تشهد أسعار الكتب المعروضة في معرض الكتب لهذا العام زيادات لن تقل عن 40% في المتوسط مقارنة بأسعار العام السابق، وفق توقعات ناشرين تحدثت إليهم المنصة، لم يخفوا تشاؤمهم فيما يتعلق بمعدلات الإقبال على الشراء، وهو ما يُعزى لأزمة نقص الدولار وارتفاع أسعار الصرف في السوقين الرسمية وغير الرسمية.
وتنطلق الدورة الـ 54 من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023 يوم 24 يناير/ كانون الثاني الجاري في مركز المعارض بالتجمع الخامس، ويستمر حتى 6 فبراير/ شباط المقبل. وعادة ما يعتبر المعرض فرصة لدعم صناعة النشر لما يتيحه من مساحة لتجميع القراء ودور النشر في مكان واحد، وبالتالي سهولة الحصول على الكتب، غير أن إيهاب الملاح، الكاتب الصحفي والباحث المتخصص في التراث والتاريخ الثقافي، يتوقع أن تكون دورة المعرض هذا العام "كارثية"، بسبب أسعار الكتب التي أصبحت تبدأ في المتوسط من 200 جنيه وتصعد إلى ما فوق حاجز الألف.
لماذا ارتفعت أسعار الكتب؟
"تكلفة الكتاب لا تقتصر على الورق والطباعة فقط، ولكن تشمل تكاليف التحرير والإخراج الفني وتصميم الغلاف والتسويق والحقوق، كحقوق المؤلف أو الحقوق الخارجية أو الترجمات" كما يقول شريف بكر، مدير دار العربي للنشر والتوزيع، في إشارة إلى أن كافة التكاليف المطلوبة لخروج الكتاب للمستهلك شهدت قفزات بسبب الارتفاعات المتوالية في معدلات التضخم.
ويضيف بكر نافيًا اتهام الناشرين بالجشع "الكتاب الذي يصل سعره في السوق إلى 200 جنيه، يحصل الناشر على 50% فقط من إيراداته، والنصف الآخر يذهب إلى الموزع والمكتبات على شكل تخفيضات، والنسبة التي يُحصّلها الناشر يقتطع منها التكاليف التي أنفقها على إصدار الكتاب وبالتالي تتبقى له نسبة ضئيلة جدًا".
ويشير بكر إلى أنه في الغالب كل الكمية التي تم طبعها من الكتاب لا يتم بيعها "لو أنا عندي كتاب طبعت منه 1000 نسخة وتم بيع 200 نسخة تبقى لدي 800 نسخة، فإذا لم يتم بيعها سريعًا فالكتاب لا يغطي تكاليف إنتاجه ويتحمل الناشر الخسارة".
ارتفاع سعر الورق
يشكو الناشرون كلهم من القفزات المتوالية في أسعار مستلزمات طباعة الكتاب، في ظل التسعير المتضارب في السوق للخامات على أساس تغيرات أسعار العملة الصعبة بين السوقين الرسمية وغير الرسمية، مع الاعتماد الكثيف لمصر على استيراد مستلزمات النشر.
"مصر تستورد سنويًا نحو 300 ألف طن من الورق، لتغطية السوق المحلية التي تنتج ما بين 140 إلى 150 ألف طن سنويًا، تنتجهما شركتي إدفو وقنا في صعيد مصر، حيث يستهلك السوق نحو 450 ألف طن سنويًا" بحسب عمرو خضر، رئيس شعبة الورق بغرفة القاهرة التجارية، في حديث مع المنصة.
وللحرب الروسية الأوكرانية تأثير مباشر على أسعار الورق، خاصة وأن روسيا أكبر مصدر غاز لأوروبا، وهو الطاقة المستخدمة في مصانع الورق، ومع الحرب ارتفعت أسعار الغاز في 2022 لـ15 مرة عما كانت عليه في 2021، لكن ارتفاع أسعار الطاقة كان له تأثير على أسعار الورق المستورد من أوروبا فقط، كما يقول خضر، بينما تعتمد مصر بشكل أساسي على الصين وتأتي في المرتبة الأولى، ثم أندونسيا والبرازيل وأخيرًا أوروبا.
وبحسب النشرة الاقتصادية للصادرات والواردات المصرية عن عام 2021، بلغت واردات قطاع الطباعة والتغليف والورق في عام 2021 نحو 1.558 مليار دولار.
وإلى جانب الزيادات العالمية، فقد ارتفع سعر الورق المستورد داخل السوق المصرية مع أزمة تكدس البضائع في المواني، التي أضافت إلى سعرها تكاليف غرامات التخزين، علاوة على تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار، "سعر طن الورق المستورد في بداية يناير من العام الماضي 23 ألف جنيه للطن، الآن وصل سعره ما بين 45 إلى 50 ألف جنيه للطن"، كما يقول خضر.
وأسعار الورق المحلي لم تكن أيضًا بمنأى عن الارتفاع، حيث قفزت في 2022 بنسبة تجاوزت الـ100%، وفقًا لخضر "الورق المحلي في يناير 2022 كان 18 ألف جنيه للطن الواحد، ويوم 10 يناير السنة دي وصل سعر الطن نفسه 40 ألف جنيه"، وفقًا للأسعار الجديدة لشركة قنا للورق.
ويرجع العضو المنتدب لشركة إدفو للورق، محمد عبد الله، زيادة أسعار المنتج المحلي إلى زيادة الخامات خاصة سعر لب الخشب المستورد، والذى يمثل نحو 20% من مكونات إنتاج الورق، بالإضافة إلى مصاص القصب (الباجاس) من مصانع السكر، وفقًا لتصريحاته لموقع البورصة.
ما دور الحكومة في دعم صناعة النشر؟
في 15 أغسطس/ آب الماضي، اجتمع رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده مع قطاع إدارة الأزمات بمجلس الوزراء، وأعلن وقتها عن مقترح بتوجيه دعم خاص لصناعة النشر خلال الفترة الحالية نظرًا لما تمر به من ضغوط، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع بحسب تأكيد شريف بكر في حديثه مع المنصة إذ قال إن "الحكومة لا ترى دور النشر الخاصة"، ولم تقدم لها أي دعم بأي شكل.
ويضيف بكر "هي فقط تنظر إلى الهيئات الوزارية التي تقوم بالنشر، والتي لا تمثل سوى 10% فقط من سوق النشر وباقي الـ 90% هي دور النشر الخاصة، ربما الدعم الوحيد الذي تقدمه الحكومة يكون من خلال تنظيم فعاليات معرض القاهرة للكتاب".
وحتى هذا الدعم صار مشكلة في ظل معدلات التضخم الحالية، فقد ارتفعت أسعار إيجارات المساحات المخصصة لدور النشر في المعرض المقبل، حيث صعد إيجار المتر إلى 1350 جنيه من 1200 جنيه في العام الماضي، بنسبة زيادة بلغت 12.5% قامت الوزيرة لاحقًا بتخفيضها إلى 5% فقط.
" يتفاوض الناشرون في مصر على تقليل قيمة الإيجار في وقت تنازلت معارض في الخليج عن الإيجار تمامًا، ومعارض أخرى جعلته مبلغًا رمزيًا"، كما يقول الكاتب الصحفي سيد محمود للمنصة، مشيرًا إلى أن هذه المفاوضات انتهت بوعود من وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني بتقليل الإيجارات، والاكتفاء بزيادة 5% فقط عن أسعار العالم الماضي.
ويتوقع سيد محمود مع استمرار الأزمات الحالية، أن يكون التأثير الأكبر على صغار الناشرين "قد يخرجون من سوق النشر بشكل كامل".
ويرى عمرو خضر أنه يمكن أن تعمل الحكومة على دعم صناعة النشر بشكل غير مباشر من خلال تشجيع الاستثمار في صناعة مستلزمات الطباعة محليًا، كصناعة الورق مثلًا، مقترحًا أن تمنح الحكومة تسهيلات للمستثمرين ورجال الأعمال لإقامة مصانع للورق محليًا "من ناحية أنا سأوفر للناشر المصري ما يحتاجه ومن أخرى سأوفر العملة الصعبة التي نستورد بها الورق".
الأثر السلبي على القدرة الشرائية
بشكل عام يرى الكاتب إيهاب الملاح أن جميع أسعار الكتب الصادرة عن دور نشر خاصة أو تابعة للدولة لن تنجو من زيادات الأسعار الحالية " حتى كتب المركز القومي للترجمة تصل أسعارها حاليًا إلى 500 جنيه".
ويرى سيد محمود أن قدرة المواطن الشرائية ستنخفض في مقابل ارتفاع أسعار الكتب "زائر المعرض الذي كان يستطيع شراء 6 كتب بمبلغ 1000 جنيه لن يستطيع شراء سوى كتابين أو ثلاثة هذا العام".
أما شريف بكر فيقول إن معرض هذا العام سيكون بمثابة اختبار لرد فعل القارئ تجاه مستويات الأسعار الجديدة، "سنرى هل سيشتري كتابين فقط، هل هيروح للكتاب المقرصن، هل هيلجأ للإلكتروني أكثر، هل سيجتمع كل أربعة أو خمسة يشتروا كتب ويقرأونها مع بعض طالما لا توجد مكتبات عامة أو طريقة تجعل الناس يقرأون بشكل جماعي، وأيضًا بالنسبة لنا كناشرين هل سنلجأ لبيع الكتب بالتقسيط؟".