خمسة وسبعون يومًا بالتمام والكمال، أتمها اعتصام "ميدان الفداء" بقرية الدراز، في شمال غرب مملكة البحرين، والذي نظمه المئات من المواطنين الشيعة، دعمًا للمرجعية الشيعية الشيخ عيسى أحمد قاسم، الذي قررت السلطات إسقاط الجنسية البحرينية عنه.
و"الفداء" لم يكن قبل هذه الفعاليات الاحتجاجية ميدانًا، فهو ساحة أمام منزل "قاسم" قرر مؤيدو الشيخ الاعتصام فيها؛ وقرر "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير" إطلاق مسمى "ميدان الفداء" عليها، وهو ما حظي بقبول 40 جماعة سياسية معارضة، ذكرت في بيان مشترك صادر عنها في يوليو/ تمّوز الماضي، أنّ الاعتصام في محيط منزل الشيخ قاسم "تعبيرٌ عن الفداء لهذه القامة الإيمانيّة الشامخة، وعن الفداء للإسلام والمسلمين".
ويدخل مؤيدو "قاسم"، السبت، يومهم السادس والسبعين في الاعتصام، الذي يرونه وسيلة لمناصرة شيخهم والحيلولة دون ترحيله من البلاد، وفقًا لما تورده عن الاعتصام أخبار يقتصر وجودها على مواقع شيعية وبحرينية معارضة فقط بالإضافة لـ"تويتر"، دون غالبية وسائل الإعلام العربية الأخرى، التي تكاد تكون ملابسات هذا الاعتصام أو ما سبقه من فعاليات احتجاجية في البحرين شبه غائبة تمامًا عن أجندته.
قاسم.. شرارة اعتصام "الفداء"
تعود بداية الاعتصام الحالي في قرية الدراز إلى قرار أصدرته وزارة الداخلية البحرينية، 20 يونيو/ حزيران الماضي، بإسقاط الجنسية البحرينية عن الشيخ عيسى أحمد قاسم، واتهمته بأنه أسس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، ولعب دورًا رئيسيًا في خلق بيئة "طائفية متطرفة"، وعمل على تقسيم المجتمع "تبعًا للطائفة وللتبعية لأوامره".
واتهمت السلطات "قاسم"، وفقًا لبيان وزارة الداخلية البحرينية، بأنه "يتواصل مع منظمات خارجية وجهات معادية للمملكة، ويجمع الأموال دون ترخيص، وعمل على السيطرة على الانتخابات بالفتاوى من حيث المشاركة والمقاطعة وخيارات الناخبين ، وحشد كثير من الجماعات لتعطيل إصدار القسم الثاني من قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري)".
على الجانب الآخر- غير الحكومي- ينظر مواطنو البحرين الشيعة، إلى "قاسم"، (76 سنه)، الذي جلب حبسه انتقادات للنظام، باعتباره أحد أبرز مرجعياتهم، لا سيما وأنه درس العلوم الشرعية في سيتنيات القرن الماضي في مدينة النجف العراقية، حيث يتركز علماء الشيعة، لدراسة العلوم الشرعية، التي واصل دراستها في التسعينيات في مدينة قم الإيرانية.
وعلى الرغم من مشاركة "قاسم" عام 1971، في عضوية المجلس التأسيسي لوضع الدستور البحريني، إلا أن النظام وضعه منذ التسيعنيات في قفص الاتهام بـ"العمالة" والتواصل مع إيران، وبدأ الأمر عام 1996 باتهامه بـ"الضلوع في مؤامرة لقلب نظام الحكم وتأسيس مجموعة معارضة"، وتكرر الأمر بعد مشاركته في الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام منذ عام 2011، لينتهي الأمر- حتى الآن- بإسقاط الجنسية عنه.
ويظهر مؤيدو "قاسم" في الصور والفيديوهات المتداولة من مقر الاعتصام، حاملين صورًا له، مكتوبًا عليها كلمات وعبارات مثل "نفديك" و"دونك الأرواح" و"أرواحنا دون الفقيه تُقَدم"، و"نداء إلى كل أحرار العالم.. النظام الخليفي يبيد الشيعة"، كما نظموا في إطار فعالياتهم الاحتجاجية مسيرات تندد بممارسات النظام تجاه المرجع الشيعي، فيما اعتبروه "حربًا ضد السُكّان الأصليين".
وتفيد مواقع إخبارية معارضة وتدوينات لمؤيدي الاعتصام، بأنه يحظى بتأييد حركات سياسية، منها "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير"، وكذلك دعمًا من شخصيات دينية وسياسية شاركت فيه، وألقت السلطات الأمنية القبض عليها لهذا السبب، ومنهم رئيس المجلس العلمائي، السيد مجيد المشعل، والملا هاني البلادي، في وقت يطوق فيه الأمن محيط الاعتصام، ويحاول بين فترة وأخرى فضه.
النظام ضد "الخواجة" ومعتصمي "اللؤلؤة"
لا يعد تصرف السلطات البحرينية ضد مشاركين في "اعتصام الفداء"، حالة فردية، إذ سبقته إجراءات مشددة ضد معارضيها- أفرادًا وجماعات-، ما جعلها عرضة لانتقادات دولية وحقوقية إذ أغلقت في وقت سابق جمعية الوفاق البحرينية الشيعية المعارضة، كما اعتقلت النشطاء الحقوقيين نبيل رجب وعبد الهادي الخواجة، ومسؤولين آخرين عن جمعيات معارضة.
و"اعتصام الفداء" ليس الفعالية الاحتجاجية الأولى من الأغلبية السُكانية الشيعية ضد النظام السُني الحالي للمملكة بقيادة عاهلها حمد بن عيسى آل خليفة، منذ انطلاق انتفاضة ضده عام 2011، بالتزامن مع ثورات اندلعت في مصر وتونس وسوريا، وسبق هذا الاعتصام بأربعة أعوام، اعتصام آخر في منطقة "دوار اللؤلؤة" بالعاصمة المنامة، فضته قوات مكافحة الشغب، على العكس من محاولات غير ناجحة- على الأقل إلى الآن- في تفريق مرابطي "الفداء".