خرج علينا الإعلامي عماد الدين أديب قبل بضعة أيام بتصريحات يقول فيها إن "المغتصَبة ما لم تُرد أن تغتصب فهي شريكة"، بهذا التصريح يتفق أديب مع الإنلفونسر لاعب الكيك بوكسينج الذي برز اسمه مؤخرًا، للأسباب الخاطئة، وكانت مناسبة لمن لا يعرفونه للتعرف عليه وعلى أفكاره التي ينشرها بين المراهقين والشباب بعد القبض عليه. وهو أحد الشخصيات المؤثرة على الإنترنت، ويقدم نفسه كمدرب النجاح "لتكوين الثروات الحديثة" بوصفاته الجاهزة لتحقيق المكانة والأهداف.
يعرف أندرو تيت باسم "كاره النساء"، وبخطابه الذكوري الموجه لمهاجمة النساء والتقليل من شأنهن، بل اعتبارهن مصدر الشرور، وفي هذا لا شك يلتقي تيت مع آراء بعض الأئمة المسلمين. ومن تصريحاته أنه "إذا وَضعت المرأة نفسها في وضع يسمح لك بالاغتصاب يجب عليها أن تتحمل بعض المسؤولية"، وذلك في سياق تبريره للاغتصاب والعنف الممارس ضد النساء، وهو ما دفع منصات السوشيال ميديا إلى حظر فيديوهاته.
ويواجه تيت حاليًا تهم الاتجار بالبشر واستغلال النساء، وإجبارهن على تصوير محتوى جنسي ونشره على بعض المنصات. وألقت السلطات الرومانية القبض عليه بعد اختفائه وتواريه، وتمكنت من كشف مكان اختبائه من خلال صندوق بيتزا ظهر في صورة حديثة له، وتتبعت الشرطة مصدر البيتزا، وكشفت مخبأه واعتقلته مع شقيقه وشخصين آخرين.
ينتمي كل من عماد أديب وأندرو تيت إلى جيلين مختلفين وثقافتين مغايرتين، لكنهما اجتمعا على خطاب ذكوري يشجع على العنف. الأمر ليس مفاجئًا، فالذكورية مكون أساسي في المجتمعات البطريركية التي تدافع عن امتيازات الرجل واستحقاقاته الكثيرة. وربما الجدل الذي ظهر إلى العلن في السنوات الأخيرة كان نتيجة محاربة تلك الأفكار ومواجهتها في رحلة لم تنته بعد، وتُنذر الأحداث بأن الطريق لا يزال طويلًا.
الأزمة الحقيقية هي فيما يمثله كل منهما، الأول يعبر عن جيله الذي يعتبر أن هذه هي طبيعة الأمور، والثاني فيما يمثله للمراهقين والشباب، وكأنهما يسلمان الراية لبعضهما لإكمال المسيرة.
عُرض تقرير تليفزيوني على قناة بي بي سي لشبان يروون أن تيت يمثل نموذجًا حقيقيًا للنجاح، ما دام تمكَّن من جمع ثروة طائلة وبات شخصًا معروفًا له أتباع ومؤيدون حول العالم، فهو يقدم نموذج الشخص الحديث المتحقق بغض النظر عن آرائه، وطالما أصبح والنجاح صنوان، فلا بد أن أفكاره وآراءه صحيحة، وإلا ما كان الناس تبنوها أو دافعوا عنها.
جمهور تيت، بحسب التقرير، هم من الصبية اليافعين وصولًا إلى الشباب في منتصف العشرينيات من أعمارهم. ورغم أن المتحدثين في التقرير قالوا إنهم يجدون بعض آرائه غير مقبولة لكنهم يوافقونه في مواقف أخرى، والأهم من ذلك بالنسبة لهم؛ كيف يمكن أن يكون مخطئًا وقد أصبح غنيًا في وقت قصير نسبيًا؟
الإسلام ونظرية المؤامرة..
قبل إلقاء القبض عليه، أعلن أندرو تيت تحوله من المسيحية إلى الإسلام، رغم أنه صرح علانية في سنة 2019 بأنه ملحد. لكنّه عاد وادعى بعدها أنه وجد دليلًا علميًا على وجود الله، بحسب مقابلة منشورة له على يوتيوب، وأن دليله مبنيٌ على قانون نيوتن أن لكل فعل رد فعل، مفسرًا أن كل الشر الموجود في العالم من فعل الشياطين، ولا بد من قوة مقابلة لهذا الشر الشيطاني، وهو الله، بحسب تعبيره، وأن هذه القوة هي الدافع للمؤمنين بالله للتصرف بالطريقة الصحيحة.
يقول "نعيش في عالم مملوء بالشرور، والأشرار يسعون لتدمير المنظومة الأخلاقية التي يحميها الله". وعن تحوله للإسلام، يقول تيت إن المسيحية لا تستخدم ما منحها الله للدفاع عن نفسها أو للتغيير في المجتمع، وأنها صارت متسامحة مع كل ما لا يمت للمسيحية بصلة، خاصة في المجتمعات الحديثة وتحولت إلى "زبالة" على حد تعبيره.
لقاء أندرو تيت الذي يشرح فيه تحوله إلى الإسلام
وأضاف أن الطريقة الوحيدة لعبادة الله، هي اتباع تعاليمه واحترامها، وأن يكون المؤمنون مستعدين للدفاع عن تلك التعاليم حتى لو تم وصمهم بالعنف. وأن الأصل في العنف هو الدفاع عن تلك المعتقدات. فكل المعتقدات ما لم تجد من يدافع عنها ويقاتل لأجلها ستختفي.
ويرى تيت أن الإسلام هو الديانة الوحيدة الآن على الأرض التي تدافع عن معتقداتها، وأن المسلمين لا يتسامحون مع الأمور "غير الأخلاقية". ويضيف أن المسيحية فشلت في الدفاع عن قيمها، وأن الديانة الوحيدة الباقية هي الإسلام.
لاقى كلام تيت استحسانًا كبيرًا في البلاد العربية، وانبرى مستخدمو السوشيال ميديا في الدفاع عنه وتبرئته من التهم المنسوبة إليه، التي يجري التحقيق فيها حاليًا. مرة معتبرين أن دخوله الإسلام يَجُبّ كلَّ ما سبقه، وأخرى بأن ما يتعرض له الرجل "مؤامرة مُحكمة لمعاقبته على إعلان إسلامه".
الأكيد أن دخول تيت الإسلام من عدمه ليس مبحثي، لكن تستوقفني القيم التي يدافع عنها هؤلاء، وأتساءل كيف لا يرون ما تحققه قيم العدل والمساواة والسعي لتكريسها من رفاه نسبية واستقرار اجتماعي للمجتمعات التي تطبقها؟ فلا الإسلام يبرر للأفعال والأفكار التي تعمل على الهدم، ولا الثروة الطائلة دليل على صوابية صاحبها.
فهل الأشرار الذين يتحدث عنهم تيت يأتون بأفعال غير ما يقوم بها هو نفسه؟ في العالم الغربي لدي ثقة بالقوانين المطبقة ضد كل من يحرض على العنف ويروج له، أو على الأقل تظل المحاولات مستمرة. لكن في بلداننا العربية من يستطيع أن يقوّم الأفكار وينبه أصحابها إلى الجرائم التي يرتكبونها بدراية أو جهل، كما في تصريحات الإعلامي المخضرم عماد أديب، الذي فاته مع سنوات العمر والخبرة أن كلامه يحمّل، للمرة المليون، الضحية مسؤولية ما يقع عليها من أذى.
فما هو الضامن بأن يراجع أديب وغيره أفكارهم، ويتحررون من قيود أفكار هدامة لن تترك لنا مكانًا في العالم المتغير؟ ومن يرفع أذى الأفكار والتصريحات عن النساء في مجتمعات مستعدة للموت في سبيل الإبقاء على موروثاتها حتى لو فيها هلاكها؟ أسئلة كفيلة أن تجيب عنها معركة الأجيال المستمرة؟ لكن البقاء في النهاية لن يكون إلا للأنسب. لمن يستطيع عبور الضفاف بين الماضي والحاضر والمستقبل بأقل خسائر ممكنة، وهذه ميزة يختص بها شباب هذا الجيل، وليس غيرهم، من أصحاب الأفكار المحنطة التي توقف بها الزمن في محطة بعيدة.