منذ سنتين، ظهرت ادعاءات تتهم المخرج إسلام عزازي بالتعدي الجنسي على بعض النساء، وانقسم وقتها المتابعون بين مشكك وداعم، في سلوك نمطي لا يجر عادةً أي تبعات قانونية على صاحبه. لكنَّ المخرجة سلمى الطرزي، التي دعمت أولئك النساء، وجدت نفسها فجأة أمام القاضي كمتهمة بالسب والقذف.
في بداية سبتمبر/ أيلول المنصرم، علمت الطرزي لأول مرة أنها مطالبة بالمثول أمام المحكمة كمتهة بـ"السب والقذف وتعمد الإزعاج" وذلك بعد انقضاء جلستين فعليتين للقضية التي لم تخطر بها قبلًا، حسب محاميها أحمد راغب الذي أكد للمنصة "تأخرنا في معرفة الموعد بسبب وصول أول إعلانين للقضية على محل إقامة سابق لسلمى، عرفنا قبل الجلسة الثالثة بوجود دعوى قضائية ضدها".
في الحادي عشر من الشهر الماضي، مثلت سلمى أمام المحكمة الاقتصادية، فيما وصفه التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان بـ"الاستهداف القضائي"، لكنَّ الطرزي ترى أن قضيتها بمثابة حركة "بص العصفورة" التي تهدف لصرف النظر عما وجه للمخرج من تهم، تقول للمنصة "الحكم (في قضيتها) حتى لو جاء في صالحه إن كان يثبت شيئًا، فيثبت إن فلانة جابت سيرة فلان لكن لا ينفي عنه التهمة أو يبرئه، وكان أمامه خيار آخر بدلًا من الجري ورانا لأننا الضحية السهلة، كان يروح النيابة يطلب بفتح التحقيق معاه في الاتهامات دي، لتبرئة نفسه".
لكن المحامي أحمد راغب يرى موقف موكلته قويًا في القضية، ويعتبر أن ما نشرته على فيسبوك لا يندرج تحت بند السب القذف "السب هو الشتم المباشر بمعناه المتعارف عليه، أما القذف فهو أن أقول على شخص حاجة أو وصف لو صح مفروض يعاقب عليه قانونًا أو الناس تحتقره، ومن وجهة نظرنا أن المنشور اللي نشرته سلمى لا يندرج تحت هذه الاتهامات".
لا تتضمن تهمة السب والقذف، حسب راغب، عقوبة السجن، لكن "تعمد الإزعاج" الملحقة بلائحة ما تواجهه الطرزي تحتمل الحبس مابين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وليست سلمى الضحية الأولى لاستهداف المتضامنات ضد العزازي قضائيًا، سبقتها الصحفية رشا عزب التي اتهمها المخرج ذاته بالسب والقذف، وأدانتها المحكمة وأصدرت حكمًا بتغريمها عشرة آلاف جنيه.
عبث ادعاء البحث عن العدالة
لم يكن اسم إسلام عزازي مطروحًا من الأساس في الشهادات الست التي نشرتها مدونة دفتر الحكايات مختصرة اسم "الجاني" إلى الحرفين الأولين من اسمه "إ. ع"، مابين 7 و11 ديسمبر 2020، لكن المخرج نفسه هو من أعلن بعد نشرها أنه المقصود منها، ساعتها شاركت الطرزي عبر فيسبوك، واحدة من تلك القصص وقالت "أعرف صاحبتها وأعرف صاحبة شهادة أخرى غير منشورة وأعرف ما مروا به والأثر اللي فضل معاهم بعد اللي حلصهم".
مع ظهور تلك الشهادات كتب عزازي أن ثمة ادعاءات تتهمه بالاعتداء الجنسي، داعيًا صاحباتها لاتخاذ الإجراءات القانونية للتحقيق فيها "هذا كلام عبثي إزاي نبلغ عن واقعة من سنين؟"، تقول سلمى قبل أن تضيف "مين يا جماعة ينفع تروح على النيابة وتقول رحت لواحد البيت وشربني".
ورغم ذلك أشارت سلمى إلى تحرك النيابة من تلقاء نفسها للتحقيق فيما تضمنته شهادات أخرى مجهلة من اتهامات، مثلما حدث "في قضية أحمد بسام زكي، وفتحت تحقيق رغم أنها شهادات مجهلة"، مؤكدة "دي نوعية جريمة لا يجوز أن تعامل بطريقة الجرائم العادية التي تحتاج أدلة وشهود".
في يوليو/ حزيران 2021، قررت النيابة العامة التحقيق في اتهام ثلاث فتيات لأحمد بسام زكي بالتعدي الجنسي، بعد أن رصدت "وحدة الرصد والتحليل" التابعة لمكتب النائب العام ما شاركته تلك الفتيات المجهلات وحجم التفاعل معها على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك قبل أن يحيله النائب العام حمادة الصاوي إلى محكمة الجنايات بتهم "هتك عرض ثلاث قاصرات وتهديدهن بالإضافة للتحرش والابتزاز وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، وذلك قبل أن تبرأه المحكمة ذاتها في درجة الاستئناف.
لكن النيابة في واقعة عزازي، حسب سلمى، لم تتحرك، رغم ما أثارته الاتهمات ضده من تفاعل واسع، أدى إلى سحب إدارة مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثانية والأربعين فيلمه "عنها" من المشاركة في المسابقة الدولية بالمهرجان، ماجعل مناصروه يصفون الشهادات بـ"حملة هدفها الأساسي الإضرار بالفيلم"، وهو ما تعترض عليه الطرزي "عرض الفيلم مشي زي ما هو، اتعرض مرتين زي ما هو، ومشي على السجادة الحمراء وعمل انترفيوهات، أي ادعاءات عن أن الفيلم تعرض لضرر هي ادعاءات كاذبة".
سلمى ترى أن عزازي نفسه هو من أضر بفيلمه "كتبت الشهادة بتاعتي وقلت خليك مش أناني، الفيلم ناس كتير اشتغلت فيه، أضعف الإيمان ما تروحش الافتتاح وخلي الفيلم يمشي عادي، لآخر لحظة كنت بدافع عن الفيلم اللي هو مش بتاعه لوحده، هو ملك اللي اشتغل فيه ومش ذنبهم مجهودهم ما ياخدش حقه لأن حد غلط أو تعرض لاتهامات".
كتبت سلمى مرتين عبر فيسبوك عن ضرورة دعم الفيلم ومنتجته دينا فاروق "قلت إن أمامها فرصة ذهبية لبدء إجراءات فعلية للمواجهة، مثل إرسال رسائل للمشاركات في الفيلم، تسأل لو في حاجة حصلت والاطمئنان على سلامة الناس وتكون سابقة تنقذ الفيلم".
جاءت أغلب شهادات الضحايا تتهم المخرج بالتعدي الجنسي عليهن خلال كاستنج لأفلامه، أو في مواقف أخرى كانت وظيفته سببًا رئيسًا للتقرب منهن، وتستغرب سلمى من تكاسل الوسط الفني وقتها في البحث عن سبيل لمنع أي تكرر مثل تلك المآسي "كان ممكن يحصل اجتماعات بين المنتجين وبروتوكول لنظام العمل لتجنب وقائع أخرى مشابهة في الكاستينج واختيار الممثلين".
وتؤكد سلمى أن التحرش أثناء الكاستنج أمر يتكرر كثيرًا منذ زمن ولا يرتبط وحده بواقعة عزازي "على مدار السنين في الكاستينح بنشوف تحسيس على الناس ونقل أدبنا عليهم، أي مساعد إخراج شاف ده في الكاستينج، كلما كانت البنات أقل اقتصاديًا واجتماعيًا، كانت الانتهاكات أكثر فجاجة".
غير أن نقابة السينمائيين اتخذت موقفًا منذ أشهر عدّة، وأصدرت قرارًا بمنع عقد أي كاستينج إلا في مكان عمل واضح أو مكان مفتوح، وهي الخطوة التي تراها سلمى "إيجابية جدًا ممكن تسلط الضوء على هذا النوع من الانتهاكات".
ما فعلته "أنا أيضًا"
ورغم شيوع التحرش داخل اختبارات أداء الممثلين، فإن تأخر الإعلان بوضوح عنه وفق ما جاء في الشهادات، يرتبط لدى سلمى بالثورة التي أحدثتها حركة Me Too، التي شكلت نقطة تحول في تعبير النساء عن معانتهن مع العنف الجنسي.
لكنها ترى أيضًا أن رغم ما وفرته الشهادات المجهلة من "بيئة آمنة للحكي"، فإنه تلك الآلية في الوقت نفسه "فيها مشاكل، لكن لا يمكن حلها من طرف واحد".
لا تميل سلمى إلى التسليم بتصديق الناجيات في المطلق "لكن يجب أن نأخذ الشهادات بجدية لا نستبعد احتمال حدوث الواقعة، نفكر فيها ونحاول التحقق مع الوضع مع اعتبار موازين القوى المختلفة للشخص الآخر كرجل أو صاحب عمل".
تنظر سلمى لمفهوم العدالة في قضايا العنف الجنسي بصورة أوسع من مجرد تطبيق عقوبات على المتهمين "لست من أنصار أن الحل الوحيد تغليظ العقوبات، لو كان بيجيب نتيجة ما كانش يبقى في قتل واغتصاب، تغليظ العقوبات أسهل لأنه يعطي شعور إننا جبنا من الآخر يريح المسؤول ويريح الشخص الذي تعرض للانتهاك، لكن لا يحل أصل المشكلة ولا يتعامل مع البيئة والخطاب الذي يفرز هذه الشخصيات".
تتحدث أيضًا عن موازين القوى المرتبطة بتلك القضايا "الموضوع مش بس رجالة وستات، ولا إن فيه رجالة أشرار يعملوا ده في مليون حاجة، في سلطة وعرق ومستوى اجتماعي"، تصمت قليلًا وتضيف "قضية شادي خلف مش زي قضية فيرمونت مش زي واحدة بياعة شاي جم أربعة خمسة اغتصبوها، مش كلهم نفس الموازين".
الشهود عنصر كبير للفصل في مثل تلك الجرائم، لكنَّ "الشهود في الشارع أبناء البيئة دي هيطلعوا يقولوا تستاهل لابسة بنطلون محزأ، الظابط ابن البيئة، والقوانين على ورق القائمين على السلطة أبناء البيئة دي، كلنا نتورط في ممارسات تغذي هذا الخطاب حتى بدون وعي، زي إننا نقول إيه اللي وداها هناك"، تستنكر أن "نغلظ العقوبات ونقول ايه وداها هناك، أو نهرب المتهم من الشارع أو واحد صاحبي غلط أطلع أقول لا يمكن يعمل كده أو أتبنى خطاب حاد يساوي كل الحاجات ببعض وكل حاجة تفقد معناها".
تتذكر سلمى واقعة تعرضها لجريمة سطو مسلح واغتصاب من جانب حارس العقار الذي تقطن فيه، وفضلت أن تتهمه فقط بالأولى دون الثانية "لأني بشكل مبدئي ضد عقوبة الإعدام والاغتصاب تحت تهديد السلاح عقوبته الإعدام فقررت الإبلاغ عن السطو المسلح فقط".
"كنت ضحية مثالية، في بيتي لوحدي، اللي اغتصبني واحد من الطبقة العاملة، يختلف لو أنا بياعة شاي أو اغتصبني في ديسكو، أنا كنت ضحية سهل التعاطف معها مافيش سؤال إيه وداها هناك، كان عندي امتيازات تخلي العدالة بالصورة العقابية تاخد صفي"، تقول سلمى التي لا ترفض التعامل مع آليات العدالة المتاحة رغم إدراكها أنها "لا تشفي غليل كل الضحايا" بالضرورة.
تطالب سلمى بالعمل على إيجاد عقوبات بديلة "السنين اللي فاتت أكتر سنين تغليظ عقوبات لكن العنف الجنسي بيزيد، لا أقول الاستغناء عن عدالة الدولة والقانون، بقول مهمة والناس تشتغل عليها، لكن يكون في مطالب أكبر تكون لصالح الأضعف".
إشكاليات قانونية
إلهام عيداروس، الناشطة النسوية، تقول إن آلية الشهادات المجهلة تواجه تحديًا جديدًا "ملاحقة المتضامات يضع الآلية النسوية للشهادات المجهلة في تحدي، المجهولية أفهمها شيء أساسي لأن عدم السرية من أكبر العوائق التي تمنع النساء عن اللجوء للقانون".
تشير إلهام في حديثها للمنصة إلى الإشكاليات المتعلقة بآليات الوصم وموقف المحققين وموقف العدالة الرسمية أو اللوائح المؤسسية "الناس ترفض اللجوء لها ليس لمجرد عجم الثقة من النتيجة لكن أيضا التسييح الناس هتعرف مافيش أي ضمانات، وإمكانية التسريب موجودة عند كذا مرحلة"، تضيف "الست مش عايزة تبقى موضوع الكلمة دي بسمعها مش عايزة ابقى موضوع".
لكن التحدي الجديد سينعكس على المجهولية "تتوقع الست بعد نشر الشهادة رد فعل معين، فهي أداة للبوح وطلب الإنصاف بشكل غير مباشر، ليس البوح فقط، بل تتوقع الإنصاف من الجهات المعنية ولو بشكل غير مباشر، الست متوقعة رد فعل إن شالله حذف من قائمة الأصدقاء على فيسبوك". تخشى إلهام أن "البوح دون إنصاف يؤدي إلى إحباط".
مسلسل ملاحقة المتضامات مع الضحايا ربما يقف عقبة أمام جدوى آلية الشهادات المجهلة حسب الطرزي، التي تقول "ممكن يصعب الموضوع ويضيق نطاقه، كمان ماحدش قال إن الآلية دي مثالية"، تضيف سلمى التي تتوقع "تطور آليات جديدة والبحث عن سبل أفضل وربما يستغرق وقتًا ولكن بالتأكيد الموضوع لن يتوقف وهيحصل تطور".
تنتظر المخرجة والكاتبة سلمى الطرزي، استكمال الدفاع في القضية المقامة ضدها، وبغض النظر عن نتيجة ما ستؤول إليه المحاكمة، فلن تعوقها عن الاستمرار في الدفاع عن حق النساء "العنف الجنسي حاجة حتمية في يوم من الأيام هنتعرض لشكل من أشكال العنف الجنسي، نحن في وضع سيئ نحتاج تغييره والعمل عليه، بس لازم نتعامل ما يكسرناش ما يبقاش نهاية حياتنا".