من القاهرة الجديدة إلى سجن وادي النطرون، أو بدر، فضلًا عن النيابات المختلفة، يقضي المحامي الحقوقي خالد علي جل يومه متنقلًا خلف عشرات قضايا سجناء الرأي، ومن ضمنهم الناشط والمبرمج علاء عبد الفتاح.
وعلي، الذي كان مرشحًا سابقًا للانتخابات الرئاسية في العام 2012، ومؤسس حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، ومؤسس مكتب "دفاع" للمحاماة، شاركنا بعضًا من وقته في مقر المنصة، في لحظة حيوية، فيها الأعين معلقة لمعرفة مصير عبد الفتاح، بعد فترة زخم وشد وجذب خلال قمة المناخ التي اختتمت فاعلياتها 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ومن جهة أخرى مشهد الحوار الوطني المفتوح على الاحتمالات كافة.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا إلى حوار وطني خلال إفطار الأسرة المصرية في نيسان/ أبريل الماضي. ومنذ شهور تجري الاستعدادت لإطلاق الحوار، بتشكيل هيكله التنظيمي، وإطلاق نحو ألف من السجناء والمحبوسين احتياطيًا في قضايا رأي، لكن لا زال جدوله ومواعيده وشكله التنظيمي غير محددين.
سألناه عن المشهد الحالي حيث نقف، إطلاق نحو ألف سجين، وفي الوقت نفسه القبض على آخرين إثر دعوات التظاهر في 11 نوفمبر الجاري، قدَّر حقوقيون عددهم بالمئات، فقال "من وقت إفطار الأسرة المصرية كان فيه تفاؤل كبيرمن كل القوى السياسية، تم العفو عن بعض الناس وإطلاق سراح البعض، لكن رغم أهمية الأعداد اللي خرجت مش بقلل منها دي خطوة مهمة، لكنها لا ترقى إلى طموح القوى السياسية والحقوقية في مصر".
دور لافت للحركة المدنية
يرجو علي أن يُغلق ملف الحبس الاحتياطي بعد انتهاء حالة الطوارئ، ما يُعد إقرارًا بأن أوضاع البلاد استقرت لا تحتاج لحالة استثنائية، وكذلك بحث العفو عن كل سجناء الرأي "أو أي حد أتحبس طالما لم توجه إليه تهمة ارتكاب عمل من أعمال العنف أو الدم".
ومن ضمن تطلعاته، غلق كافة القضايا بعد الإفراج عن السجناء المحبوسين على ذمتها، وكذلك عودة المفرج عنهم لحياتهم، أو ما يعرف باسم الدمج.
حوار خالد علي مع المنصة
يقول علي "الطبيعي إن الناس تخرج يتم دمجهم في المجتمع، وده منصوص عليه في الدستور، لكن للأسف هم رجّعوا بعض الناس لأشغالها وخصوصًا الصحفيين، لكن فيه أساتذة جامعة مرجعوش، طلبة مرجعوش لكلياتهم، محتاج مجهود كبير وحقيقي مش مجرد نتصور مع اتنين تلاتة، خاصة إن أعدادهم لا زالت كبيرة"
الإرادة السياسية
وربط علي أية تغيرات يمكن أن تحدث في المشهد الحقوقي في مصر وبين الإرادة السياسية، معتبرًا أن تأثير الضغط الدولي لن يخرج عن إطار الدعم، سواء في قضية عبد الفتاح حاليًا، أو قضايا أخرى سابقة.
وتحفظ علي على لفظة "ضغط" وفضل تسمية ما يحدث بـ"حملات الدعم والتضامن"، لافتًا إلى أنه أمر متعارف عليه "علاء سجين رأي مهم، هو وأحمد دومة ومحمد عادل قضوا مدد طويلة جدًا في السجن من 2011 لحد دلوقت، عشان كده أما بيبقى فيه دعوات للتضامن معاهم بيكون التفاعل كبير". قال علي ثم تابع "سناء ومنى وليلى وكل الفريق اللي معاهم قدروا إنهم يعملوا حملة كبيرة" لدعم علاء.
كل الاحتمالات واردة
لا يملك علي إجابة عما ستؤول إليه الأوضاع في قضية علاء، "كل الاحتمالات واردة"، ويوضِّح "تمضية المدة كاملة المقضي بيها، أو إن رئيس الجمهورية يصدر عفو بشأنه، وأتمنى أن يصدر عفو سريع عن علاء وكل اللي في القضية (...) وأتمنى العفو يشمل قضايا أخرى، مش علاء لوحده كل الملف دي سجناء الرأي وأصحاب مدد الحبس الطويلة".
وهل قانونيًا يستحق علاء العفو؟ يقول "العفو سلطة تقديرية لرئيس الجمهورية، من حقه يستخدمها ويحدد بيستخدمها إزاي، لكن من وجهة نظرنا طالما في ناس خدت عفو حوكمت على ذات الفعل، وبالعقوبة نفسها، من الناحية الموضوعية إن يتم نفس الأمر في من يقع في نفس الموقف القانوني بتاعهم، هو وباقر وأوكسجين".
أسماء السجناء دائمة الحضور في ذهن خالد علي، فيسمي هنا أيضًا في مناشدات العفو " كمان قضية زياد العليمي، 3 خدوا عفو (زياد وحسام مؤنس وهشام فؤاد) و3 لسه، رغم إن دول واخدين حكم أخف: حسام ناصر ومحمد بهنسي، فاطمة رمضان، واخدين 3 سنين، اللي خدوا حكم أقل مخدوش عفو واللي خدوا أحكام أكبر خدوا عفو، فأحنا بنطالب بصدور عفو عنهم هم كمان".
علاء ليس كغيره
يعتبر خالد علي أن ما يحدث مع علاء كابوسًا يؤرقه شخصيًا، ليس فقط في إطار علاقة المحامي والموكِّل، بل في علاقة أشبه بالعائلة. يوضح علي "بدأت حياتي المهنية محاميًا في مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان، واللي أصبح فيما بعد مركز هشام مبارك، ومن حظى أن مديري المباشر فيه كان الأستاذ أحمد سيف، تعلمت منه، كان أستاذي ووالدي الروحي إلى أن توفاه الله... قضية علاء مش مجرد قضية، تحدي كبير على شخص بعتبره أخويا الصغير، والأسرة كلها تعتبر أسرتي".
"عايشت كل الفترات اللي علاء أتسجن فيها بداية من 2005، مرورًا بكل الأحداث اللي مرت بيها الأسرة، وأنا حاسس إن أنا في كابوس، الكابوس ده خصوصًا بعد 2011، مع أول قضية عسكرية أتعملت لعلاء، ثم رفَض إنه يدلي بأقواله فيها لأنه مدني وعايز يدلي بأقواله أمام القاضي الطبيعي بتاعه، ونجح في ده، ولما اتعرض على القاضي الطبيعي حَفظ القضية وقال إن التحريات كاذبة، واتهم الصحفية اللي أدلت بده بالشهادة الزور. القاضي اللي عمل ده، ثروت حماد الله يرحمه".
وتابع "مرورًا بالوضع الحالي اللي موجودين فيه، آخر قضيتين، التظاهر بتاعة التأسيسية، كانت أول قضية تظاهر يطبق عليها قانون التظاهر الجديد، وتقريبًا كل اللي اتحاكموا في القضية دي خدوا عفو ما عدا اتنين، علاء وحد تاني عليه حكم غيابي، كل اللي صدر عليهم حكم حضوري خدوا عفو إلا علاء طبق الـ5 سنين لوحده، وبالتالي اُستثنى من العفو ده".
ولفت "ده ليه أثر كبير في تخوفنا إن يكون في إصرار من السلطة على إن علاء يكمل 5 سنين في القضية الجديدة اللي هي مجرد جنحة نشر، على بوست هو عمله شير، وكل الناس عارفة إن لم يسمح لنا بتصوير القضية (...) والمحكمة حكمت دون تمكيننا من ذلك وقبل أن تسمع مرافعة موضوعية منا، ولم نتمكن من الحصول على صورة من الحكم، سواء صورة ضوئية أو رسمية".
ولا يقف التباين في التعامل مع علاء وغيره من السجناء بحسب محاميه، بل في التعنت معه في تنفيذ الزيارات. يقول "لو أقارن بين وضع علاء والاتنين اللي معاه في القضية الأستاذ محمد الباقر والصحفي محمد أكسجين، همّا وضعهم في الزيارات أفضل ومش بتتم بحاجز زجاجي، علاء دايمًا زياراته بتتم بحاجز زجاجي".
وتابع "أنا كمحامي كنت بزور علاء كل ما بقدم طلب زيارة، لما كان في سجن العقرب 2، في فترة كورونا مقدرناش، كنا بنسيب الزيارة للأسرة، لكن من وقت ما اتنقل وادي النطرون حصلت على 3 تصاريح من النائب العام لزيارته وإدارة السجن للأسف لم تلتزم بتنفيذ تصاريح النائب العام".
عن سناء ومؤتمر المناخ
ودافع علي عن الدور الذي لعبته سناء سيف، شقيقة علاء الصغرى، في قمة المناخ، وانتقد مهاجميها. وقال "لما سناء سافرت شرم الشيخ، لطرح قضية حرية علاء، الدولة كلها، ومش كده وبس، كاتبة ده بالتفصيل في جواب لعلاء، والجوابات بتمرعلى إدارة السجن عشان يشوفوا أيه يدخل وإيه ميدخلش".
وأضاف "وجودها في مؤتمر شرم الشيخ مش مفاجئة (...) سناء تعرضت لهجوم شرس جدًا سواء من بعض الإعلامين أو المحسوبين على السلطة بدعوى أنها أقحمت نفسها على المؤتمر، وإن المؤتمر مينفعش يطرح فيه موضوع زي اللي سناء بتطرحه".
وتعليقًا على اتهام سناء بالاستقواء بالخارج قال "وكأننا تجاهلنا كل السلطات في مصر ولم نلجأ إليها، على العكس تمامًا، أردنا من كل الخطوات التالية أن نوضح إننا لجأنا لكل المؤسسات المصرية القانونية والسياسية، بداية من تقدمنا بشكوى أننا لم نحصل على صورة الحكم، وصورة القضية، وقدمنا التماسًا للحاكم العسكري لإعادة المحاكمة وتخفيف الحكم، وطلبات عفو لرئيس الجمهورية، هذه الطلبات اتحطت أو قدمناها عشان ننزع الفتيل، لو الأزمة اللي بعض التابعين بيصوروها إننا بنتجاهل السلطة. لا إحنا مبنتجاهلهاش".
وتابع بنبرة أعلى "قلت قبل كده إن الطلب اللي منى قدمته مش جديد، فأنتم لو عايزين تعتبروه جديد وده بيرضي غروركم اعتبروه جديد معندناش مشكلة، لإننا بنبحث عن حرية سجين، أهم من كل التفاصيل البائسة اللي البعض بيحاول يجرنا ليها".
مرشح رئاسي خلف القضبان
وعلى ذِكر السجناء الآخرين، سألنا علي عن المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، فقال إن أسرته طلبت "الإفراج الصحي عنه، هو راجل كبير في السن، وكان عامل عملية قلب، وعنده أزمة في العمود الفقري، وبيجيله ذبحات صدرية عديدة، وأوقات بتبقى حالته الصحية مش كويسة منها الأسبوع اللي فات كان عنده جلسة تجديد حبس محضرهاش، والعذر صحي".
وأوضح سبب وجود جلسة تجديد فيما تم صدور حكم ضده بالفعل بالسجن 15 عامًا قال "هو صادر عليه حكم في قضية أمن دولة طوارئ متمش التصديق عليها، وفي قضية تانية محبوس احتياطي على ذمة قضية تانية بينزل حبس احتياطي باللبس الأبيض".
ولفت علي إلى أنه قدم اسمه للجنة العفو أيضًا "محدش قالي حاجة بخصوصه بنقدم لكل الأسماء كمحامين، اللجنة مفهوم دورها بعض الاسماء المدنية، بيعرضوا على كل الجهات الأمنية هي اللي بتفحس وهي اللي بتقرر، هي صاحبة القرار الحقيقي".
قلق
بعد نحو ساعة، اقتطعها علي من جدول حياته التقليدي المزدحم بالجلسات ومواعيد الزيارات والمرافعات، والذي يقبل دائمًا وجود طارئ مثل "خروج تصريح زيارة لسجين وضعه صعب" فيترك كل ما لديه لينفذها، اختتمنا حوارنا مع علي، والذي لم ينكر وجود قلق سواء على زملائه أو نفسه.
يقول "القلق شيء مشروع وياما شفنا ناس كتير اتاخدت، باقر كان جي واخدني من البيت ومتحركين بعربيته، المحقق استأذنهم (باقر وآخرين) يخرجوا وقالي: للأسف الأستاذ باقر اسمه في القضية ومطلوب القبض عليه، باقر قاله بخضع للتحقيق وسلم نفسه، والأستاذ أحمد الحلو اتقبض عليه وكان بيتحقق معاه الأسبوع اللي فات". وألقت قوات الأمن القبض على الحلو من منزله في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وهو يترافع عن عدد من السجناء السياسين.
حمل علي كل تلك الأعباء والقلق والقضايا الكثيرة، وكذلك آمال حلحلة المواقف والانفراجة والتغير في وضع ملف حقوق الإنسان الصعب، وغادر، مؤكدًا أنه وزملاءه مستمرون في عملهم، دون أن يثنيهم شيء.