تصميم أحمد بلال- المنصة
يطالب قصار القامة من وزير الشباب إتاحة فرصة أكبر أمامهم للمشاركة في البطولات الدولية

الرياضيون اﻷقزام.. يطولون الشمس ولا يراهم أحد

منشور السبت 3 ديسمبر 2022

"القصيرة القزعة". ظلت لسنوات طويلة تتعرض للتنمر بهاتين الكلمتين كلما خرجت من باب منزلها في دمياط، اﻷمر الذي لم ينتهِ عند زملائها بالمدرسة أو بعض الجيران، بل وصل لمعلمتها التي قالت "العصاية أطول منك"، فبكت إيناس الجبالي كثيرًا، قبل أن تقرر أن تصير "بطلة" قارية في رفع اﻷثقال.

الفتاة التي لم يتجاوز عمرها 27 سنة، أصبحت أول مصرية من قصار القامة تحصل على ميدالية برونزية في بطولة إفريقيا البارالمبية لرفع الأثقال، على الرغم من أنها بدأت في ممارسة الرياضة بعدما تخطت العشرين خلال دراستها بالمعهد الفني التجاري، وتشغل حاليًا منصب المدير الإداري لنادي كفر سعد الرياضي في دمياط، و"في الوقت نفسه باتمرن تمارين شاقة 6 أيام في اﻷسبوع بمعدل ساعتين يوميًا"، وفق ما تقول للمنصة.

رغم ما حققته الجبالي لم تحظ بأي اهتمام رسمي، والحال ذاته ينطبق على غيرها من رياضيي ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين وصل عددهم نحو 150 لاعبًا ولاعبة مقيدين باللجنة البارالمبية، يمارسون ألعاب قوى ورفع أثقال وتنس طاولة وريشة طائرة وسباحة، وفقًا لمؤسس الاتحاد المصري لرياضات الأقزام "تحت التأسيس" محمد العطفي.

إيناس و مدربها الكابتن محمد تومة

لم تنس الجبالي فضل والدها و مدربها، وتعتبرهما السبب الرئيسي فيما وصلت إليه، "خدت نصيحتهم لي باستكمال التدريب، وعدم الاستسلام لليأس و المعوقات"، وقبلها كانت ترفض الخروج من منزلها هربًا من التنمر، حتّى مع بداية مشوارها الرياضي لم تسلم من التعليقات "السخيفة" كـ"بتشيلي أوزان أتقل منك" و"هتعملي إيه، مش هتوصلي لحاجة، متكمليش".

لم تكن تجربة حسناء إبراهيم بطلة الجمهورية في رفع أثقال أفضل حالًا من إيناس، فبعد أن انتقلت اﻷولى من شمال سيناء مسقط رأسها للمنوفية قبل سنوات واجهت التنمر بالتجاهل "مش سهل عليا أكون ماشية في الشارع فألاقي ست تشاور عليا لبنتها: شوفي القصيرة الصغيرة"، ومع الصعوبة تحاول ألا تبالي.

رفضت أسرة حسناء في بادئ الأمر ممارسة ابنتها الرياضة، قبل أن تقنعهم بأهمية الأمر، خاصة بعد أن حصدت أول بطولة؛ لتتوالى الانجازات وتحقق أربع بطولات متتالية على مستوى الجمهورية 3 منها رفع أثقال وواحدة ألعاب قوى.

حسناء إبراهيم

فيما ترى الجبالي أنها لا زالت في بداية مشوارها ولم تحقق بعد ما تحلم به رغم إحرازها المركز الثالث في بطولة إفريقيا المفتوحة في رياضة رفع الأثقال لذوي الاحتياجات، وتأهلها لأولمبياد باريس البارالمبي، وإحراز ما يزيد عن 360 ميدالية محلية وإفريقية.

تشكو الجبالي خلال حديثها مع المنصة من أن "الأدوات غير متوفرة في الأندية وغير مخصصة لذوي الاحتياجات، إلى جانب ذلك  لا يوجد مدربين متخصصين في تدريب قصار القامة إلا بمحافظة دمياط".

وتصف معاناتها "في بداية مشواري الرياضي وجدت صعوبة  في إيجاد مدرب يدربني، إلى أن التقيت بمدربي الحالي الكابتن محمد تومة والمتخصص في تدريب وتأهيل ذوي الهمم من قصار القامة فقط".

توفير مدربين متخصصين في نادي كفر سعد، دفع إيناس الجبالي ﻷن تشغل منصب المدير الإداري بالنادي، وتشكّل من بعد ذلك فرقًا رياضية لقصار القامة في ثلاث مجالات، رفع اﻷثقال والسباحة وألعاب القوى. "نفسي أكبر عدد ممكن ينضم للمنتخب، إحنا مش أقل من حد".

وجراء ندرة المدربين، قرر  محمد تومة قبل سنوات، التخصص في تدريب رياضات قصار القامة، خاصة رفع الأثقال وألعاب القوى، وأصبح مدربًا أساسيًا في نادي كفر سعد.

يؤكد معاناته من عدم جاهزية الملاعب بالأجهزة الملائمة، ويضيف "مفيش مدربين متخصصين في رياضات قصار القامة إلا نادرًا، لأن الأقزام اقتحموا المجال الرياضي قبل خمس سنوات بس".

وتصطدم أمنيات الجبالي بتجاهل رسمي "رغم مطالباتنا لأعضاء مجلس الإدارة باللجنة البارالمبية ووزارة الشباب والرياضة على مدار 3 سنين، وكان آخر الاتصالات قبل شهر، لتدعمنا بالأدوات اللازمة في النادي الذي يتدرب فيه ما يزيد عن 80 قزمًا من محافظتي دمياط والدقهلية، وردوا بلما يجي موعد التوزيع هيكون لينا اﻷولوية".

في المقابل، ردّ نائب رئيس اتحاد اللجنة البارالمبية  المصرية أحمد عويل، بأن اﻷندية هي المسؤولة عن توفير أدوات التدريب للاعبيها ، كما أن  اللجنة معنية في المقام الأول بتوفير الإمكانيات اللازمة للاعبي المنتخب الوطني، ويضيف عويل للمنصة "الأندية تخضع لإشراف اللجنة فيما يخص المتابعة وليس توفير الأدوات، وهناك دعم مالي موجه من اللجنة سنويًا للأندية كل نادى مسؤول عن إنفاق الدعم حسب احتياجاته".

ويشرح عويل أن الدعم المقدم للأندية يختلف من نادٍ لآخر حسب النشاط وعدد لاعبيه وتنوع الألعاب والبطولات التي يشارك فيها أو يحققها. ونفى حديث الجبالي عن توقف الدعم، مؤكدًا صرفه سنويًا لكافة الأندية على حد سواء على دفعات خلال السنة الواحدة.

هنا يكشف عضو لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشيوخ  أحمد البلشي للمنصة أنه سبق وأن ناقش مسؤولي اللجنة البارالمبية معوقات كفر سعد، وجرى بعدها تخصيص قطعة أرض في مركز شباب كفر سعد لإقامة ملاعب و مبنى خاص بقصار القامة من قبل وزارة الشباب، ومن المقرر أن يفتتحه الوزير قريبًا.

 

مؤسس الاتحاد محمد عبد الحكم مع بعض اللاعبين

فعليًا، بدأ  محمد عبد الحكم العطفي، أول حكم ألعاب القوى باللجنة البارالمبية المصرية من ذوي الاحتياجات، تأسيس الاتحاد المصري لرياضات الأقزام "تحت التأسيس" منذ 2019، ويقول للمنصة "لسنا أقل من الإعاقات الأخرى الذين يمثلهم اتحادات رياضية، وأرغب  في الإضافة للمجال نظرًا لخبرتي الطويلة في التدريب"، مطالبًا بعقد دورات تدريبية و إدارية و تحكيمية لرياضات الأقزام مع تشكيل لجنة مختصة بهم داخل اللجنة البارالمبية المصرية.

وتعد اللجنة البارالمبية المصرية هي الراعية لرياضيات الأقزام في مصر ، والمتمثلة في ألعاب قوى ورفع الأثقال والسباحة وتنس الطاولة والريشة الطائرة.

صعوبات لا تنتهي

صعوبات حسناء التي أتمت الثامنة والعشرين تبدو أصعب من معوقات زميلتها الجبالي، إذ تقطع عشرات الكيلومترات 5 مرات أسبوعيًا من محل إقامتها بالمنوفية إلى الغربية لتتدرب بإحدى نوادي طنطا؛ نظرًا لعدم توفر نادى مجهز بالأدوات أو المدربين قريبة. هذا يحملها أعباء مادية "كبيرة" تصل نحو ألفي جنيه شهريًا، في حين لا يتجاوز راتبها الشهري من عملها  كسكرتيرة بعيادة خاصة الـ 900 جنيه، "لذا أكمل مصاريف تدريبي من معاش والدي"، حسبما أخبرت المنصة.

ولا تنتهي صعوبات الرياضيين اﻷقزام عند هذا الحد، فتضيف الجبالي  "لا نتلقى  حافزًا ماديًا مقابل مشاركتنا  في البطولات المحلية، أمّا البطولات الدولية فنحصل على مقابل".

الأمر ذاته ينطبق على حسناء التي تؤكد أنها  رغم حصولها على 4 بطولات على مستوى الجمهورية فإنها لم تحصل على حافز مادي مقابل أي بطولة، و إلى الآن لم تُسجل ضمن صفوف المنتخب رغم ذلك تسعى جاهدة لأن تحصل على لقب بطلة العالم في رفع الأثقال.

تطالب الجبالي وزير الشباب بإتاحة فرصة أكبر أمام قصار القامة للمشاركة في البطولات الدولية، مع وضع معايير محددة للالتحاق بالمنتخب، بخاصة أنه لم يمثل مصر في بطولة إفريقيا سوى شخصين الجبالي ومحمد سعد المنياوي.

المنياوي ابن محافظة الغربية، وصاحب اﻷربعة وعشرين عامًا، توج بطلاً لرفع الأثقال البارالمبي بعد أن حصد المركز الأول في بطولة إفريقيا المفتوحة التي عقدت بمدينة 6 أكتوبر خلال الفترة من 27 لـ 30 أكتوبر الماضي.

دخول المنياوي المجال الرياضي كان بمحض الصدفة بعد أن أقنعه أصدقاؤه بممارسة الرياضة؛ ليحصد أول بطولة له في نوفمبر 2020 ، وبعد عامين من التدريب، ظل خلالهما يبذل أقصى جهده ليحقق مراكز رياضية متقدمة، لينضم بعد ذلك لصفوف المنتخب الوطني  في أكتوبر 2021 بعد أن أثبت كفاءته.

حظ محمد كان أفضل من زميلتيه، ولم تواجهه الصعوبات نفسها، فاستطاع أن يحصد ثلاث ميداليات ذهبية في مباريات محلية وميداليتين ذهبيتين في البطولة الإفريقية الأخيرة، ويستعد حاليًا للبطولة الباراليمية المقرر عقدها في باريس 2024.

بنبرة حزينة تقول الجبالي "لاعبين لم يجدوا  إمكانيات مادية متوفرة لهم لن يحققوا مراكز متقدمة أو ينضموا للمنتخب، علشان كده وفرت المدرب واللاعبين بعدما أقنعت أسرهم بأهمية تدريبهم وتأهيلهم ليستجيبوا لي بعد أن كانوا رافضين يخرجوا ولادهم من البيت ينقصني فقط الأدوات حال توفرها هحقق انجازات غير مسبوقة معهم".