في لقاء مصور لمجلة What Women Want، قالت الممثلة وإحدى مؤسسات مجموعة Comedy Sett، سارة عبد الرحمن أنها عادة ما تتلقى عبارة "انتي البنت الوحيدة اللي بتضحكني" من الجمهور. اللافت في ذلك اللقاء، الذي جمع أكثر من مؤدية كوميدية، أن كلهن أكدوا تلقيهن العبارة نفسها. وهو ما يعني أن عددًا كبيرًا من البشر يرى النساء غير قادرات على إنتاج الكوميديا، أو على الأقل عدد القدرات على ذلك قليل ونادر.
في محاولة لإدراك الفارق العددي بين الجنسين في الكوميديا حاولنا جمع بعض المعلومات عن الكاتبات والسيناريستات المصريات من خلال موقع السينما دوت كوم، لأن الأرقام غير متاحة بطريقة أسهل من ذلك. وخلال البحث، وجدنا أن تاريخ الكتابة السينمائية يبدأ من عند عزيزة أمير في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، ومعها أيضًا بهيجة حافظ، لكن أفلامهما بعيدة عن الكوميديا.
بداية الكتابة الكوميدية النسائية يمكننا أن نجدها في الثمانينيات وأوائل التسعينيات على يد كاتبات مثل ماجدة خير الله بأفلام مثل الجوهرة (1985)، والمليونيرة الحافية (1987)، والستات (1992)، وإسعاد يونس بمسلسلها الأشهر بكيزة وزغلول (1987)، وفيلم مأخوذ عنه بعدها بعام واحد، ونادية رشاد بفيلم حل يرضي جميع الأطراف (1986). وذلك مقابل العدد الكبير للرجال الذي كتب أغلب الأفلام الكوميدية المعروفة في ذلك العقد.
هذا الأمر متحقق أيضًا في الولايات المتحدة على سبيل المثال، ويمكن ملاحظة أثره في قوائم الكوميديانات المؤثرات على مر التاريخ. مثلًا في قائمة Rolling Stone لأفضل 50 ستاند أب كوميديان على الإطلاق، والمنشورة عام 2017، اختيرت 12 امرأة فقط من بين الـ 50، وواحدة فقط دخلت ضمن العشرة الأوائل.
ما السبب في ذلك الفارق العددي الهائل رغم مرور كل تلك السنوات على دخول النساء إلى مجال الكتابة الكوميدية؟
وجهة نظر من الخارج
تتمثل أسباب تلك الندرة في شقيّن، الأول التربية المحافظة للطبقة الوسطى التي تؤثر على رؤية المرأة تحديدًا لذاتها وللعالم من حولها، مثل أنها خلقت كي تكون جميلة لا مضحكة، فالضحك بصوتٍ عالٍ مرفوض، والابتسام مسموح بحدود، ولا داعٍ للفت الانتباه بأي شكلٍ من الأشكال، والكوميديا عكس ذلك كله.
ومن ضمن الصور النمطية والأدوار المحفوظة لكل جنس، أن الرجل يحتاج إلى خفة الظل كي يكون محبوبًا فيتمكن من تكوين صداقات وعلاقات عاطفية، أما المرأة فلا تحتاج إليها طالما امتلكت الجمال والتهذيب اللازمين وفق القواعد الطبقية.
ليست الكوميديا ضد الجمال، ولكن الكوميديا فعل صاخب مثير للانتباه يضع صاحبه، في كثير الأحيان، في موقع ذيل النكتة. أي أن الكوميديان يسخر من نفسه ومن الجميع أيضًا، وهو فعل مرفوض إذا كنتِ تربيتِ على الحفاظ على هيئتكِ وسمعتكِ والخوف من الهزل.
أما الشق الثاني فله علاقة وثيقة بالتنميط الجندري للوظائف، حيث المرأة للولادة وتربية الأبناء والرجل للبحث عن لقمة العيش. ولأنه يشقى للحصول عليها لا بد له من بعض الترفيه، عن طريق سماع القصص الطريفة والنِكات ومبادلتها مع أصدقائه في أماكن التجمّع المعتادة، دون أبناء أو زوجة.
وبما أن السينما جزء من المجتمع، ستجد أن الأدوار تُسكّن بالطريقة نفسها تقريبًا. فالمرأة معلبة إما في جمالها، أو براءتها، أو جموحها، أو أمومتها، ومن لا تنطبق عليها تلك المواصفات يمكنها أن تصبح كوميديانة، مثلما حدث مع ماري منيب أو بدرية طلبة وإيمان السيد مثلًا.
لكن هذين السببين ليسا وحدهما ما يمنع ظهور المرأة كوميديانة سواء مخرجة أو كاتبة أو مؤدية، بحسب كاتبات يكتبن حاليًا للدراما والسينما ومؤديات يقدمن ستاند أب كوميدي تحدثن للمنصة.
الضحك بصوت عال
ترى الستاند أب كوميديان سلمى النجار، التي بدأت العمل في المجال من خلال ورشة صلاح الدالي عام 2019، وقدمت حفلات بصحبة العديد من الفرق الكوميدية، أن التربية المحافظة مؤثرة، ولكن بطريقة مختلفة. فالكوميديا تحتاج جرأة في طرح المواضيع، وهو ما لا تستطعيه الكثير من النساء، لأن "الأنثى تتربى على الابتعاد عن التحدث في المواضيع الحساسة، وهي لُب الستاند أب كوميدي القائم على الملاحظة والتساؤل حول ما يحدث حولنا بجرأة أكبر من المجالات الأخرى".
تضيف سلمى للمنصة أن التحدث عن التحرش مثلًا "يعتبر عيبًا بالنسبة لبعض الناس، رغم أنها تتعرض له يوميًا تقريبًا، لكنها لا يجب أن تناقشه في العلن. أو مثلًا فكرة شراء الملابس الداخلية من رجل، وهو أمر أيضًا تعرضتُ له ووجدته غريبًا، لكن البعض يستنكر الحديث عن ذلك في المجال العام".
تقول سلمى إنها تلاحظ اتساع حدقات بعض الحضور عندما تبدأ في تناول تلك الأمور، رغم أنها ليست إباحية، لكن التحدث عنها لا يزال مرفوضًا بالنسبة للبعض، وحيث إن الستاند أب كوميدي يعتمد بشكل كلي على طرح المشكلات والتجارب والمواقف التي تقابلها في حياتك، وبعضها تكون حساسة، فـ"الكوميديا الحساسة تثير الضحك لأنها تصدم الحضور، والصدمة إحدى الأدوات التي يستخدمها الكوميديان في طرح أفكاره"، فالكوميديان كما يقول ريكي جيرفيز ليست مهمته الوحيدة الإضحاك فقط، وإنما حفزك على التفكير فيما يطرح من أفكار.
أما السيناريست سارة هجرس، التي شاركت في كتابة حلقات برنامج البلاتوه، ومسرحيات أمين وشركاه، وأيضًا بعض حلقات الموسم السادس من مسلسل الكبير أوي (2022)، فتعترض على ربط التربية أو النسق القيمي للمجتمع بقلة عدد الكاتبات. وترى أن المرأة قد لا تكون منتجة في مجال الكتابة الكوميدية "لكنها لا زالت مستهلكة لها، وأننا لا يجب أن ننظر إلى الإنتاج فقط، بل إلى الاستهلاك أيضًا، وفي ذلك الفروق ليست كبيرة بين الجنسين، كليهما يستهلكان الكوميديا ويستمتعان بها".
وعن مصاعب المهنة أشارت سلمى إلى أن النساء تتعرضن إلى ضغوط أكبر من حيث الخوف من عدم الإضحاك "ببقى طالعة بنت واحدة وسط خمس أو ست ولاد، بخاف لو ما ضحّكتش يتقال آه ما علشان بنت".
هذا إلى جانب العديد من المخاوف الأخرى التي تتعلق بالمظهر، مثل التعليق على الوزن والملابس والشعر وحبوب الوجه، وهو ما واجهته سلمى، وعلى الأرجح لم يواجهه كوميديان رجل.
هناك أيضًا المواقف المحرجة التي تتعرض لها الكوميديانة أثناء العمل، تشعر سلمى بالضيق الشديد عندما يعلق الزملاء أو الجمهور على ضحكاتها الرنّانة بعبارات مثل "نخبي نفسنا من بوليس الآداب بقى". وترى أن ذلك يأتي في سياق الصورة النمطية عن البنت التي لا يجب أن تضحك بصوتٍ عالٍ، حتى وهم في حفلة غرضها الأساسي الضحك.
كوميديا نسوية وأخرى ذكورية
لا تظن سارة أن الكوميديا تخص جنسًا بعينه، لأن جميع الموضوعات متشابكة وتتأثر ببعضها البعض، والفكرة التي تناقش فرضية ما تخص المرأة هي في الوقت نفسه تناقش فرضية تخص الرجل والمجتمع ككل. وأضافت أن وجود كاتبات في مجال الكوميديا قد يخلق مساحة لمناقشة قضايا قد تكون بعيدة عن استيعاب الرجل، لكنها في النهاية ستنسحب عليه هو الآخر وسيرى نفسه في تلك القضية.
أما سلمى فترى أنه يمكن لبعض النِكات أن تخاطب النساء أكثر من الرجال أو العكس، بمعنى أن يتفاعل ويتواصل معها جنس دون الآخر. مثلًا تجربة شراء لانجيري من رجل، أو حجز ملعب لكرة القدم في شهر رمضان. الموضوعان قد يكونا مضحكين للجنسين، لكن كل جنس سيتفاعل معه بصورة مختلفة.
هل الرجل أظرف؟
فكرة أن الرجل أظرف من المرأة تعرّض لها الباحثون في دراسة نشرها موقع بي بي سي، وكانت نتائجها لصالح الرجال لكن بفارق نسبة بسيطة عن النساء. ترى سارة أنه لا فارق بين جنس وآخر فيما يخص الصفات الإنسانية كالظُرف والذكاء والكرم والإبداع وغيرهم، فالصفات ليست حكرًا على جنس دون غيره.
أما سلمى فقالت إنه بالنسبة لها الأمر متعلق بالرؤية الجماعية المسبقة والتنميط، فالرجال يرون أنفسهم أظرف، وهذا ما يدفعهم لكثرة الهزل والإفيهات، مما يكسبهم ثقة أكبر في قدراتهم الكوميدية.
ويبدو أثر ذلك في محاولة تحقيق الكوميديا المستمرة عن طريق بعض الرجال غير الظرفاء، لكن ثقتهم الكبيرة في أنفسهم وقدراتهم الكوميدية تدفعهم إلى "رمي الإفيهات يمين وشمال".
تحكي سلمى أنها تعرضت للضيق في أكثر من موقف بسبب إفيه من رجل واثق أن كل ما يقوله مضحكًا، مثل تعليق أحد مقدمي العروض على جزء من جسد فنانة مشهورة يرميه ببساطة ودون تفكير في أثره على الحاضرين، لكنه متسلح بفكرة أنه، بالضرورة، ظريف لأنه رجل. وهو ما يأتي بنتائج عكسية.
ربما في المستقبل
يعني هذا إذن أن ثمة مؤرقات كثيرة تعطل المرأة داخل مجال الكتابة الكوميدية وتمنع أخريات عن الالتحاق به، ويبدو الطريق طويلًا أمام النساء في السينما المصرية لتحقيق ما يستحقونه في ذلك المجال. ولكن تحكي سلمى أنها رأت فتاتان في عمر 14 و16 سنة تتشاركان في عرض كوميدي على المسرح، ما أعطاها الأمل في مستقبل يتسع لكوميديانات أكثر وكوميديا طازجة تتخفف من أعباء الصور النمطية والمُعلبة التي تثقل كاهل النساء.