحث عن النقابات في مصر، وأنه لا يخشى شيئا من إذاعة التسجيلات.
تعاون قضائي وغضب سياسي
وتعددت اللقاءات الرسمية "المصرية- الإيطالية" منذ مقتل الطالب جوليو ريجيني، إذ زار وفد إيطالي القاهرة في مايو/ آيار الماضي، ليتسلم نسخًا من تحقيقات ووثائق تتعلق بالقضية، كما التقى النائب العام المصري ونظيره الإيطالي لمرات ثلاث منذ الحادث، للتشاور وتبادل المعلومات في الشأن نفسه.
لكن في مسارٍ موازٍ للتعاون القضائي بين البلدين بخصوص القضية، لم تكن علاقتهما السياسية والدبلوماسية على ما يرام، إذ أجج الحادث غضبًا في روما تجاه القاهرة، كان من صوره استدعاء الحكومة الإيطالية سفيرها لدى مصر للتشاور، في خطوة احتجاجية على "تقاعس" المسؤولين المصريين عن تسليم أدلة متعلقة بمقتل ريجيني بعد أول اجتماع بين المدعين العموميين من البلدين.
وامتد تأثير القضية وتداعياتها إلى قرار آخر صدر من مجلس الشيوخ الإيطالي ضد القاهرة، في يونيو/ حزيران الماضي، بإلغاء توريد قطع غيار المقاتلات F-16S إلى مصر.
وعثرت السلطات المصرية على جثة الشاب الإيطالي في أوائل فبراير/ شباط الماضي، على طريق "القاهرة- الإسكندرية" الصحراوي، في مدينة 6 أكتوبر، وعليها آثار تعذيب.
وسارعت أجهزة الأمن المصرية بنفي إلقائها القبض على "ريجيني" الذي اختفى بالتزامن مع حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، لكن وكالة "رويترز" للأنباء، ذكرت في أبريل/ نيسان الماضي، إن مصادر أمنية ومخابراتية- لم تُسمها- قالت لها إن "الشرطة احتجزت ريجيني، ثم نقلته إلى مجمع يديره جهاز الأمن الوطني في اليوم الذي اختفى فيه".
ودأبت وزارة الداخلية المصرية على نفي ضلوع أي من ضباطها في مقتل الباحث الإيطالي، وإلى أن أصدرت في ، مارس/ آذار الماضي، بيانًا رسميًا، تذكر فيه أنها عثرت على متعلقات القتيل بحوزة "عصابة إجرامية" قُتِل جميع أفرادها في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، وهو ما لاقى رفضًا إيطاليًا، إذ أصر الطرف الآخر على معرفة الحقيقة "جلية" واعتبر رواية الوزارة المصرية عن العصابة "بلا دليل".