نشر المحامي الحقوقي خالد علي أمس، صورة من نص تقرير الدائرة الأولى لهيئة مفوضي الدولة، بشأن الدعويين رقمي 43709، و43866 لسنة70 قضائية، المقامتين من علي أيوب والمحامي خالد علي- على الترتيب-، ضد كلاً من رئيس الجمهورية ورئيسي الوزراء ومجلس النواب بصفاتهم "لوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار إبرام وتوقيع المدعي عليهما الأول والثاني اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصّها عدم أحقية المدعي عليه ثالثا لمناقشة الاتفاقية لمخالفة ذلك للمادة 151 من الدستور المصري" بحسب نص صحيفة الدعوى.
وكلَّفت المحكمة هيئة مفوضي الدولة، محكمة القضاء الإداري "الدائرة الأولى"، بإصدار تقرير حول الجوانب المتعلقة بالدعوى، وفقًا لحافظات المستندات التي تقدم بها المحامون وتلك التي طولبت بها الدولة.
وأوصت الهيئة في تقريرها الذي تسلمته المحكمة أمس، بتشكيل لجنة من الخبراء المختصين للفصل فى الجوانب الفنية المتعلقة بقضية ضم الجزيرتين للسيادة السعودية، وفقًا لما ورد بالتقرير الصادر بإشراف نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار محمد الدمرداش.
وأبرمت الحكومتان المصرية والسعودية الاتفاقية سالفة الذكر 9 أبريل/ نيسان الماضي بعد 11 جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، انعقد آخرها ديسمبر/ كانون أول 2015، عقب توقيع الرئيس المصري وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إعلان القاهرة في 30 يوليو/ تموز 2015.
واستهلت هيئة المفوضين تقريرها الصادر تحت عنوان "الرأي القانوني" باستعراض أرشيفي لخط سير مراحل التقاضي وجلساتها حول الجزيرتين اللتين أثار قرار ضمهما للسعودية احتجاجات ضد النظام المصري بلغت أوجها بتنظيم مظاهرات "جمعة الأرض" في الخامس عشر من أبريل/ نيسان الماضي، والتي اعتقل على إثرها العشرات من النشطاء المعارضين.
وأشار تقرير هيئة مفوضي الدولة إلى أن النتائج التي يسعى المدعيان (المحاميان) لبلوغها؛ إنما ترتكز أساسًا على ما نسباه للمدعي عليهم، من "مخالفتهم للدستور بإبرام معاهدة أو اتفاق أو بإصدار قرار بالتنازل عن الملكية والسيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير".
وأورد تقرير مفوضي الدولة المادتين اللتين يستند إليهما المدعيان لتعزيز موقفهما في القضية، وهما 1 و151 من الدستور المصري الحالي، بما يتضمناهما من نص عن أن مصر "جمهورية موحدة لا تقبل التجزئة" وأنه "في جميع الأحوال، لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن جزء من إقليم الدولة".
وأوضح التقرير القانوني أن المدعيان، بناءً على ما سلف، "يهدفان إلى الحكم بقبول الدعوتين شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء بترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، فيما تضمنه من إخراج جزيرتي تيران وصنافير من الحدود المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصّها الامتناع عن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وعدم عرض أي اتفاق أو معاهدة تتضمن خلاف ذلك على مجلس النواب".
الدولة ترفض المحكمة
وانتقل التقرير إلى الجانب المدعى عليه (الدولة) مشيرًا إلى الدافعين الذين طرحهما محامي الدولة، الذي دفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري والقضاء عمومًا بنظر الدعوى. وطلب عدم قبول الدعوى ل"انتفاء القرار الإداري عن شكل وموضوع الدعوى".
وعقّب التقرير على هذين الدافعين بالقول: "إن قضاء المحكمة الإدارية العليا جرى على أن الخبرة هي الاستشارة الفنية التي يستعين بها القاضي في مجال إثبات المسائل التي لا تتوفر لدى علمه، والتي ليس بإمكانه الحسم فيها. بخلاف المسائل القانونية التي تقع في نطاق اختصاصه وخبرته". مشيرًا إلى حرص مجلس الدولة على اللجوء إلى الخبرة، "مع اعتبار رأي الخبير في كافة الأحوال استشاريًا غير ملزم".
أسانيد دستورية
وأوصى التقرير بإحالة الدعوى إلى لجنة ثلاثية من الخبراء المختصين في مجالات: القانون الدولي العام، والجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية المرتبطة، والهندسة المتخصصين في رفع المساحات والقياس".
واستبق التقرير إعلان المحكمة قرار الإحالة للخبراء، بذكر حيثيات أدت لإصداره، ومنها المادة 3 من الدستور المصري الصادر عام 1971، الذي كان مُطَبَّقًا وقت تصديق مصر على اتفاقية قانون البحار عام 1982، الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 1990، بشأن خطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية للدولة. وتنص المادة 3 من دستور 1971 على أن: "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات. ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين بالدستور".
وأورد التقرير موادًا من الدستور الحالي لمصر، الصادرة تعديلاته عام 2014، وهي "1، و4، و32، و33، و34، و45، و68، و151". المتعلقة نصوصها حول مبادئ دستورية مثل: "حظر التصرف في أملاك الدولة العامة. وإلزام الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية. وأن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، يجب الإفصاح عنها من مصادرها المختلفة. ودعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة. وأنه في جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".
وجدد التقرير تأكيده على أن: "المشرع الدستوري أكد حماية أراضي الوطن ومنع وحظر ما نص عليه الدستور في حماية أراضي الوطن، والحظر البات للتنازل عن أي جزء منه".
وقدمت هيئة المفوضين في حيثيات تقريرها، وفقًا للقانون الدولي العام؛ تعريفات وشرح لعناصر الدولة، ومعنى وسبل تحقيق السيادة على الأراضي بمختلف صورها بين "الاستحواذ، واكتساب الملكية بالتقادم، والاحتلال، والبيع والشراء".
قرار من عهد مبارك
وكان من بين حيثيات قرار هيئة مفوضي الدولة، عدد من بنود قرار رئيس الجمهورية رقم 145 لسنة 1983 بشأن الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS 1982.
واستند التقرير، ضمن الحيثيات، إلى المادة الثانية من القرار الرئاسي التي تتسق مع مواد الدستور فيما يتعلق بالحفاظ على وحدة أراضي الوطن. وأنه حفاظًا على المصالح الوطنية المصرية؛ سترفق جمهورية مصر العربية وثيقة تصديقها إعلان حول "البحر الإقليمي، وإعلان بشأن المرور في مضيق تيران وخليج العقبة".
وكان من حيثيات إحالة القضية للخبراء الفنيين، ما استعرضه التقرير، بخلاف القرار الرئاسي، من بنود الاتفاقية الأممية حول قانون البحار، والتي تتناول نقاطًا فنية لتحديد الإطار العام لتعيين المياه الداخلية، وحدود البحر الإقليمي بين دولتين ذوات سواحل متقابلة (كما في حالة مصر والسعودية)، أو متلاصقة عن طريق: "اتفاق الطرفين، وخط المنتصف، وأي خط آخر تفرضه الاعتبارات التاريخية أو ظروف الحال الأخرى"؟ وهي ما أتبعها التقرير بما كان من قرار رئيس الجمهورية برقم 27 لسنة 1990، بشأن خطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية لمصر، كأحد حيثيات الإحالة.
موقف هيئة المفوضين
ذكر التقرير كيف أن جهة الإدارة- في إشارة إلى أجهزة الدولة- "نكلت (تقاعست) عن تقديم المستندات حاسمة الدلالة في الدعوى الماثلة. وذلك بالرغم من إلزام محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة بتاريخ 17/5/2016 الدولة؛ بتقديم الاتفاقية محل النزاع والكتب والمراسلات والمحاضر، وبيان الإجراءات التي اتخذت بشأنها. فضلاً عن إعذار جهة الإدارة بالغرامة، ثم تغريمها 200 جنيهًا أثناء جلسات تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضي الإدارة... وذلك بالالتفات عما ساقته جهة الإدارة (الحكومة) من اكتفائها بدفعها المقدم بعدم اختصاص المحكمة".
وعلى الرغم من ذلك، رفضت هيئة المفوضين أن التسليم بطلبات المدعين الرافضين للاتفاقية دون التحقيق والتمحيص، وفحص المستندات المقدمة باعتباره:"أمر لا يتأتى كذلك في الدعوى الماثلة".
وأرجعت الهيئة قرارها بشأن عدم التسليم بطلبات المدعين، إلى أن: "البعض من المستندات صور ضوئية لا يمكن التأكد من حقيقتها. والبعض الآخر مستخرجات مطبوعة من شبكة الإنترنت لا ضامن لحجيتها. أما عن الكتب المقدمة أصولها؛ فهي تعبر عن رأي كاتبها في حقبة تاريخية معينة، وفي ظل ظروف محددة، ولا يمكن البناء عليها"وفقًا للحيثيات.
واعتبرت هيئة مفوضي الدولة أن الدعوى المقدمة بشأن الجزيرتين بحالتها الماثلة: "لا تكفي لتكوين عقيدة جازمة بشأن طلبات المدعين"، ما يستلزم الاستعانة بـ"أهل الخبرة".
وبناءً على القرار الصادر من هيئة مفوضي الدولة بإحالة ملف قضيتي جزيرتي صنافير وتيران للخبراء لاستطلاع آرائهم؛ أضيف للقضية طرفًا جديدًا هو "أهل الخبرة"، انتقلت الكرة لملعبهم، فأصبحوا مطالبين بأداء أحد عشر مهمة، كلّفتهم بها المحكمة كان من أبرزها وفقًا للتقرير القانوني الصادر عن الهيئة: "الاطلاع على اتفاقية كامب ديفيد وكافة ملحقاتها، والنسخة المودعة لدى السكرتير العام للأمم المتحدة، لبيان طبيعة أراضي تيران وصنافير ومضيق تيران، ودخولهم في أي من تقسيمات الاتفاقية المذكورة. وورود أي تحفظات أو إعلانات بشأنهم من عدمه".
وتشمل مهام لجنة الخبراء: "تلخيص تاريخ الجزيرتين لبيان ملكيتهما عبر التاريخ، وتوضيح هل كانتا أراضٍ بكر قبل استحواذ مصر عليهما؟ وتحديد الإحداثيات الخاصة بإعلان المملكة العربية السعودية الصادر في 2010. وبيان ما إذا تضمنت الجزيرتين من عدمه. والاطلاع على الاتفاقية الموقعة بين مصر والسعودية 2016 وتحديد الإحداثيات الواردة بها، ومضاهاتها بتلك الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 1990".
بالإضافة إلى تكليف لجنة الخبراء المزمع تشكيلها بعرض الوثائق التاريخية "الثابتة الدلالة" بشأن الجزيرتين بدءً بالدولة العثمانية وتقسيماتها الإدارية، مرورًا بالحرب العالمية الأولى، ثم المطامع الإسرائيلية التي استهدفت إنشاء مستعمرات في شبه جزيرة سيناء، ثم العدوان الثلاثي وما تلى ذلك من أحداث. وكذلك استعراض قرارات مجلس الأمن في هذا الشأن وحتى توقيع الاتفاقية الأخيرة.
وأخيرًا جرى تكليف لجنة الخبراء ببيان ما إذا كان إعلان الجزيرة كمحمية طبيعية صادر عن مصر أم مجلس الأمن أم الاتحاد الأوروبي، وتحديد حقوق والتزامات الدولة، وما سيترتب على انتهاء تبعية الجزيرتين لها.