تصميم أحمد بلال- المنصة
تختلف اللا جنسية كميل جنسى عن الضعف الجنسى الذى يعد أحد أنواع العجز الجنسي

الحب دون جنس

كيف ينظر اللاجنسيون إلى ذواتهم؟

منشور الأحد 25 ديسمبر 2022 - آخر تحديث الأحد 25 ديسمبر 2022

لم يكن مصطفى* يعرف أنه ميوله "لاجنسية" قبل تجربة زواجه التي خاضها بعدما اتفق مع شريكته على عدم الإنجاب واللجوء إلى التبني حال رغبا في ذلك، وهو ما حدث بالفعل ويعيش مع الطفل حاليًا بعد الطلاق لـ"رغبتها في ممارسة الجنس"، فيما يفضّل هو الاكتفاء بتطوير "العلاقة عاطفيًا".

مصطفى الذي يعيش مرحلة اﻷربعينيات في اليمن، البلد المحافظ، ويصنف نفسه "لاجنسي"، يعتبر أن أزمة انفصاله تمركزت في "عدم تفهم الزوجة لرغباته وميوله"، المتمثلة في عدم وجود انجذاب جنسي للآخرين، أو رغبة منخفضة في ممارسة العلاقات الجسدية، وهي نزعة يمكن أن تُصنِّف طيفًا واسعًا من الهويات اللاجنسية الفرعية.

مصطفى ليس حالة فريدة، فاللاجنسية Asexual، توجه جنسي يندرج تحت مظلة كبيرة تضم تصنيفات يصنفها الأشخاص لأنفسهم، وغالبًا ما يرفض أولئك العلاقات الجنسية ويكتفون بالعلاقات الرومانسية، وبعضهم يرفض أي انجذاب جسدي أو عاطفي.

وتؤكد الطبيبة النفسية آية البحقيري أن اللاجنسية ليست مرضًا أو اضطرابًا، إنّما ميل طبيعي لا يستدعي تدخلًا علاجيًا، حتّى إن كانت غير معروفة لدى أغلب الناس، الذين قد يتخيلون أن اللاجنسي "عنده مشكلة ما". 

ليست مرضًا

تختلف اللاجنسية كميل جنسى عن الضعف الجنسى الذى يعد أحد أنواع العجز الجنسي، ويشير إلى عدم قدرة عضو الرجل على الانتصاب أو عدم بقائه منتصبًا خلال الممارسة الجنسية، أو تأخّر النشوة الجنسية أو ندرتها أو انعدامها عند النساء، وكلتا الحالتين مشكلة طبية يمكن علاجها، وقد يكون سببها عضويًا أو نفسيًا لكن ليس لها علاقة بقدرة الأشخاص على تكوين انجذاب أو رغبة تجاه شركائهم.

على خلاف مصطفى، اكتشفت ميرا ميولها اللاجنسية مبكرًا، وإن صنفتها "رمادية" عندما كانت في السابعة عشر من عمرها، "قبل ده ماكنتش بحس بانجذاب جنسي لحد، وماكنتش عارفه ليه، وعرفت إني فعلًا مليش انجذاب لحد وأنا مش بحبه وأن فعلًا دا مش عيب فيا،  حتى لو بحب الشخص، بابقى عايزاه رومانسي، ومرة انجذبت لشاب، وماكنتش مرتاحة برضه أعمل حاجه جنسية".

في مسألة الرغبة "المش كتير" بتعبير ميرا، توضح البحقيري في حديثها للمنصة أن ليس كل اللاجنسيين متشابهين أو لديهم الرغبات ذاتها، فيما يُعرف موقع Healthline أن الشخص "نصف الجنسي" أو الرمادي جنسيًا بشخص يختبر الانجذاب الجنسي تحت ظروف معينة.

الفتاة التي لا تزال في التاسعة عشر من عمرها، حكت أنها تعرضت لضغوط كثيرة جراء ميولها من شريكها "قال لي في الشات مش واثقة فيا أو مش بتحبيني أو بتذلينى، عشان كنت برفض". وبعدها بدأت ميرا في رفض المواعدة "بسبب إني مش عايزة أقول ميولي. مش شايفة أنه صح أو أمان ليا إني بعد بدأ علاقة رومانسية أصارح حد بده، بس ممكن في فترة التعارف أقول لو اتطمنت و نشوف هنكمل ولا لأ،  صعب عليا أتنازل لحد فى الجزء ده، لأني مش برتاح لأبسط لمسة حتى لو عادية وبنط من مكاني".

وتستطرد البحقيري أن المشكلة الرئيسية في مصر  في تصنيف الشخص على أنه لاجنسي، تتمثل في أن أغلب الأشخاص لا تمارس علاقات جنسية إلا بعد الزواج، وعدم وجود مساحة للتجارب الحرة، وينظر للجنس على أنه واجب على الزوجين، في حين أننا كأطباء لا نشخص على نحو قاطع بأن الشخص لاجنسي، "يمكننا شرح تعريف اللاجنسية، ونترك الشخص يستكشف انتماءه بنفسه".

فعالية خاصة باللاجنسيين- 2017

لماذا ينشغلون بميولنا؟

لا تعتقد لينا الفتاة القاهرية أنها قد تتعرض لوصم من الأغلبية فى مجتمعها بسبب ميولها، وترى أن "مجتمعنا العربي عمومًا العادي فيه أنك تبقى رمادي جنسي لأن ده حاجة بتحصل بعد الجواز فمحستش بوصم".

وأكملت لينا العشرينية التى روت أنّها مرتبطة حاليًا في علاقة مستقرة تعرضها للوصم في سياقات أخرى "على عكس الأشخاص اللي أنا محاطة بيهم اللى هم أكثر تحررًا و بيدخلوا فى علاقات كتير بشكل كاجوال كانوا بيستغربونى ويشوفوني غريبة وبايظة! أول مرة أمارس فيها علاقة جنسية مثلًا مع شخص كانت فى علاقتى الحالية بعد شهرين".

خلاف لينا، تتوقف جينا التي تدرس التمريض أمام مشاعر الخوف من الوصم المجتمعي، "مكانش فيه أي حد يثير إعجابي، وكنت متوقعة أن دا عشان أنا بنت متربية ومن أسرة متدينة، بسبب موقف ما حصل مع صديقة وأنها حكت حاجة شخصية عن واحدة تانية، اقترحت عليا إني ممكن أكون لاجنسية وبالفعل بدأت أقرأ ولقيت نفسي، لكن كنت خايفة وحاسة إنى مش طبيعية".

واستطردت جينا العشرينية المقيمة بالإسكندرية "حسب نصيحة الناس اللي وثقت فيهم وقلت لهم كانوا مقتنعين أن دا مش موجود، أو مش طبيعي، وأنا لازم أجرب عشان أتأكد، والتجربة كانت رعب بالنسبالي، عشان أنا مش هجرب غير بعد الجواز، ولو طلعت مبحبش السكس أكيد هيطلقني وحاجات كتير".

يتشارك رامي الشاب الكندي من أصل سوري مشاعر القلق والارتياب من المستقبل مع جينا، "اكتشفت أنني لاجنسي في سن مبكر، في بداية المراهقة أرسل لي صديقي فيلم پورن، كانت المرة الأولى، ساورني إحساس بالتقزز  ولم أستطع إكمال المقطع، وتكرر الأمر مرات، وصلت لمرحلة غضب وانتابني إحساس بالنقص ، وكأن رجولتي غير كاملة، لكني كنت أحاول تقبل الأمر".

واستطرد رامى العشريني المقيم حاليًا بالإمارات "كنت على يقين أن هناك خطأ ما، ولست طبيعيًا، خصوصًا عند سماعي سخرية بعض الأصدقاء المقربين، في بعض النقاشات ذكرت موضوع اللاجنسية دون الكشف عن أنني لاجنسي وأبرز ما قيل عنهم يعانون من مشاكل جنسية (مثليون) ومرضى نفسيين، أعتقد أن اللاجنسية تحتاج وقتًا طويلًا جدًا حتى تصبح مقبولة في المجتمع العربي".

ويشير رامي إلى أن اللاجنسية ليس شرطًا أنه تعني عدم ممارسة الجنس على نحو كامل، فثمة من يرغب في المداعبة أو القبلات أو الممارسات الجنسية البسيطة، ما يعرف بـsoft sex.

مسيرة اللاجنسيين في لندن

البحث عن شريك

في بلد محافظ كاليمن، تصبح أزمة مصطفى أكبر، تعزز شعوره بالاغتراب، فالجميع ينطر له نظرة مريبة كأب أعزب غير متزوج ويرفض تدخل العائلة في اختيار عروس له، بينما يستمر الوالدان والأشقاء في محاولة الضغط عليه للزواج وإنجاب طفل يكون من صلبه "ولا يفهم أحد صعوبات إيجاد شريكة لاجنسية، قد تجد شخصًا تتفق معه فى البداية، لكن بعدها تصطدم بالاختلافات"، ويتفق معه رامي في نقطة صعوبة إيجاد الشريك المناسب، لكنه يستدرك "لأمر لا يضايقه كثيرًا" إذ لا يمانع أن يقضي حياته دون ارتباط.

الزواج والإنجاب ليست أمورًا شخصية في العالم العربي، وكي تحظى بالقبول المجتمعي لا بد وأن تمر بهما، ويتطلب الزواج ممارسة للجنس وصفه "واجبًا" كما ترى البحقيري، وأي شخص يحاول ألا يخضع للمنظومة ﻷي سبب، قد يعاني اجتماعيًا، ومؤكد أن الإجبار على أي ممارسة جسدية تجلب عواقب نفسية على الفرد.

ومع ذلك لا يرفض كل اللاجنسيين العلاقات سواء عاطفية أو جنسية، يفرق هنا رامي بين اللاجنسية و اللا رومانسية، فاﻷخيرة تعني عدم وجود أي انجذاب تجاه الجنس الآخر، ويستحيل معها الدخول في علاقة عاطفية، أما عن اللاجنسية فهي انعدام الرغبة الجنسية فقط.

وتنصح البحقيري اللاجنسيين بالصراحة والوضوح مع الذات والشركاء، وألا يهرعوا إلى إطلاق أحكام إيجابية أو سلبية عن أنفسهم، إذ يعطل ذلك تقبل الذات.

هنا تروي جينا أنها محظوظة خاصة وأنها علاقة رومانسية مع شريكة لاجنسية و"علاقتنا فيها حاجات حسية وعاطفية زي البوسة والحضن"، فيما لا يزال مصطفى مهتمًا بتطوير علاقة عاطفية والعثور على شريكة لاجنسية تشاركه حياته مستقبلًا.


* جميع أسماء المصادر التي شاركت تجاربها الذاتية مستعارة حفاظًا على خصوصيتها.